لأجل استعادة الهند التعددية
من أيلول/سبتمبر 2022 إلى كانون الثاني/يناير 2023 سار السياسي الهندي المعارض راهول غاندي مشياً وأعضاء من المعارضة الهندية 4000 كيلومترا في مسيرة توحيد الهند (بهارات جودو ياترا) على طول الأراضي الهندية، وذلك للاحتجاح على رئيس الوزراء الشعبوي ناريندرا مودي وعلى الخطابات والسياسات الانقسامية لحزب بهاراتيا جاناتا. فحُكِم على غاندي في 24 آذار/مارس 2023 بالسجن لمدة عامين بتهمة التشهير بـِ مودي، وجُرِّد غاندي الآن من مقعده البرلماني. عن ذلك حاورت سونيا حجازي لموقع قنطرة المراقب السياسي فايزان أحمد، الذي انضمّ بنفسه إلى مسيرة توحيد الهند (بهارات جودو ياترا) في دلهي.
*****************************
سيد فايزان أحمد، ما الذي شهدته حين انضممت إلى بهارات جودو ياترا (مسيرة توحيد الهند) في دلهي في كانون الأول/ديسمبر من عام 2022؟
فايزان أحمد: طوال الـ4000 كم، انضمّ الناس إلى راهول غاندي، ساروا معه لمسافات مختلفة، وحضروا تجمعاته التي تزداد شعبية. انضمّمت إلى مسيرة توحيد الهند في الصباح الباكر للسير من جاسولا أبولو إلى ريد فورت/القلعة الحمراء في دلهي. كان عدد المشاركين في المسيرة أعلى بكثير مما توقّعت. كان الناس من الطبقات جميعها موجودين في المسيرة.
وقف مئات المحامين بالزي الرسمي على جانبي الطريق الواصل من المحكمة العليا إلى مكتب ضريبة الدخل (وهو معلم شهير في دلهي) للترحيب بالمسيرة. كانت النساء يرقصن على إيقاعات الطبول، وكان الشباب يردِّدون الشعارات باستمرار ويرقصون على أنغام الأغاني التي تبثّها مكبرات الصوت، وبدا كبار السن مصممين على الاستمرار، وحتى بعض المشاركين من ذوي الاحتياجات الخاصة شوهِدوا يسيرون أيضاً. كان الجو العام على الطريق احتفالياً.
ما مدى أهمية مسيرة راهول غاندي في هذه الفترة؟
فايزان أحمد: جاءت المسيرة في وقت بدأت فيه سياسات الحكومة، المعادية للمسلمين والمثيرة للانقسام، بحصدِ الأرواح. يتمتع ناريندرا مودي بشعبية كبيرة بين ناخبيه، في حين أنّ المعارضة منقسمة كالعادة. وتعيد هذه المسيرة راهول غاندي إلى الساحة السياسية مجدّداً. واستُخدِمت وسائل الإعلام لتصويره على أنه أمير من الأسرة الحاكمة يفتقر إلى الصلابة اللازمة.
الآن، يمنحه الناس الفضل في التفاعل مع جميع أطياف المجتمع من خلال المسيرة. وهذا هو السبب أيضاً في أنه حتى الآن، على الرغم من انتهاء المسيرة هذه، "لا يزال حزب بهاراتيا جاناتا غير قادر على تجاوزها". في 19 آذار/مارس 2023 زارت الشرطة منزل راهول غاندي لاستجوابه بشأن النساء اللواتي اقتربن منه خلال المسيرة طالبات منه النظر في قضايا الاغتصاب والتحرّش الجنسي.
من "كانياكوماري إلى كشمير"
هل كانت المسيرة مجرد حيلة علاقات عامة أم أنّ هناك ما هو أكثر من ذلك؟
فايزان أحمد: الطريق من "كانياكوماري إلى كشمير" هو الأطول في الهند وغالباً ما يُستشهَدُ به بوصفه مرجعا جاهزا في المخيلة الوطنية. أدار المسيرة عمال حزبيون ملتزمون خضعوا لفحوصات طبية مسبقاً ليتمكنوا من المشاركة في المسيرة بأكملها. إذ أنّ 4 آلاف كيلومتر تتطلّب جهداً بدنياً وإدارة حريصة أكثر بكثير من مجرد حيلة علاقات عامة. لم يعتقد العديد من المراقبين أنّ راهول غاندي سيقوم بالمسيرة، ولكن بعد عدة أسابيع بدأت المسيرة تكتسب زخماً.
هل كان لمسيرة توحيد الهند تأثير على السياسة الوطنية؟ هل أثارت السكان؟
فايزان أحمد: عزّزت المسيرة صورة راهول غاندي بوصفه فاعلا. وإضافة إلى ذلك، قدّمت دفعة حيوية للعاملين في حزب المؤتمر، والأنصار، والمراقبين الصامتين. ورفع الإقبال الهائل على المسيرة مستويات الثقة بين صفوف المعارضة الأخرى وعامة الناس، مما يدلّ على مزيج حقيقي مناهض لحزب بهاراتيا جاناتا. فقد رفعت المسيرة توقّعات أعضاء حزب المؤتمر، وأثارت الشهية للمزيد من الحملات الإبداعية على المستويات الشعبية في الفترة التي تسبق الانتخابات المقبلة. ومن الواضح أنّ المعارضة ترغب في تجنّب فوز حزب بهاراتيا جاناتا بزعامة ناريندرا مودي للمرة الثالثة.
