على مسلمي ألمانيا المشاركة في توجيه دفة موطنهم الجديد
السيد إسحاق، ما سبب انتقادك الشديد لكليات الفقه الإسلامي الجديدة في الجامعات الألمانية؟
فريد إسحاق: النقطة المفصلية تكمن في عدم طرح السؤال الأساسي عن الدوافع الأيديولوجية خلف الاهتمام بوجود الفقه الإسلامي في الجامعات الألمانية. يبدو لي أنَّ الألمان المسلمين ما زالوا في غاية الامتنان للسماح لهم عمومًا بالوجود في ألمانيا، وكأنهم مدينون بشيءٍ ما فقط لأنهم يعيشون في هذا البلد. كأنهم كانوا يقفون من قبل تحت المطر في بلدٍ مسلمٍ قمعي مثل إيران أو كانوا يعشون في ظلِّ ظروفٍ اقتصاديةٍ سيئةٍ، كما في تركيا، وكأن سيارة مرّت بهم، وأقلـَّتهم إلى ألمانيا. وهم الآن يجلسون شاكرين في السيارة، لكنْ بصفتهم رفاق طريق.
كلُّ أسئلتهم حول أنفسهم وحول إسلامهم هي أسئلة شخص بمنزلة مساعد. هم في وضع ضيفٍ يسأل نفسه: "كيف لي أنْ أكون رفيق طريقٍ أفضل؟" خلف هذا تكمن فكرة الانصهار. يود السائق أن تكون مرتاحًا، لكن باعتبارك راكبا مرافقا فقط. بينما يتوجب على المسلمين الألمان طرحُ بعض الأسئلة الأساسية: إلى متى نريد أنْ نظل راكبين مرافقين؟ متى سنتحمل المسؤولية المأمولة؟ متى سنصبح شركاء في ملكية السيارة؟ إلى أين تمضي السيارة ومن يملكها؟
هل تختلف نظرتك إلى الاندماج لأنك من جنوب أفريقيا؟
فريد إسحاق: نعم أعتقد ذلك. نحن مسلمي جنوب أفريقيا نعيش هناك منذ ثلاثمائة عام. جنوب أفريقيا وطننا، لقد حاربنا ضد الفصل العنصري من أجل بناء مجتمعٍ غير عنصريٍ ولا يميز بين الجنسين. نحن لسنا أقلية، بل مسلمين جنوب-أفريقيين. المسلمون في ألمانيا يشكلون بطبيعة الحال ظاهرةً حديثة العهد نسبيًا. لكني لا أرى أنَّ على المسلمين الألمان أنْ يكونوا أقليةً لأكثرَ من ثلاثمائة عام حتى يطالبوا بالمشاركة في تشكيل المجتمع.
كان التعاون معنا سهلًا بالنسبة للناشطين ضد الفصل العنصري. غالبًا ما تكون الأقليات منشغلة بنفسها وبهمومها الخاصة، مثلاً: كيف يمكنني إحضار عمي إلى ألمانيا؟ أو كيف يمكنني التأكد من أن اللحوم من حيوانات تم ذبحها بشكل صحيح، ومن أننا سنحصل على الحق في ختان أطفالنا؟ عند طرح مثل هذه المواضيع يصعب على المسلمين اكتساب حلفاء دائمين من مختلف ألوان الطيف التقدمي العريض. كانت مناقشات المسلمين في جنوب أفريقيا أكثر تقدمًا، لذلك كان الحصول على دعم الآخرين أسهل.
كيف يتم تلقّي مفاهيمك الفقهية في العالم الإسلامي؟
فريد إسحاق: الكثير من المسلمين يقدِّرونني، لكن ما أقوله يحيِّرهم أيضًا. أنهم يقدِّرون الوضوح في موقفي المناهض للاستعمار والامبريالية، ويمكن رؤية التألق في عيونهم عندما أعبِّر عن هذه المواقف. لكنهم يشعرون بعدم الارتياح بمجرد إدلائي بنفس الانتقاد تجاه المجتمعات الإسلامية. مثال على ذلك: أوجِّه انتقادي لسلوك القوى المهيمنة إزاء المسلمين. لكن في نفس الوقت يعامل الرجال المسلمون زوجاتِهم بنفس الطريقة. وإذا رجعنا إلى مثال السيارة ورفيق الطريق نقول: النساء في العالم الإسلامي محكومٌ عليهن بأنْ يَكُنَّ راكبات مرافقات. الأمر ينسحب على الأقليات الدينية: بالفعل نودُّ أنْ نعاملهم بشكلٍ جيدٍ، لكنَّا لا نريد أنْ يشاركوا بالسلطة.
يحب المسلمون اتهامي فقط، عندما يكونون ضحايا. ويختلف الأمر عندما انتقد أسلوب تعاملهم بالذات مع الأقليات الدينية مثل المسيحيين في مصر أو باكستان، ولكن أيضًا أنتقد أسلوب تعاملهم مع الأقليات الجنسية. الكثير من المسلمين لا يحبون سماع هذه الانتقادات.
