منتقبات بين سماحة البرغماتية البريطانية وقداسة اللائكية الفرنسية
النقاش العام يحيي الديمقراطية. كما أن النقاش في حد ذاته يعتبر ميزة محبوبة للغاية في الديمقراطية البريطانية، إلى جانب الحريات الخاصة والنهج البراغماتي. من هذا المنطلق لست متأكدة من أن أعداد من يرتدين النقاب أو البرقع في هذا البلد كبيرة لدرجة استحقاق هذا القدر من الاهتمام العام أو إهدار هذا الكم من الموارد من أجلها.
فبعكس فرنسا اتخذت بريطانيا منحى أكثر ليونة فيما يتعلق بالاختلاف والطابع المتعدد الثقافات لمجتمعها. وفي ظل الظروف الراهنة من غير الواضح، وربما من المستحيل، وضع حد فاصل لما هو "مختلف". لكن السؤال الصعب بالنسبة للجميع هو كيفية موازنة حقوق المواطنين ككلّ وحقوقهم كأفراد.
وعلى الرغم من أن فرنسا وبريطانيا تتشاركان في قناعاتهما بحقوق الإنسان ومبدأ الحرية الدينية واحترامهما لسيادة القانون إلا أن الثقافة السياسية فيهما ونظاميهما القانونيين مختلفان تماماً.
براغماتية بريطانية
فالفرنسيون ينسبون دوراً رمزياً قوياً لمؤسسات الدولة. أما في بريطانيا فإن هذه المؤسسات تُحترم بشكل كبير لكن الثقافة السياسية والنظام القانوني يقودان إلى تعامل عملي أكثر في هذه الأمور (على سبيل المثال لا توجد في بريطانيا أية وثيقة يمكن أن تسمى دستوراً للبلاد).
لقد ناقش الفرنسيون قانون حظر ارتداء النقاب لمدة عامين تقريباً مفترضين جميع السيناريوهات الممكنة التي يمكن أن يتحدى فيها النقاب مبدأ اللائكية المقدس لديهم. أما المجتمع البريطاني فلا يبدو أنه أخذ أهمية النقاب على محمل الجد إلا عندما ظهر أنه (أي النقاب) يسبب معضلة في حالات معينة، في المحاكم على سبيل المثال. وحتى في هذا السياق الذي يسبب جدلاً كبيراً يختلف الحل الذي وصل إليه البريطانيون بشكل كبير عن الحل الفرنسي.
إن قرار القاضي ميرفي حول كيفية التعامل مع حالة النقاب في محكمته بلندن الذي يسمح للنساء المسلمات بأن يحاكمن وهن يرتدين النقاب، على أن ينزعنه في حالة اعتلائهن منصة الشهادة أثبت أن البراغماتية في بريطانيا هي المنتصرة في هذه القضية الجدلية المتعلقة بالسماح بارتداء النقاب في الأماكن العامة. البعض اتهم القاضي بأنه قدم تنازلات كبيرة في هذه القضية. لكن قراره كان قوياً ومدروساً بشكل ذكي.
ففي الوقت الذي تجنب فيه القرار إصدار منع شامل فإن طلبه من النساء إزالة النقاب عندما يدلين بشهادتهن يعتبر سابقة، حتى وإن تم التشديد على أن هذا الحل خاص بهذا الظرف وأنه ستتم مناقشة كل موقف مشابه في المستقبل على حدة.
لكن من خلال هذا التعامل الدقيق، الذي يسمح للمرأة بارتداء نقابها في المحكمة وإزالته فقط للتعريف عن نفسها للضباط أو للإدلاء بشهادتها، أكد القاضي على الدورين اللذين تلعبهما المدعى عليها وعلى درجتين من الأولوية في حقوقها، بالإضافة إلى التأكيد على الدور المؤسساتي لكل من القاضي والمحكمة.
فقد أعطيت الأولوية لحق المرأة في الحرية الدينية عندما تكون جالسة في المحكمة كفرد. لكن عندما تتخذ دوراً "رسمياً" كمدعى عليها، فإن مصلحة الدولة (التي تتطلب منها الذهاب إلى المحكمة) وقوانينها في التعريف والشفافية والتواصل أثناء المحكمة تكون هي السائدة.
الحق في التعبير عن القناعات الدينية
ودون أن أكون نصيرة لــ"موضة" التغطية الكاملة للجسد ما أزال أتفهم موقف ومنطق أولئك اللواتي يقررن ارتداءه والأهمية التي يولينها لحقهن في التعبير عن قناعاتهن الدينية. كما أقدّر أيضاً أن الحفاظ على السلم الاجتماعي والنظام هو من أهم واجبات الدولة.
لذلك، فإن حظراً شاملاً (لارتداء النقاب) ستكون له مخاطر على المصلحة العامة وترابط المجتمع أكثر من منافعه، فهذا الحظر قد يثير بشكل غير ضروري المشاعر لدى كافة أطياف المجتمع وقد يسلط الضوء على انقسامات حقيقية أو محسوسة داخله، بالإضافة إلى أنه قد يسبب ارتياباً لدى المسلمين وقد يشجع أفراداً ومجموعات تضطهد بعض المجموعات العرقية والدينية أو تميل إلى اضطهادها.
إن العقلية الأحادية وعقلية الإقصاء خطران كبيران يهددان المجتمع المعاصر، فهما قد يقودان إلى التطرف والتشدد والاستبداد. لذلك، يجب أن ترحب كل الأطراف بالبراغماتية والليونة من أجل حماية الديمقراطية والحريات الفردية والمصلحة العامة. لذلك، فلنرحب بالنقاش، لكن دعونا نأمل ألا تكون هناك حاجة إلى قانون بمجرد انتهاء النقاش.
ساره سيلفستري
ترجمة: ياسر أبو معيلق
تحرير: علي المخلافي
حقوق النشر: سارة سيلفستري/ قنطرة 2013
تعمل ساره سيلفستري أستاذة في قسم السياسيات الدولية بجامعة سيتي في لندن.