وبالحديث عن الأقلّيات، والهنود المسلمين الذين يشكّلون أكبر أقلية في البلد، ما الذي تغيّر بالنسبة لهم في ظلّ نظام حزب بهاراتيا جاناتا؟ كيف تنظرون إلى محنة المسلمين ومستقبل الأقليات؟
فايزان أحمد: حالياً، بفضل الأغلبية البرلمانية لحزب بهاراتيا جاناتا، لا يوجد نائب واحد من المجتمع المسلم في الحكومة. وفي ظلّ هذا النظام، يشهدُ المسلمون كيف يمكن لمنازلهم ومتاجرهم أن تُهدم بالجرافات من دون أمر من المحكمة. يمكن للشرطة اقتحام منازل المسلمين ليلاً، وفي بعض الأحيان من دون حضور ضابطات، ويمكن نهب منازلهم من دون إشعار قانوني. في ولاية أوتار براديش، شهدنا كيف يمكن للشرطة إطلاق النار على المتظاهرين المسلمين أو اعتقالهم.
يدركُ المسلمون أيضاً أنّ لجان الأقليات في الهند عاجزة. واليوم، يمكن لأي شخص يبدو مسلماً أن يقع ضحية لحشد من الغوغاء في أي مكان في الهند. وتدرك الأقليات في الهند هذه التطوّرات جيداً. فقد كان هناك هجمات لا حصر لها على مهرجاناتهم، وهياكلهم المقدّسة، ومعالمهم وأماكنهم. ونادراً ما يُنظر إلى أجهزة الدولة على أنّها صادقة وحيادية وعادلة، إذ غالباً ما يتلاعب بها النظام الحاكم.
من شارك مع هذه المسيرة منذ انطلاقها في تشرين الأول/أكتوبر من عام 2022، وهل تعتقد أنّ هناك أي متعاطفين داخل حزب بهاراتيا جاناتا الحاكم؟
فايزان أحمد: إلى جانب نشطاء المجتمع المدني وأعضاء الأحزاب، غالباً ما كان عامة الناس في الهند هم الذين انضموا إلى المسيرة في كل ولاية. لم يقلّل حزب بهاراتيا جاناتا من أهمية المسيرة على الإطلاق، لكن حين كانت تقترب من العاصمة دلهي، شعر الحزب بالتوتّر. لم يؤيّد أي سياسي من حزب بهاراتيا جاناتا دعوة راهول غاندي لتقليل خطاب الكراهية؛ على النقيض من ذلك، استمرت وسائل الإعلام التابعة لحزب بهاراتيا جاناتا بنشاط في حملة دعائية مناهضة للمسيرة تهدف إلى تشويه صورة راهول غاندي.
هل يمكنك تفسير التحوّلات التي شهدتها الهند منذ صعود حزب بهاراتيا جاناتا الهندوسي القومي في عام 2014؟ كيف تغيّرت الثقافة السياسية وثقافة الاحتجاجات؟
فايزان أحمد: فيما مضى كان لكل حزب سياسي كادر من السياسيين البارزين، وكانوا جميعهم على القدر ذاته من الأهمية. أما الآن، يبدو أن جميع الأحزاب السياسية تقريباً تستخدم هيكل قيادة مركزيا، فيرتبطُ الحزب بفرد معين. وهذه علامة مُقلِقة، إذ أنها توحي بكل وضوح إلى السلطة المطلقة. أما فيما يخصّ ثقافة الاحتجاج، فإنّ عدد الذين يحتجّون بشأن القضايا الأخلاقية ولأسباب أيديولوجية يتناقص بشكل مستمر. ولا تظهر الاحتجاجات الكبيرة إلا حين تصيب سياسات الحكومة شرائح معينة من السكان بقوة وبأعداد كبيرة.
ما الذي ينبغي على حزب المؤتمر القيام به للحصول على فرصة حقيقية في الانتخابات البرلمانية المقبلة في أيار/مايو من عام 2024؟
فايزان أحمد: يحتاج حزب المؤتمر إلى إصلاح تنظيمي. كما يحتاج الشباب إلى التشجيع على الانضمام إلى برامج خاصة بهم وقيادة هذه البرامج. ويجب على الحزب أن يتجنّب تماماً ثقافة الرموز. فبدلاً من الخطباء القادرين على إثارة الحشد، يحتاج الحزب إلى أعضاء مخلصين ومتفانين تربطهم علاقة حقيقية بناخبيهم وبالتالي يمكن أن يحصلوا على المزيد من الأصوات. كما يحتاج المؤتمر أيضاً إلى التأكيد على الطبيعة العلمانية للهند بوصفها ركيزة مهمة لهويتها الوطنية. وعبر القيام بذلك سيصبح المؤتمر بديلاً ممكناً لأولئك جميعاً الذين ينتمون إلى مختلف الأطياف السياسية التي ترفض فكرة الدول الدينية. ففي النهاية، لن يُحدِث التغييرُ السياسي في عام 2024 إلا معارضة متّحدة.
كيف ترى مستقبل الهند في العقود القادمة؟
فايزان أحمد: أنا متفائل. لن أرسم صورة قاتمة للمستقبل نابعة من الإحساس الحالي بالكآبة. ينبغي استعادة ثقة الناس في العمليات التمثيلية وآليات تحقيق العدالة. تشعر قطاعات المجتمع الأكثر عقلانية بالعجز وسط الجنون الإعلامي، بينما انهار التنوع الثقافي في الهند تماماً. عاجلاً أم آجلاً، ستنتهي أيام حزب بهاراتيا جاناتا. ومع ذلك، فإنّ الحكومة القادمة غير المنتمية إلى حزب بهاراتا جاناتا ستواجه مهمة شاقة فيما يتعلّقُ بإزالة آثار الضرر الذي قامت به حكومة بهاراتيا جاناتا وتصحيح مسار الديمقراطية في الهند.
حاورته: سونيا حجازي
ترجمة: يسرى مرعي
حقوق النشر: موقع قنطرة 2023