تقويض الصحافة الهندية الحرة

متظاهرون يحملون لافتات لدعم الصحفيين وحرية التعبير في نيودلهي، الهند، 3 فبراير / شباط 2021.
متظاهرون يحملون لافتات لدعم الصحفيين وحرية التعبير في نيودلهي، الهند، 3 فبراير / شباط 2021.

لطالما كانت الهند داعمة لصحافة حرة وجريئة في كثير من الأحيان. لكن هذا تغير بشكل ملحوظ منذ سنة 2014 عام وصول رئيس الوزراء ناريندرا مودي إلى السلطة. رأي السياسي الهندي شاشى ثارور.

الكاتب، الكاتبة : Shashi Tharoor

أثارت موجة من الاعتداءات على حرية الصحافة في الأشهر الأخيرة تساؤلات مُثيرة للقلق بشأن حالة الديمقراطية في الهند في ظل زعامة رئيس الوزراء ناريندرا مودي. لطالما كانت الهند داعمة لصحافة حرة وجريئة في كثير من الأحيان. لكن الوضع قد تغير بشكل ملحوظ منذ وصول حكومة مودي إلى السلطة في عام 2014.

في أواخر يناير / كانون الثاني 2021، وجهت الشرطة اتهامات جنائية - بما في ذلك تهمة إثارة الفتنة، والتي يُعاقب عليها بالسجن المؤبد - ضد ثمانية صحفيين قاموا بتغطية أحداث احتجاج في العاصمة دلهي تحول إلى أعمال عنف. تتمثل جريمتهم في الإبلاغ عن مزاعم عائلة أحد المتظاهرين الذي لقي مصرعه مفادها أن الشرطة أطلقت عليه النار وأردته قتيلاً. كما أنني أواجه نفس التهم لقيامي بنشر ادعاءاتهم عبر تغريدة في موقع تويتر عندما تم الإبلاغ عنها.

لقد تم اتهامي (رغم كوني عضوا برلمانيا تابعا لحزب المؤتمر الهندي) إلى جانب ستة صحفيين بتضليل الحقائق المُتعلقة بالوفاة. إننا نواجه اتهامات في أربع ولايات يحكمها حزب بهاراتيا جاناتا الحاكم بزعامة مودي. يواجه الناشر والمُحرر ورئيس التحرير التنفيذي لأهم مجلة إخبارية استقصائية في الهند "ذا كارافان" عشر قضايا فتنة في خمس ولايات لنشره الخبر، وتم تعليق حساب المجلة على موقع تويتر لفترة وجيزة بأمر من الحكومة.

اعتقال الصحفيين في الهند

إن قضيتنا ليست استثناء للقاعدة. ففي عام 2020 وحده، تم اعتقال 67 صحفيًا، بينما تعرض ما يقرب من 200 صحفي للاعتداء الجسدي في الفترة ما بين عامي 2014 و2019، بما في ذلك مهاجمة 36 صحفيًا في عام 2019، وفقًا لدراسة أجرتها مجموعة الدفاع عن حرية التعبير في الهند. وقد حُكم على الصحفي الذي قُبض عليه وهو في طريقه لتغطية آثار حدث اغتصاب جماعي في ولاية أوتار براديش بالسجن لمدة ستة أشهر، ولم يُسمح له بالخروج لفترة وجيزة إلا لزيارة والدته المريضة في ولاية كيرالا، التي تبعد بأكثر من ألفين كيلومتر، (حوالي 1243 مِيلًا).

 

 رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي.
منظمة مراقبة الديمقراطية "فريدم هاوس" خفضت مرتبة الهند من "حرة" إلى "حرة جزئيًا": ذكرت منظمة "فريدوم هاوس" أن "الهند، الديمقراطية الأكثر اكتظاظًا بالسكان على مستوى العالم، تُرسل أيضًا إشارات مفادها بأن مساءلة الحكومة ليست جزءًا من مسؤولية الصحافة".

