التنوع كديكور وسياسة عرض على الواجهات
الحكومة البريطانية الحالية متنوعة بدرجة لم تحدث من قبل. فهناك وزيرات في حكومة ريشي سوناك، بينهما امرأتان، وهما من "الأشخاص الملونين" - أي أشخاص لا ينظر إليهم من قبل مجتمع الأغلبية عمومًا بوصفهم "بِيضاً" مثل وزيرة الداخلية سويلا برافرمان ووزيرة التجارة كيمي بادينوش (كيمي بادينوك).
وحتى رئيس الوزراء ريشي سوناك نفسه يصف نفسه بأنه "هندوسي فخور" ويحتفل بطقوس دينه علانية من خلال زيارة معابد هندوسية أو إشعال مصابيح الزيت والشموع الواجبة علنًا أمام باب مقر إقامته في البناء رقم 10 شارع داوننغ ستريت بمناسبة عيد الأنوار الهندي "ديوالي".
الأقليات ممثلة بشكل واضح في حكومته. ومع ذلك، فإن حكومته لا تمثل مصالح الأقليات على الإطلاق. بالعكس: "السيدتان الملونتان" في حكومته تنتميان إلى الجناح اليميني للحزب ومعروفتان بكونهما محرضتين. إن برافرمان، التي لها أصول هنديّة تاميلية، وبادينوش (بادينوك)، التي ولدت في نيجيريا، كلتيهما مؤيدتان بشدة للبريكست (خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي)، وصور العدو المفضلة لهما هي مصطلحات مثل wokeness (تعني اليقظة أو الحذر الشديد، تجاه الظلم الاجتماعي) وMigration (تعني النزوح أو الهجرة).
حتى الأشخاص المنتمون للأقليات يمكنهم أن يكونوا عنصريين أو متحيزين جنسياً. اشتهرت بادينوش (بادينوك) بموقفها المناهض لإقامة مراحيض "مختلطة" (محايدة جنسيا) All Gender Restrooms بينما اشتهرت برافرمان بخطاباتها المناهضة لتدريبات التعددية والتنوع والمناهضة للاجئين أيضاً.
في البرلمان، انتقدت بادينوش من تسميهم "ووكيراتي" (أتباع حركة ووك) "الذين يقرأون الغارديان ويأكلون التوفو". واعترفت برافرمان مؤخرًا بأن "حلمها" الأكبر هو عنوان الخبر الرئيسي الذي يفيد بترحيل طالبي اللجوء من بريطانيا إلى رواندا بالطائرة. وأكدت كلامها بحركة يديها التي تحاكي حركة الطائرة وهي تقلع، وبابتسامة تنم عن السعادة. [ ووك Woke مصطلح يستخدم الآن خصوصا من قِبَل الأشخاص من أصول أفريقية في الولايات المتحدة الأمريكية ويعني الانتباه أو اليقظة تجاه قضايا العدالة الاجتماعية والعرقية].
فهم سطحي للتنوع
لذلك فإنه من السابق لأوانه أن يتم الاحتفاء بتنوع الحكومة البريطانية. من الناحية السياسية، فإن هذا التنوع محدود ويميل نحو اليمين بوضوح. ومن الناحية الاقتصادية، يمثل رئيس الوزراء سوناك مصالح العشرة آلاف الأعلى دخلاً، الذين ينتمي إليهم هو نفسه باعتباره من كبار المليونيرات. أما من الناحية الثقافية، فيتبنى نهج الكثير من أعضاء حزب المحافظين البريطاني.
بالإضافة إلى ذلك، فإن سوناك هو أغنى سياسي يتولى منصب رئيس الوزراء البريطاني على الإطلاق: وهذا جانب يستحق اهتمامًا أكبر. ويهدف سوناك من تصويره لنفسه كهندوسي إلى تشتيت الانتباه وتوصيل فكرة الأصالة والتمسك بالجذور، ولقد نجح بالفعل في ذلك. بسبب انتشار الفهم السطحي للتنوع على نطاق واسع، والذي يتجاهل الجوانب السياسية والاقتصادية والثقافية ويركز فقط على النواحي الظاهرية.
ويطلق على سياسيين مثل برافرمان وبادينوش وسوناك من قبل اليسار المناهض للعنصرية مصطلح Token (رمز) - إذ يعتبرونهم أغطية ساترة للسوءات أو ورق توت يستر العورات لسياسة تستند بشكل عام إلى التهميش. ولكن هذا أيضًا فهم ضعيف. ففي الحقيقة، يمكن أن يكون أفراد الأقليات عنصريين ومتحيزين جنسيًا ومهتمين فقط بمصالحهم الخاصة. وقد وجد مثل هؤلاء في برافرمان وبادينوش وسوناك ممثلين نموذجيين لهم.
