مغاربة إلى تركيا للدراسة وللهجرة إلى ألمانيا
سفيان بوحمدي -شاب درس في المغرب إلى غاية المستوى الجامعي- تخصص في الفلسفة أولاً ثم قرر أن يحصل على دبلوم تقني. لم ترُق له تجربته المهنية -إن كان قبل أو بعد مرحلة التخرج- وعبَّر عن ذلك بالقول إن "العمل في المغرب، لم يمنحني شغفا لأتقدم أكثر، كنت أجد نفسي في نفس المنصب وأراوح مكاني لوقت طويل دون إحراز تقدم، فبدأت أفكر في الهجرة".
لكن قبل اتخاذ الخطوة ومغادرة البلد كانت له تجربة مع البطالة وحينها استثمر وقته الذي استمر عامين كاملين في العمل الخيري في أماكن بعيدة ونائية في مختلف المناطق المغربية، قبل أن يتخذ قرار الهجرة في مرحلة حاسمة.
فكرة تركيا لم تكن واردة -بحسب ما يحكيه سفيان لمهاجر نيوز- بل جاءت صدفة، بعد اطلاعه على منشورات رحلة سياحية لصديقه في اسطنبول، ليبدأ البحث عن معلومات عن كيفية دخول البلد وتوصل إلى أن الرحلات السياحية من دون تأشيرة بالنسبة للمغاربة لمدة 3 أشهر، وتذاكر الطيران لا تتجاوز 250 يورو ذاهابا وإيابا، ويوم 23 نوفمبر/ تشرين الثاني 2018، انطلقت الطائرة لتي تقله من الدار البيضاء نحو اسطنبول وفي حوزته مبلغ لا يتجاوز 400 دولار.
"أوروبا أبعد ثقافيا وطريقها أخطر وأطول"
يقول سفيان "لم أفكر قَطّ في الهجرة إلى أوروبا بالطريقة التي يفعلها أغلبية الشباب المغاربة، أي عن طريق الهجرة السرية، لأن سلامتي أولى من الوصول لأي بلد أو حلم كيفما كان، فكانت تركيا اختياري الأفضل والأول، خاصة أنها بلد ثقافته قريبة من ثقافتي كثيرا. أما أوروبا فبعيدة عني ثقافيا وطريقها أخطر وأطول، بالإضافة إلى أنه في تلك الفترة كانت تركيا جيدة على المستوى الاقتصادي، ولم تكن الليرة تعاني كما في الآونة الأخيرة".
لم يفكر سفيان في جعل تركيا محطة عبور نحو أوروبا مثلما يفعل كثيرون اليوم، بل العكس تماما كان مصمما إما على النجاح فيها أو العودة إلى المغرب. وقد كان لقاؤه في المطار مع سيدة مغربية لاحظت أنه مشتت التركير٫ فتوجهت نحوه وسألته إن كانت هذه زيارته الأولى لتركيا، فأجابها بالإيجاب، وقالت له: "هل تبحث عن عمل أم أتيت سائحا؟ فقال سفيان، نعم أريد العمل".
نصحته السيدة بالتوجه إلي منطقة تقسيم المعروفة في إسطنبول، فهناك يمكنه أن يجد فرصة. كما اقترحت عليه فندقا يأويه بثمن بخس 400 يورو لمدة شهر، وساعدته للوصول إليه.
صبيحة الغد زارته السيدة المغربية وأخبرته أن هناك معمل خياطة في حاجة لعامل، فوافق وانطلق فورا.
لم يمضِ الكثير من الوقت على عمله في المصنع، حتى قرر أن يجد لنفسه فرصة أفضل، ويقول سفيان "فور تقديمي أول طلبات العمل بالدبلوم الذي حصلت عليه وفي مجال خبرتي تصميم الغرافيك بدأت تصلني العروض فورا كان الأمر مفاجئا للغاية".
نقص اليد العاملة بأوروبا فرصة لشباب تونس
أزمة معيشية في تونس جعلت الهجرة إلى أوروبا الأمل المتبقي لشبان وشابات عاطلين عن العمل رغم شهاداتهم الجامعية وتدريباتهم المهنية، في حين تعاني أوروبا من نقص الأيدي العاملة. ماركو فولتر التقى بأحدهم في ألمانيا.
تأسيس عمل خاص
حصل سفيان بعدها على أكثر من فرصة، لكن ما فتئت فكرة التغيير تظهر، خاصة بعدما انطلق في تجربة بث مقاطع فيديو عبارة عن نصائح للشباب عن كيفية إيجاد فرص للدراسة والعمل في تركيا. فتحولت الفكرة من نشاط على وسائل التواصل الاجتماعي إلى شركة قانونية توفر الفرص للشباب من كل البلدان -للمجيء إلى تركيا- يديرها سفيان بنفسه.
انطلقت الشركة بجلب 5 طلاب من سلطنة عمان عام 2021 للدراسة في الجامعات التركية، كان فيها سفيان وسيطا بين الطلاب والجامعات، وبعد نجاح التجربة، بدأ سفيان يعمل على توسيع الفكرة لتشمل أي بلد يهتم مواطنوها بالمجيء إلى تركيا لأجل العمل والدراسة.
شركة الخدمات الطلابية التي أسسها سفيان -والتي تخصصت في جلب الطلاب الراغبين في الدراسة بتركيا- تقوم بمساعدتهم على إيجاد الفرص في الجامعات المناسبة لهم وتواكبهم بدءا من إجراءات الاستقبال إلى أن يستقروا بشكل قانوني.