هل هناك مشكلة مع التعددية في الإسلام؟
فريد إسحاق: نحن لا نعتبر إيماننا شيئًا يتغيّر باستمرار، بل نبحث بشكلٍ دائمٍ عن أفكارٍ ثابتةٍ مثل مفهوم المدينة المنورة ومفهوم مكة، إلا أنَّ كلا المفهومين بسيطان للغاية: قبل الهجرة وبعد الهجرة. كنّا في المفهوم المكّي ضحايا، أما في مفهوم المدينة فكنّا المنتصرين والحاكمين. بيد أنَّ كلا المفهومين لا يلائم مجتمعًا منفتحًا وتعدديًا، لأنَّ الأمر في مجتمع كهذا مرهونٌ دائمًا بالأخذ والعطاء. وكما انتقد عدم اعتراف الألمان بحق المسلمين في المشاركة الفعلية، أعارض النقاش الإسلامي الداخلي الذي يسعى لأنْ تكون الكلمة الفصل للمسلمين.
هل هناك أصلاً جدوى من هذه المفاهيم اليوم؟
فريد إسحاق: إذا استندنا اليوم إلى هذه المفاهيم باعتبارها نماذج للمستقبل يكون لدينا مشكلة. لا بدَّ لنا من التخلِّي عن الفكرة القائلة بأنَّ الماضي يتضمَّن خطة مستقبلية، فالظروف كانت في الماضي مختلفة تمامًا. كثيرٌ من السُّور المكيَّة القصيرة كانت صرخات احتجاجٍ ضد الاستغلال. هذه إحدى مشاكل المسلمين: إنَّ نقدنا اليوم للقوى المهيمنة ليس مبدئيًا، بل عويلاً، لأننا لسنا نحن من يسيّطر على العالم.
هناك نُهوجٌ فقهيةٌ جديدةٌ، تريد إحداث مصالحة بين الإسلام والمجتمع التعددي، لكنها تأتي أساسا من الغرب. هل ترى فرصةً في أنْ تلقى آذانًا صاغية في العالم العربي؟
فريد إسحاق: لقد أجاب الربيع العربي للأسف على سؤالك. كنا نعتقد أنَّ المسلمين يتحركون نحو الديمقراطية، لكن هذا لم يحصل. لا توجد مجموعة من الناس مستعدَّةٌ بالفطرة للعَظَمَة أو الفوضى، وإلا من كان يتصوَّر ما حدث في ألمانيا بالذات؟ لكني لا أتوقع حاليًا الكثير من التطورات في العالم العربي، فالولايات المتحدة الأمريكية متشابكة بالعالم العربي إلى حدٍّ كبير جدًا، والمصالح الغربية في جعل بعض الأنظمة الملكية مستقرةً كبيرةٌ للغاية. بالإضافة إلى ذلك هناك عوامل داخلية مثل النظام الإقطاعي، أو تمترس الجيش في مصر. لا، لا يمكننا فعليًا ملاحظة وجود تطورٍ ديمقراطيٍ تعدديٍ.
يطرح إرهابُ "الدولة الإسلامية" (داعش) الكثير من الأسئلة على رجال الدين. برأيك، هل يمكن إيجاد مبرِّرٍ لكلِّ شيءٍ في القرآن؟
فريد إسحاق: يؤلمني جدًا أنْ أقول إنَّ الجواب الصادق هو: نعم. باعتباري مسلمًا أود أنْ أقول بعدم وجود أيِّ مبرِّرٍ لهذه الهمجية في القرآن، إلا أنَّ هذا لنْ يكون صادقًا فكريًا. هناك مواقع في النص تقرأها جماعة "داعش" بطريقة تبرِّر فيها همجيتها. بالنسبة لنا نحن المسلمين وكذلك بالنسبة لأتباع كل الديانات التي تقوم على أساس نصوصٍ مقدَّسةٍ، هناك جدلٌ مستمرٌ بشأن كيفية التمكُّن من ضمان فهمٍ واسعٍ وشاملٍ وتعدديٍ لبعض النصوص. لكن جماعة "داعش" تنهل من نفس المنبع الذي ننهل منه. هم يأخذون الماء ويسممونه، لكن المنبع واحد، مهما استصعبتُ الإقرار بذلك.
حاورته: كلاوديا منده
ترجمة: يوسف حجازي
حقوق النشر: قنطرة 2014
نال الباحث الإسلامي والناشط السياسي فريد إسحاق شهرةً عالمية بفضل كتاباته ضد الفصل العنصري في جنوب أفريقيا. كـُلف إسحاق من سنة 1994 في حكومة مانديلا بشؤون المساواة عدة سنوات. من أعماله "القرآن والتحرير والتعددية" (1997) و "القرآن: دليل المستخدم" (2005).