تآكل شرعية وشعبية نظام السيسي في مصر
أسس الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي شرعيته في الداخل على أمرين أساسيين هما محاربة الإرهاب وإعادة الاستقرار والأمن وتحسين الوضع الاقتصادي، لكن حتى اللحظة لم ينجح في أي من الأمرين.
فبدلا من التركيز على مكافحة على الإرهاب في سيناء قام الرئيس المصري بالتحالف مع السلفيين من التيار الإسلامي، ونشر "إرهاب الدولة"، والذي تم ترجمته في استخدام الدولة لسلاحها في قتل المعتصمين السلميين من أنصار الإخوان المسلمين في ميدان رابعة العدوية، في مجزرة راح ضحيتها مئات القتلى وآلاف الجرحى، ووصفت بأنها أبشع مجزرة في تاريخ مصر الحديث، مرورا بالقتل العشوائي والاختفاء القسري والقبض على المعارضين سواء كانوا مدنيين أو عسكريين والتنكيل بهم، إلي جانب المزيد الانتهاكات الواسعة لحقوق الإنسان والتي لم تشهد مصر مثلها في تاريخها الحديث.
رافق هذا قبضة أمنية غاشمة وسيطرة علي المؤسسات الأمنية من خلال نجله، الذي يعمل نائبا لرئيس المخابرات العامة، وفشل اقتصادي مريع وزيادة في معدلات الفقر بحيث ارتفعت نسبته لتصل إلي 32.5% من عدد السكان، مما يعني أن ثلث الشعب المصري أصبح تحت خط الفقر.
فشل داخلي وخارجي
وتزامن ذلك مع إخفاقات في السياسة الخارجية المصرية وتراجع دور مصر الإقليمي واعتمادها على المساعدات الخليجية، والتنازل عن الحق التاريخي لمصر في مياه النيل، وبيع جزيرتي تيران وصنافير الاستراتيجيتين للملكة العربية السعودية مقابل المساعدات المالية والدعم الدولي من قبل اللوبي السعودي والإماراتي، إلى جانب عمليات من الفساد الممنهج وإهدار المال العام من قبل الرئيس وأسرته والمقربين منه في دوائر السلطة.
كل هذه الأمور سببت غضبا مكتوما داخل الشارع المصري والمؤسسات الأمنية وعلي رأسها المؤسسة العسكرية. وأصبح هناك غضبا مكتوما ينتظر لحظة الانفجار والتي جاءت مع الفيديوهات، التي نشرها المقاول والفنان المنشق محمد علي والتي تتحدث عن فساد السيسي وأسرته ورجاله في السلطة في الوقت الذي يرزخ فيه ثلث الشعب تحت خط الفقر.
تعتبر المظاهرات التي خرجت في مصر يوم الجمعة الـ20 من سبتمبر والتي طالبت برحيل السيسي هي أشد وأكبر مظاهرات منذ استيلائه على السلطة بعد انقلاب عسكري قام به في 2013.
تلك المظاهرات من خارج البني التقليدية للحركات المصرية المسيسة، بما يعني انضمام فئات جديدة داخل المجتمع المصري إلي هذا الحراك، ووضح أيضا دور المحافظات (الأطراف) في تأجيج تلك المظاهرات وتفوقها على المركز (القاهرة متمثلا في ميدان التحرير)، مما أعطي لها شكلا جديدا وقوة لم توجد في الاحتجاجات البسيطة التي سبقتها أثناء حكم السيسي والتي قوبلت بقمع وترهيب شديدين.
للمزيد:
محمد علي.. من هو المقاول الذي يحمل معول "هدم" نظام السيسي؟
مصر: هل يعلن نظام السيسي موت السياسة؟
ألمانيا رداً على الاعتقالات: القمع لن يساهم في استقرار مصر
مصر قبل الـ 20 من سبتمبر ليست هي مصر
لكن أيضا اندلاع تلك المظاهرات فجر جدلاً واسعاً بين المتابعين والمحللين للشأن المصري فيما إذا كانت بعض الدوائر أو الأجنحة داخل النظام تساند تلك الاحتجاجات أو خلف المقاول المنشق محمد علي.
والحقيقة أن اللحظة الراهنة أصبحت متجاوزة لهذا السؤال، وهو أنه إذا كانت بعض أجنحة النظام تقف خلف تلك الاحتجاجات، فإنها استطاعت إن توصله إلى هذه المرحلة الحرجة وإذا لم يكن كذلك فإن اللحظة الراهنة مغرية لدوائر عدة داخل النظام أن تنخرط فيه وتراقب المشهد عن قرب.
مصر قبل الـ 20 من سبتمبر ليست هي مصر بعده والمشهد السياسي المصري وصل إلى نقطة اللاعودة، فحسب تقارير مختلفة أصبح هناك صراع بين المؤسسة العسكرية ورئاسة الجمهورية، ففي اللحظة التي قام السيسي بقمع تلك المظاهرات في الشارع واعتقال أكثر من 2000 شخص في أسبوع واحد، يحاول الآن جاهدا أن يعثر على الدوائر، التي قامت بمساندة هذا الحراك ضده، وتمثل ذلك في عدد من القرارات التي أصدرها نجله محمود السيسي، نائب رئيس جهاز المخابرات العامة، بمنع العديد من القيادات السابقين والحاليين داخل جهاز المخابرات العامة من السفر إلى خارج البلاد وفتح تحقيق معهم تحت إشرافه مباشرة.
