"نفضل الموت في حرب اليمن على الموت جوعا في القاهرة"
"أريد العودة إلى وطني"، يقول علي وهو يفرك عينيه، ويضيف: "المصريون لا يمكنهم إبقاءنا هنا". وعلي شاب ممتلئ الجسم في وسط الثلاثين من عمره، يقف خلف حشد الأشخاص المجتمعين أمام مبنى السفارة اليمنية المصبوغ باللون البيج، وينظر من حوله. ويقول متذمِّرًا: "هذا الجنون يجب أن يتوقَّف".
لقد جاء علي في منتصف شهر آذار/مارس 2015 مع شقيقه من العاصمة اليمنية صنعاء إلى القاهرة، وفي الواقع من أجل قضاء إجازة لبضعة أيَّام في مصر: وكانا يخططان لزيارة الأهرامات والمتحف المصري، بالإضافة إلى ميدان التحرير. ولكن بعد أيَّام قليلة فقط من وصولهما اندلعت الحرب - "الكارثة الكبيرة" مثلما يسميها علي.
منذ السادس والعشرين من شهر آذار/مارس وحتى الآن يقوم التحالف الذي تقوده المملكة العربية السعودية بقصف مواقع المتمرِّدين الحوثيين في اليمن. ونتيجة لغارات التحالف فقد قُتل مئات الأشخاص ومن المفترض أنَّ نحو مائة ألف شخص هربوا بسبب القتال (بلغ عدد النازحين محليا داخل اليمن بسبب القتال الدائر بين اليمنيين حتى نهاية إبريل/نيسان 2015 أكثر من 300 ألف شخص، وفق الأمم المتحدة)، وفي كلِّ يوم تتزايد هذه الأعداد. وفي كلِّ يوم يتضاءل أمل علي في العودة قريبًا إلى وطنه. ولهذا السبب فهو يحتج اليوم أمام سفارته - مثلما يفعل كلَّ يوم.
وعلي واحد من نحو خمسة آلاف شخص يمني تقطـَّعت بهم السبل حاليًا في القاهرة. والكثيرون منهم عائلات وأشخاص مُسنُّون، سافروا إلى مصر من أجل استشارة الأطباء أو للخضوع لعمليات جراحية. ومن أجل القيام بهذه الرحلة إلى هبة النيل أنفقوا مدَّخراتهم. وباتوا يواجهون الآن مشكلات كبيرة: فبالنسبة لهم لم يعد من الممكن تقريبًا دفع ثمن إيجارات البيوت والشقق في القاهرة، بالإضافة إلى معاناتهم من تناقص المواد الغذائية والمياه.
ولذلك أعلنت سفارة اليمن أنَّها تريد أن تفعل كلَّ ما في وسعها، ولكن على الرغم من ذلك لا توجد لديها موارد كافية من أجل مساعدة مواطنيها. ومن أجل لفت انتباه الحكومتين اليمنية والمصرية إلى محنتهم، يحتشد العالقون - مثلما يسمون أنفسهم - في كلِّ يوم أمام السفارة اليمنية الكائنة في حيّ سكني في القاهرة. حيث تجلس النساء على الرصيف، ويردِّد الرجال الهتافات ويحملون لافتات من الورق المقوى كتبوا عليها بأنفسهم عبارات مثل: "أوقفوا الحرب في اليمن!".
"الموت في الحرب أفضل من الموت جوعًا"
يجب على حكومة اليمن أن تُعيد مواطنيها إلى عدن، مثلما يقول علي. يقف شقيقه بجانبه ويهز رأسه موافقًا. "نحن لا نستطيع العمل في مصر ونادرًا ما نحصل على مساعدات. وأموالنا بدأت تنفد". مثلما يقول علي ويضيف: "نحن نفضِّل الموت في الحرب على أن نموت من الجوع هنا".
وعلى أية حال فقد منحت الحكومة المصرية اليمنيين حقَّ البقاء إلى أجل غير محدود. وعلى الأرجح أيضًا لأنَّ حكومة الرئيس عبد الفتاح السيسي تعرف أنَّ العمليات القتالية في شبه الجزيرة العربية من الممكن أن تستمر فترة أطول - لا سيما وأنَّ مصر تُعدُّ واحدة من أشدِّ المؤيِّدين لعملية عاصفة الحزم.
ورسميًا يُصر النظام المصري على أنَّ عملية الحلفاء السُّنة العسكرية تهدف إلى الحيلولة دون سيطرة المتمرِّدين الحوثيين الشيعة المدعومين من إيران على مضيق باب المندب، الذي يتمتَّع بأهمية كبيرة خاصة بالنسبة لمصر. وذلك لأنَّ جميع السفن تقريبًا التي تمر من هنا تعبر أيضًا قناة السويس، التي تربط البحر الأحمر مع البحر الأبيض المتوسط.
ولكن في المقابل يرى الخبراء أنَّ السيسي لا يستطيع ببساطة أن يسمح لنفسه الامتناع عن تقديم دعمه للمملكة العربية السعودية. وذلك بسبب اعتماد مصر بشكل كبير للغاية على الرياض ودول الخليج، التي حفظت هبة النيل من الانهيار الاقتصادي من خلال مساعداتها المالية منذ الانقلاب العسكري في عام 2013.