حققت الشركة سمعة طيبة لدى الجهات الرسمية والجامعات وفي صفوف الطلاب أيضا، لذلك صار حلم سفيان يكبر إذ يقول: "أتمنى أن تفتتح الشركة فروعا أكثر في المدن المغربية".
تركيا - معبر إلى ألمانيا
وبينما وجد سفيان في تركيا مستقرا ولو إلى حين اختار ابراهيم أن يكون معبره -إلى ألمانيا- هو روسيا التي عاش فيها لفترة من الزمن، فقد أتى إليها في فترة تعلمه للغة وفيها اجتاز الامتحان.
وبحسب الشاب الراغب في الهجرة إلى ألمانيا فإن عدم عودته لبلده والانطلاق من هناك واختيار تركيا، كان بسبب مشكلة توقف إصدار التأشيرات وما تلاها من تأخر في فترة الأزمة الدبلوماسية بين ألمانيا والمغرب، فقد كان من الصعب الحصول على موعد في القنصلية لتقديم الطلب. بينما كانت دراسة اللغة في المغرب دائما ميسرة في مختلف المدن المغربية وليس هناك فرق أبدا في هذا الصدد بين البلدين.
كذلك أشار المتحدث إلى أن معهداً شهيراً -يجتاز فيه المغاربة امتحان اللغة معروف بيسر امتحاناته مقارنةً بمعاهد معتمدة أخرى- له فرع في تركيا، لكن الفرق بين فرعيه في كلا البلدين أنه في المغرب قد تنتظر أربعة أشهر بعد تقديم طلب اجتياز الامتحان، وتنتظر أسابيع طويلة بعده للحصول على الشهادة، بينما في تركيا هناك تنظيم أكثر ولا تحتاج سوى وقت قصير بعده للحصول على شهادتك، مدة أقصاها 4 أسابيع.
إضافة إلى ذلك فجدولة المواعيد في القنصلية الألمانية في العاصمة المغربية الرباط تعتبر بطيئة للغاية عند مقارنتها مع إسطنبول، فبينما يجب على من أراد الحصول على موعد الانتظار مدة عام كامل -في الرباط- يحصل عليه من يطلبه في اسطنبول في 15 يوما فقط.
تونس: هجرة العقول جنوبا في إفريقيا
توانسة بالآلاف فكروا عكس التيار بعيدا عن هوس الهجرة نحو أوروبا ودول الخليج فاتجهوا جنوبا ضمن إفريقيا حيث فرص واعدة وإجراءات سهلة. تجارب مهاجرين على "طريق الحرير الإفريقي" يحكيها طارق القيزاني.
الغش أسهل من تركيا
أما الميزة الثالثة لتركيا على المغرب -والتي جعلت إبراهيم يختار العبور نحو ألمانيا من تركيا- فتتعلق بمسألة التحقق من الوثائق، "وهنا لا أتحدث عن الوثائق الرسمية مثل الشهادات الجامعية أو شهادات اللغة، بل شهادات التدريبات المهنية المحصول عليها مثلا من الفنادق أو المستشفيات"، يقول المتحدث. في المغرب يتواصل الموظفون داخل القنصلية بالجهات المذكورة في هذه الشهادات للتأكد من أنها حقيقية، بينما في تركيا لا يفعلون ذلك، لذلك أغلب من يمتلكون شهادات -اُشتُرِيَتْ فقط- يفضلون دائما طلب التأشيرة من تركيا بحسب قوله لـ مهاجر نيوز، ودون أن نستطيع التحقق من ذلك.
كما أشار ابراهيم إلى أن هناك فرقاً في وقت دراسة الملف المكتمل للقنصلية، "في المغرب إذا كان ملفك كاملا تماما فدراسة الطلب قد تتطلب من 20 يوما إلى شهر أو أكثر، بينما في تركيا تكفيهم 3 أيام فقط أو أسبوع ليبلغوك بالرد".
ونظراً لأن إبراهيم لم ينجح في كل فصول اختبار اللغة فإن أمر إيجاد تدريب مهني صار صعبا لذلك يخطط للتطوع الاجتماعي في ألمانيا، وهو أمر غير متاح حاليا من المغرب بينما تتم دراسة طلبات الشباب في هذا المجال في تركيا، ولا يُطلب ضمن الملف سوى المعارف اللغوية الأساسية، كأن تكون قد اجتزت الشق المتعلق بالامتحان الشفهي فقط ورسبت في باقي أجزاء الامتحان.
كل هذه الميزات والتسهيلات في تركيا كان سماسرة عقود العمل والتدريبات المهنية في ألمانيا على علم بها، فعملوا في السنوات الماضية على جلب زبائنهم إلى تركيا لأجل تعلم اللغة في معاهدها الخاصة، ثم تحصيلهم فيزا لهم بسرعة.
وكان مهاجر نيوز قد وثق -في تحقيق سابق- أيضا تلاعبات بزبائن بعض السماسرة كانوا ضحايا نصب واحتيال عبر عقود مزورة لم تكشفها القنصلية الألمانية في تركيا، ووصل عبرها المهاجرون المغاربة إلى ألمانيا دون أن يدركوا أنهم كانوا ضحية نصب، وعاشوا حالة من الرعب في ألمانيا بعد الوصول وبعد تنبُّه السلطات للأمر.
ماجدة بوعزة
حقوق النشر: مهاجر نيوز 2024
Qantara.de/ar