 

وعلى النقيض من ذلك، فإن التقارير المُتعاطفة مع الحكومة لا تخضع للرقابة، حتى لو كانت غير دقيقة أو دعائية أو تحريضية، لاسيما في تصعيد التعصب ضد الأقليات أو تشويه سمعة المعارضة السياسية. وعلاوة على ذلك، تتعرض وسائل الإعلام الرئيسية المكتوبة والمرئية لضغوط هائلة من أجل دعم وتشجيع حكومة مودي.

وما أن هيمنت البرامج الحكومية على الساحة الإعلامية المرئية في الهند، حتى أصبحت اليوم تتخلل العديد من العروض الخاصة، مع أكثر من مائة قناة إخبارية تلفزيونية تعمل على مدار 24 ساعة بلغات متعددة. وفي ولاية كيرالا التي أنتمي إليها، تم إدخال 13 قناة إخبارية باللغة المحلية الماليالامية.

ومع ذلك، كانت هذه المنافسة سببًا في تغذية سباق الحصول على أكبر نسبة من المُشاهدة إلى جانب العائدات الإعلانية، الأمر الذي أدى إلى تآكل جودة الصحافة الهندية بشكل مُطرد. ففي السنوات الماضية، كانت السلطة الرابعة تُعطي أهمية لمعايير التحرير والأخلاقيات الصحفية، لكنها تحولت اليوم إلى منصة سيئة السُمعة مدفوعة بالإثارة والتشهير. يجب الكشف عن الحقائق والمعلومات المُضللة - وهذا ما يتعين على صانع الأخبار القيام به. في الواقع، لم تكن الحكومة وأنصارها مُستهدفين على الإطلاق، على عكس المعارضة والمجتمع المدني والأفراد المُعارضون.

في حين يستمتع المزيد من الهنود بثمار محو الأمية وزيادة القدرة على تحمل تكاليف الهواتف الذكية وانخفاض تكاليف البيانات، فقد شهدت الهند طفرة في تداول الصُحف وكذلك في شبكات التواصل الاجتماعي كمصدر إخباري، خاصة بين الشباب. ومع ذلك، تُدرك الصحف أيضًا أنه يجب عليها التنافس في بيئة إعلامية ضيقة، حيث تُحدد وسائل الإعلام المرئية والرقمية وتيرة التنافس. إنها على علم أنه يجب عليها الوصول كل صباح إلى القراء الذين شاهدوا التلفزيون واطلعوا على رسائلهم على تطبيق الواتساب بالفعل. لذلك، تعمل الصحف على "نشر" الأخبار الحصرية من أجل التفوق على منافسيها في وسائل الإعلام المرئية وعلى شبكات التواصل الاجتماعي.

تقويض الصحافة الحرة من خلال الترغيب والترهيب

والنتيجة هي أن وسائل الإعلام الهندية، في اندفاعها لنشر قصة ما، وقعت فريسة لمخاطر يمكن التنبؤ بها، مما يجعلها في كثير من الأحيان شريكًا طوعيًا في عملية تسريب المعلومات السرية ونشر الادعاءات الكاذبة والمُغرضة، والتلاعب بنزاهة الأفراد للوصول إلى مصادر حكومية موثوقة. في هذه البيئة، عمل حزب بهاراتيا جاناتا الحاكم على تقويض الصحافة الحرة من خلال الترغيب والترهيب، وبالتالي ضمان قيام معظم الصحف بنشر الأخبار المُتعاطفة مع القضايا التي يعتز بها الحزب الحاكم، أو التي تصرف انتباه الشعب عن إخفاقات الحكومة.

يجب على وسائل الإعلام الإخبارية في الهند إخضاع الحكومة للمساءلة، لا أن تخضع لها وتتحمل المسؤولية عنها. النبأ السار هو أنه لم ينسَ الجميع مسؤولية الرقابة التي يجب أن تمارسها وسائل الإعلام الحرة في ظل نظام ديمقراطي. وقد طلبت نقابة المحررين في الهند من مودي إلغاء قواعد تكنولوجيا المعلومات (إرشادات وسيطة ومدونة أخلاقيات وسائل الإعلام الرقمية) لعام 2021، بحجة أن القواعد الجديدة تُقوض حرية الصحافة.