مجتمعاتنا تصبح أكثر تنوعًا، وهذا ينعكس بالضرورة أيضًا في العديد من المؤسسات. وللوصول إلى مجموعات مستهدفة جديدة، تروج الشركات دعائيا لنفسها بالاستعانة بـ "عارضي وعارضات أزياء متنوعين" في إعلاناتها – وهو ما يعني عادة أن يكون هؤلاء مختلفين في لون بشرتهم وسماتهم الجسدية الأخرى. وتضع وسائل الإعلام "مذيعين ومذيعات وصحفيين وصحفيات متنوعين ومتنوعات" في الصدارة أو أمام الكاميرا لإظهار وجه عصري، وتقوم الأحزاب بتشكيل هيئاتها استراتيجيًا وفقا لذلك.
ولكن لا يؤدي هذا إلى تغيير في الهياكل الاجتماعية التي تقوم بإقصاء فئات معينة. ويتم تقليص "التنوع" اليوم بشكل كبير أيضًا ليقتصر على الجنس والأصل العرقي والدين والتوجه الجنسي. وبالتالي، يتم إغفال جوانب تقليدية عن الرؤية، مثل: الخلفية الاجتماعية والتعليم والدخل.
حتى حزب البديل من أجل ألمانيا AfD يعول اليوم على التنوع
غالبًا ما كان المحافظون على وجه الخصوص روادًا في مجال الإيماءات الرمزية وكانوا بذلك في كثير من الأحيان متقدمين بخطوة على منافسيهم. وبتولي مارغريت تاتشر رئاسة الوزارة في بريطانيا، كان حزب المحافظين البريطاني -بذلك- هو أول من قدم امرأة لتصبح على رأس الدولة، بينما قدم حزبا الاتحاد المسيحي -الحزبان المحافظان- في ألمانيا سيدة لتصبح أول مستشارة لألمانيا.
وكان جورج دبليو بوش -من الحزب الجمهوري- من عين أول وزيرين خارجية من السود في تاريخ الولايات المتحدة. وكان الشعبوي اليميني بوريس جونسون، هو من كانت تشكيلته الوزارية متنوعة بشكل لم يحدث له مثيل من قبل، ليدعم بذلك مسيرة من يخلفونه رجالاً كانوا أو نساءً. وعندما يقوم السياسيون اليساريون بتشكيل حكوماتهم بشكل استراتيجي مماثل، غالبًا ما يتم اتهامهم بأنهم يمارسون "سياسات الهوية" ويأخذون بعين الاعتبار مصالح مجموعات محددة. وعندما سئل رئيس وزراء كندا جاستن ترودو لماذا يتألف نصف حكومته من النساء، أجاب: "لأننا في عام 2015". ولم يكن ذلك تصريحا رسميا، وإنما مجرد ملحوظة.
فالتنوع هو الاتجاه السائد اليوم. وحتى حزب البديل من أجل ألمانيا AfD اليميني الشعبوي المعادي للمهاجرين والإسلام يعتمد على التنوع: فمناصب القيادة في الحزب يتم توزيعها بشكل متوازن، أكثر من أي حزب آخر، بحسب النوع والأصل والتوجه الجنسي. وشأنه شأن الأحزاب اليسارية الأخرى، لدى حزب البديل رئاسة ثنائية. فمن جانب، هناك تيمو شروبالا، الحرفي من شرق ألمانيا ذو الميول الجنسية الطبيعية، ومن جانب آخر هناك أليس فايدل، الأكاديمية المثلية من غرب ألمانيا، والتي تجولت في أنحاء العالم لكونها مستشارة إدارية بإحدى المؤسسات.
في الخلفية، يمسك مؤسس الحزب ألكسندر غاولاند، البالغ من العمر 81 عامًا، بزمام الأمور، حيث يُمثِّل كرئيس شرفي الجيل الأكبر. هنا يجد كل ناخب وناخبة نقاط التقاء مع الحزب. ومع ذلك، فإن التنوع بالنسبة لحزب البديل من أجل ألمانيا AfD لا يزال سبة أو شتيمة، ومازال الحزب يرفض إجراءات "التنوع" بشكل قاطع.
ومن يكن جادا حقًا بشأن "التنوع" فيجب أن يطبقه على جميع المستويات لمنح الفئات المظلومة اجتماعياً مثل النساء والمهاجرين والأشخاص ذوي التوجه الجنسي المختلف والعمال والفقراء حقوقًا متساوية في جميع المجالات على نطاق واسع. ويتطلب هذا جهودًا موجهة وربما أيضا محاصصة. بينما يؤدي الفهم السطحي لـ "التنوع"، الذي يقتصر على السطحيات والتجميل الظاهري، إلى سياسة تشبه واجهة عرض أو فاترينة رمزية فقط.
ترجمة: صلاح شرارة
حقوق النشر: موقع قنطرة 2023