في نفس الوقت فإن الموجودين داخل المؤسسة العسكرية يخشون أن يسيطر السيسي علي المؤسسة العسكرية بشكل كامل وأن يلقوا نفس مصير رئيس الأركان السابق والمرشح الرئاسي السابق سامي عنان، المعتقل حاليا في أحد السجون العسكرية، أو مصير رئيس الوزراء والمرشح الرئاسي السابق أحمد شفيق، الموجود تحت الإقامة الجبرية، أو مصير وزير الدفاع السابق صدقي صبحي ورئيس الأركان محمود حجازي والذي أطيح بهما وتم وضعهما في الإقامة الجبرية كما نقلته بعض الدوائر المقربة من السلطة.
خشية من سيطرة السيسي على الجيش
وفي الواقع كشفت المظاهرات الأخيرة أيضا عن ضعف وهشاشة نظام السيسي من خلال تحويله إلى الشوارع والميادين الكبرى في مصر إلى ثكنات عسكرية لمنع خروج أي مظاهرات ضده في الجمعة الماضية.
كما أظهرت أيضا أن الشعبية، التي جاء بها السيسي منذ ست سنوات قد انتهت، وفي مقابل ذلك حاولت أجهزته الأمنية والإعلامية تحشيد أعداد مختلفة من الناس في ميدان المنصة باستخدام مواد تموينية (زيت وسكر.. إلخ)، لكن رغم كل ذلك لم تستطع أن تحشد سوي عشرين ألفا أو أقل من بينهم طلاب في الكليات العسكرية، متناسين في كل ذلك أن بضعة آلاف في ميدان محدود لا تصنع شرعية لأي رئيس في بلد مثل مصر يبلغ تعداد سكانها حوالي مائة مليون منتشرين في 27 محافظة.
وفي الوقت الذي حشدت فيه أجهزة السيسي الأمنية عددا من المواطنين لتأييده قامت "داعش" بتنفيذ هجوم على كمين للجيش المصري في سيناء راح ضحيته 19 فردا من أفراد الجيش، مما يدل علي فشل استراتيجية محاربة الإرهاب التي ينتهجها السيسي.
مصر: أكبر موجة من الاعتقالات الجماعية منذ وصول الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى سدة السلطة https://t.co/vBiOljJQUa
— منظمة العفو الدولية (@AmnestyAR) October 3, 2019
"الحراك الذي حدث كان خارج كل أشكال البنى التقليدية المعروفة تاريخياً بالنسبة للقوى السياسية"
لأول مرة في منذ الخامس والعشرين من يناير تخرج محافظات جنوب مصر (الصعيد) ضد السيسي ويُسقط المتظاهرون صورته على الأرض مطالبين برحيله. مثلت تلك المظاهرات في صعيد مصرا دليلا على أن التحالف الذي قام به السيسي مع زعماء القبائل والعصبيات (معظمهم ينتمي إلى بقايا دولة مبارك) قد انتهي، ولم يعد في قدرته تنظيم أي انتخابات محلية مستقبلية لخسارة هذه الزعامات القبلية.
كشفت أيضاً المظاهرات الأخيرة في مصر عن أن الدعم الغربي الذي أُعطي للسيسي في بداية حكمه لم يعد كما كان في ظل البيانات التي خرجت من الخارجية الأمريكية والاتحاد الأوروبي للتأكيد علي حق المصريين في التظاهر، ومطالبة السيسي بوقف آلته القمعية والإفراج عن المعتقلين.
كل هذا يعطي مؤشراً واضحاً على تغير صورة نظام السيسي في الغرب، وفي دوائر صنع القرار الأمريكية (عدا الرئيس الأمريكي ترامب والذي يري في السيسي ديكتاتورا مفضلا له)، فقد أصبح الرجل عبئا ثقيلا علي داعميه، وبدا واضحاً أن القمع لا يجلب الاستقرار كما عبرت الخارجية الألمانية عن ذلك في بيانها.
ويتبقى السؤال الأهم: هل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قادر على الاستمرارية حتى عام 2030 بهذه الطريقة كما هو مزمع في الدستور المعدل؟ وهل هناك منهجية لذلك، وهل يتصور عاقل ذلك؟
لقد أصبح جليا وواضحا أن مصر في الأيام والأسابيع القادمة مقبلة على تغيرات واسعة.
تقادم الخطيب
حقوق النشر: موقع قنطرة 2019
تقادم الخطيب، باحث مصري بجامعتي برينستون وبرلين، ومسؤول الاتصال السياسي سابقا بالجمعية الوطنية للتغيير في مصر.
اقرأ/ي أيضًا | حوار مع الباحث الألماني المرموق أودو شتاينباخ
التطبيع مع العنف وموت السياسة في العالم العربي
ضعف الوعي بالحقوق الإنسانية والحريات الأساسية بين النخب
رغم الاستبداد والتطرف الديني...توق العرب والمسلمين الى الحرية