"المصريون يدعون السعوديين يشترونهم"، مثلما يقول أيضًا وهيب، وهو مهندس من عدن في جنوب اليمن يجلس فوق كرسي بلاستيكي ويحتسي الشاي. يقول: "بسبب البطالة وغياب الاستثمارات وعدم توافد السياح - فإنَّ الفقر لا يترك للمصريين أي خيار آخر".
تفاقم الوضع بشكل متزايد
وهنا - في المطعم اليمني الكائن على بعد بضعة شوارع عن السفارة، يجتمع في هذه الأيَّام العشرات من اليمنيين، الذين يحملقون في شاشة التلفاز المرتعشة، ويناقشون الأخبار ويتحدَّثون حول أزماتهم. والكثيرون منهم قادمون مثل وهيب من مدينة عدن الساحلية، التي أصبحت في هذه الأثناء - وفقًا لتقارير اللجنة الدولية للصليب الأحمر ICRC - تشبه مدينة أشباح. وهم قلقون على أقاربهم، مثلما يقول وهيب، الذي جاء إلى القاهرة في رحلة عمل وقد ترك في عدن زوجته وأطفاله.
وفي الوقت نفسه يزداد الوضع في القاهرة صعوبة بشكل متواصل، مثلما يقول وهيب مشيرًا إلى الرجال المحيطين به: "نحن نشعر أنَّنا مثل اللاجئين". وهكذا صحيح أنَّ هناك مجموعة من الطلاب ورجال الأعمال اليميين يقومون وبشكل غير رسمي بتوزيع الطعام والدواء على المحتاجين، بحسب قول وهيب، غير أنَّ الكثيرين يضطرون إلى التسوُّل أو يعتمدون على التبرُّعات. "المصريون لا يوجد لديهم أي شيء لأنفسهم"، مثلما يقول: "فما الذي يستطيعون تقديمه لنا؟".
هذه هي أيضًا قناعة الكثيرين من المصريين. فعلى الرغم أيضًا من أنَّ الرئيس السيسي يحاول كسب تأييد المواطنين لهذه العملية العسكرية - مثلاً من خلال التذكير في خاطباته وأحاديثه بأنَّ المملكة العربية السعودية تساعد المصريين في إيقاف أزمة الطاقة المتزايدة في البلاد، أو أنَّ هذه العملية العسكرية تهدف إلى ضمان الأمن في منطقة الخليج: فإنَّ القلق يزداد لدى المصريين من أنَّ يتم إدخال بلدهم وعلى نحو متزايد في صراع ذي أبعاد مدمِّرة.
"نحن لم نتعلم أي شيء"
يشير كُتَّاب الأعمدة العرب إلى الخوف من الحرب في البلاد، وكذلك تلاحظ الأصوات الناقدة أنَّ قرار العسكر الذي يقضي بالمشاركة في المعارك قد تم اتِّخاذه من دون وجود إجماع وطني. وفي الحقيقة إنَّ الكثيرين من التجَّار البسطاء وماسحي الأحذية وبائعي الشاي في القاهرة يعربون عن معارضتهم لهذا القرار. ويقولون إنَّ لدى بلدهم بالفعل ما يكفيها من المشكلات. فقد شهدت مصر في أربعة أعوام أربعة تغييرات في السلطة، واحتجاجات وأعمال عنف وتشهد بالإضافة إلى ذلك تفجيرات شبه يومية. ومصر - مثلما يقولون - لا تحتاج أيضًا إلى حرب في اليمن.
الحرب تعتبر كارثة، مثلما يهمس عبد الله، الذي يعمل بائعًا في كشك يقع بالقرب من المطعم اليمني. "العرب يقضون على أنفسهم بأنفسهم"، مثلما يقول عبد الله. وهو لا يريد - بحسب تعبيره - أن ينتقد الرئيس السيسي: "لكن نحن لم نتعلم أي شيء!".
ومثلما هي الحال مع عبد الله يتذكر الكثيرون من المصريين المسنين العملية العسكرية الأخيرة التي قامت بها مصر في اليمن، والتي لا تزال حتى يومنا هذا بمثابة صدمة جماعية في ذاكرة المصريين: ففي الستينيات أرسل الرئيس جمال عبد الناصر عشرات الآلاف من الجنود المصريين إلى شمال اليمن، من أجل دعم الانقلاب هناك ضدَّ الملكية.
لقد كان هذا قرارًا وخيم العواقب، أودى بحياة أكثر من عشرين ألف مصري وجعل جمال عبد الناصر يُمنى بهزيمة كارثية. وحتى يومنا هذا يتحدَّث المؤرِّخون حول "فيتنام" جمال عبد الناصر. يقول عبد الله مضيفًا: "نحن نعرف المخاطر في اليمن. وهذا لا يجوز أن يتكرَّر من جديد".
أندريا باكهاوس
ترجمة: رائد الباش