شجاعة أدبية على خطى هاينريش هاينه

فاز الكاتب الإسرائيلي المعروف عالميًا عاموس عوز بجائزة هاينرش هاينه المرموقة. هيئة التحكيم المشرفة على منح الجائزة رأت أن هذا الكاتب المميز يجمع في نتاجه "إبداعًا أدبيًا ووعيًا سياسيًا ونشاطًا إنسانيًا بأسلوب يذكِّر بالشاعر الألماني الكبير هاينريش هاينه". لؤي المدهون يقدِّم هذا الأديب والناشط من أجل السلام.

لم يكن باستطاعة هيئة التحكيم المشرفة على منح جائزة هاينريش هاينه اختيار كاتب آفضل لتمنحه هذه الجائزة المرموقة، التي يتم تقديمها باسم ابن مدينة دوسلدورف، الشاعر هاينريش هاينه؛ ليس فقط لأنَّ الكاتب الإسرائيلي عاموس عوز Amos Oz الذي اختارته هيئة التحكيم ألَّف أعمالاً توِّجت عدَّة مرَّات بجوائز وجعلته يحظى بشهرة عالمية، بل لأنَّ الهيئة المشرفة على منح الجائزة رغبت في تكريم "الوضوح الشجاع والحزم اللذان يحاول من خلالهما مدّ جسور تفاهم بين الإسرائيليين والفلسطينيين"، وهو ما يتفق تمما مع مفهوم هاينريش هاينه وقيمه الإنسانية.

الكاتب عاموس عوز، الذي يعتبر نفسه "خبيرًا في شؤون التطرّف"، يعرض في أعماله موضوعًا يتخلَّل جميع أعماله الأدبية وكذلك مقالاته مثل فكرة أساسية؛ فكرة تعالج أسباب التطرّف وعواقبه. أو كيف يعالج المرء التطرّف؟ وربما لهذا السبب يرى الكاتب عاموس عوز نفسه يسير على خطى هاينريش هاينه؛ إذ صرَّح عاموس عوز قائلاً: "هاينريش هاينه واحد من أبطالي".

الشاعر الألماني الكبير هاينريش هاينه علَّم الناس - حسب تعبير عاموس عوز، "أنَّ الفكاهة والسخرية تشكِّلان أفضل وسيلة لمواجهة التطرّف والعقلية الضيِّقة". وهاينريش هاينه الذي تحوّل من الدين اليهودي إلى الدين المسيحي ينتسب إلى عصر العجائب والمعجزات في تاريخ اليهود الأوروبيين. ففي ذلك العصر كان يهود أوروبا - حسب تعبيره - يتدفَّقون إلى الجامعات والأكاديميات وإلى الاستوديوهات والمختبرات، كما أنَّهم تحوّلوا إلى جزء من "فريق مهندسي" الحداثة.

جهود حثيثة من أجل السلام

يبذل عاموس عوز منذ عدَّة عقود من الزمن جهودًا حثيثة من أجل التوصّل إلى مصالحة سلمية بين الإسرائيليين والفلسطينيين؛ فمنذ عام 1967 أيَّد حلَّ الدولتين في أزمة الشرق الأوسط. وهو يعدّ من بين محرِّري "الأحاديث مع الجنود الإسرائيليين" الذين خرجت من أوساطهم في عام 1977 "حركة السلام الآن" الإسرائيلية. وفي عام 1982 انتقد الاجتياح الإسرائيلي للبنان، لكنه أدان بعد ذلك بتسعة أعوام حركة السلام الأوروبية لمعارضتها حرب الخليج في عامي 1990 و1991.

وكذلك تثير باستمرار أعمال عاموس عوز في إسرائيل جدالا ونقاشات حامية الوطيس بسبب ما تتضمَّنه من انتقادات اجتماعية مكشوفة أو غير مكشوفة؛ إذ صدرت في عام 1965 مجموعته القصصية الأولى بعنوان "بلاد ابن آوى"، والتي تعالج موضوع التهديد الذي يتعرَّض له سكان الكيبوتسات من خلال قوى مخيفة وأخطار وحيوانات متوحِّشة، بالإضافة إلى خطر الموت.

في روايته الأولى، التي صدرت بعنوان "لا أحد يبقى وحيدًا"، عالج عاموس عوز موضوع التهديد الذي يتعرَّض له المرء في حياة الكيبوتسات من خلال الحسد والأنانية في الداخل ومن خلال الأعداء في الخارج - هذه الحياة التي يعتبر قوامها المُثل الاشتراكية الصهيونية.