 

شخص يبحث عن ويعثر على مجلة "ذا كارافان"، المجلة الاستقصائية الرائدة في الهند، - 5 فبراير / شباط 2021.
استهداف الإعلام للمعارضة والمجتمع المدني: "في حين كانت السلطة الرابعة في الهند تعطي أهمية لمعايير التحرير والأخلاقيات الصحفية، لكنها تحولت اليوم إلى منصة سيئة السُمعة مدفوعة بالإثارة والتشهير. يجب الكشف عن الحقائق والمعلومات المُضللة - وهذا ما يتعين على صانع الأخبار القيام به. في الواقع، لم تكن الحكومة وأنصارها مُستهدفين على الإطلاق، على عكس المعارضة والمجتمع المدني والأفراد المُعارضون"، كما يرى السياسي الهندي شاشى ثارور. في الصورة شخص يبحث عن ويعثر على مجلة "ذا كارافان"، المجلة الاستقصائية الرائدة في الهند، - 5 فبراير / شباط 2021.

 

النبأ السيئ هو أن مثل هذه التطورات تُعد سببًا رئيسيًا خلف القرارات الأخيرة التي اتخذتها منظمة مراقبة الديمقراطية "فريدم هاوس" (التي خفضت مرتبة الهند من "حرة" إلى "حرة جزئيًا") ومعهد "في ديم" (الذي يطلق على الهند الآن "أوتوقراطية انتخابية") للتعبير عن القلق المُتزايد بشأن صحة ديمقراطية البلاد. وقد ذكرت مُنظمة "فريدوم هاوس" أن "الهند، الديمقراطية الأكثر اكتظاظًا بالسكان على مستوى العالم، تُرسل أيضًا إشارات مفادها أن مساءلة الحكومة ليست جزءًا من مسؤولية الصحافة".

يتمثل السلاح المفضل لحكومة مودي في قانون إثارة الفتنة في الحقبة الاستعمارية: فقد ظهرت الغالبية العظمى من قضايا الفتنة في السنوات السبع منذ تولي مودي وحزب بهاراتيا جاناتا الحاكم السلطة، وفقًا للبيانات التي جمعها موقع المقال 14. في نظام العدالة الجنائية الذي لم يعرف أي تغيير منذ الحقبة الاستعمارية، تضمن عمليات الاحتجاز والتهم وتحقيقات الشرطة والمحاكمات أنه حتى لو كانت الإدانات الفعلية نادرة، فإن هذه العمليات نفسها تشكل العقوبة.

تُعد حرية الصحافة في نهاية المطاف أفضل ضمان للحرية والتقدم، كما تُعتبر الوسيلة الفعّالة التي تجعل المُجتمع الحر مُتماسكًا - والنافذة المفتوحة التي تسمح لرياح العالم بأن تهب بحرية في المنزل، بحسب تعبير المهاتما غاندي المجازي الشهير. إذا استمرت جهود مودي لإزالة الطابع المؤسسي على ما كان سابقًا سلطة رابعة ديناميكية ومستقلة، فإن ثقة الجمهور في وسائل الإعلام سوف تتراجع بشكل مُطرد، فضلاً عن تراجع الثقة في الديمقراطية الهندية.

 



شاشي ثارور

حقوق النشر والترجمة: بروجيكت سنتديكيت 2021

 

 

ar.Qantara.de

شاشي ثارور، مساعد سابق للأمين العام للأمم المتحدة ووزير دولة هندي سابق لتنمية الموارد البشرية ووزير دولة سابق للشؤون الخارجية. وهو عضو البرلمان الهندي عن حزب المؤتمر الوطني الهندي ورئيس اللجنة الدائمة للبرلمان المعنية بالشؤون الخارجية. وهو مؤلف كتاب عن الهند وعالم القرن الحادي والعشرين.

 

 

[embed:render:embedded:node:28675]