وفي روايته الثانية، التي صدرت في عام 1968 بعنوان "عزيزي ميخائيل" كسر عاموس عوز للمرَّة الأولى المحرَّمات القائمة في العلاقة العربية اليهودية؛ وهذه الرواية أصبحت الرواية الأكثر مبيعًا كما أنَّها ساعدته أخيرًا في الوصول إلى العالمية. وكذلك عالجت روايته ومجموعاته القصصية التالية وبأسلوب مسرحي واقعي - بعضها بأسلوب ساخر خيالي وبعضها بأسلوب هزلي هجائي - المزاج الاجتماعي الشاب والسياسي والنفسي في إسرائيل.

الأدب باعتباره جسرًا بين الشعوب

يعتبر عاموس عوز الأدب "جسرًا بين الشعوب" ويشدد على رؤيته قائلا: "أعتقد أنَّ الفضول يمكن أن يكون خاصية حسنة. وكذلك يشكِّل تصوّر المرء نفسه في مكان الآخرين وسيلة جيِّدة لمواجهة التطرّف. ومَنْ يتصوّر نفسه في مكان الآخرين، لا يعتبر مجرَّد رجل أعمال أفضل أو عاشق أفضل، بل يعتبر على وجه الإجمال إنسانًا أفضل"، حسب قول عاموس عوز.

ويقول عاموس عوز إنَّ المأساة العربية اليهودية تكمن في عدم مقدرة الكثيرين من اليهود والعرب على "تصوّر أنفسهم في مكان الآخر وأن يشعروا في الحقيقة بما يشعر به الآخر - في حبه وخوفه المفزع وغضبه وعاطفته. نحن بيننا الكثير من العدوان والقليل من الفضول".

وحسب تقييمه لا يمكن حلّ هذه الأزمة إلاَّ بواسطة العودة إلى القيم الأوروبية مثل العقلانية والبراغماتية والتسامح: "يكاد يكون كلّ إسرائيلي وكلّ فلسطيني أن يعرف في صميم قلبه كيف يمكن أن يكون شكل مضمون الحلِّ الوسط المحتمل لهذا الصراع. والمتعصِّبون من الجانبين يبقون الأزمة على قيد الحياة. وإذا استطعنا أن نعزل المتعصِّبين، فسنجد أنفسنا أمام حلِّ النزاع على أرض الواقع وليس في حرب مقدَّسة".

عاموس عوز ينظر إلى الدور الذي يلعبه الكتَّاب في إسرائيل المعاصرة بهدوء ورزانة ونوع من السخرية، ويقول: "إسرائيل هي على الأرجح البلد الوحيد في العالم حيث يدعو رئيس الوزراء كاتبًا لزيارته عندما يرغب في خوض حديث عميق. وهو يستحسن الأجوبة ويتجاهلها تمامًا".

لؤي المدهون
ترجمة: رائد الباش
حقوق الطبع: قنطرة 2008

تُذكِّر جائزة هاينه التي يتم منحها كلَّ عامين وتعتبر واحدة من أهم الجوائز الأدبية في ألمانيا بالكاتب هاينريش هاينة الذي ولد في مدينة دوسلدورف وعاش في الفترة من عام 1787 حتى عام 1856. ويتم منح هذه الجائزة إلى شخصيات تدعم من خلال نتاحها الفكري التقدّم الاجتماعي والسياسي بحسب مفهوم حقوق الإنسان الأساسية التي كان هاينريش هاينه يبذل ما في وسعه دفاعًا عنها، وتخدم التفاهم بين الشعوب أو تنشر المعرفة الخاصة بترابط جميع البشر وتآلفهم.

قنطرة

يوري أفنيري حول صراع الشرق الأوسط
الحرب بالأساطير!
يعمل الكاتب الإسرائيلي يوري أفنيري منذ عقود من أجل إحلال السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين وقيام دولتين. حاورته سيلكا بارتليك حول مشكلة مركزية في صراع الشرق الأدنى المستمر: إختلاق الأساطير من قبل الفلسطينيين والإسرائيليين.

مع رجال السلام:
العناد والشجاعة
منح منتدى ليف كوبيليف في كولونيا جائزة السلام وحقوق الإنسان إلى الفلسطيني سري نسيبة والإسرائيلي أوري أفنيري. أولريكه فيسترينغ تعرّف بناشط السلام الإسرائيلي.

المخرج الإسرائيلي عاموس غيتاي: بحث وتقصّي داخل التاريخ
بيت في الدور الرئيسي في شريط وثائقي
عاموس غيتاي من أشهر المخرجين السينمائيين في إسرائيل، عرف بأفلامه الروائية المثيرة للجدل، وكلها أفلام تعرض معاينات نقدية لبلاد أرض الميعاد. يعرض حاليا "أخبار من الوطن/أخبار من البيت"، آخر شريط للمخرج الإسرائيلي. مقال بقلم أمين فرزانيفر.