ناشر الخوف من الإسلام في أوروبا
حقّق زيمان شهرة بارزة على الصعيد الدولي بوصفه إسلاموفوبياً سيء السمعة، على الرغم من ترؤّسه لجمهورية برلمانية يتجاوز عدد سكانها العشرة ملايين نسمة بقليل. ومع ذلك، فقد جذبت المنافسة في الانتخابات والتي بلغت منتهاها في كانون الثاني/يناير 2018 انتباه العديدين.
إذ وضع عدد من المعلقين الدوليين آمالهم على مرشح أكثر ليبرالية مثل جيري دراهوش أملاً بأن يصبح الرئيس التشيكي الجديد. لكن الفائز في معركة الانتخابات، بأغلبية ضئيلة (51.5% من الأصوات)، كان مرة أخرى هو ميلوش زيمان، رئيس الوزراء السابق المنتمي للحزب الديمقراطي الاجتماعي وثم في عام 2013 أول رئيس مُنتخب مباشرة لجمهورية التشيك.
وزيمان [شيوعي سابق] ضد الاتحاد الأوروبي وضد الهجرة ومؤيد لسياسة خارجية موالية لروسيا. كما يشتهر بنظرياته حول المؤامرة الإسلاموفبية، التي يشاركها بانتظام مع العامة. والتي، مثل مواقفه الأخرى، لا تمثّل وجهات نظر المؤسسة السياسية التقليدية.
لفت الانتباه إلى نفسه في عام 2014 بادعاءاته أن الهجمات على متحف يهودي في بروكسل لا تُعزى إلى جناة فرديين، وإنما إلى الإسلام بحد ذاته. إذ أعلن زيمان أن هؤلاء الذين يتبعون الإسلام هم ضد الساميّة ونازيون متعصبون، فعاب غيره بعيب فيه.
لا يرى زيمان الأسلمة كمؤامرة عامة فحسب ولكنه يشير إلى اتجاه محدّد، زاعماً أن تدفقات اللاجئين من سوريا والعراق هي جزء من مؤامرة الإخوان المسلمين. وبسبب الافتقار للقوة العسكرية، يدفع الإخوان المسلمون الآن، كما يُزعم، باتجاه أسلمة أوروبا بسيل منتظم من الأشخاص من أجل الاستيلاء عليها. وقد وصفه بأنه "غزو منظّم".
والمصادر التي استشهد بها هي وزير الخارجية المغربي السابق وولي عهد الإمارات العربية المتحدة، وفي الأخير، حذّر من أن التشيكيين قد يلجؤون إلى السلاح لدرء "المحرقة الكبرى" من قبل "الإرهابيين المسلمين".
وبهذا الخطاب، لا يُظهِر زيمان نفسه بوصفه صديقاً للمؤسسة، بل للجناح اليميني. وفي السابع عشر من تشرين الثاني/نوفمبر من عام 2015، وهو يوم عيد وطني في التشيك [ذكرى الثورة المخملية (ثورة سلمية ناعمة أسقطت الحكومة الشيوعية عام 1989)]، وقف جنباً إلى جنب مع مارتين كونفيتشكا، وهو مؤسس حركة وُصِفت من قبل رئيس الوزراء التشيكي بوهوسلاف سوبوتكا (ديمقراطي اشتراكي)، بأنها منظمة كارهة للأجانب. ولا بد من النظر إلى كل هذا في ضوء الأقلية المُقدّرة بـ 10 آلاف مسلم في البلاد.
تكاد لا توجد أي منظمات مدنية في الجمهورية التشيكية مستعدة للوقوف في وجه العنصرية وضد زيمان المعتل وأغلبيته الانتخابية الضئيلة. فقد كان على الاجتماع السنوي للمجموعة اليمينية التي تأسست داخل البرلمان الأوروبي "أوروبا الأمم والحريات" التعامل مع 500 متظاهر معارِض فقط. وفي الحكومة الجديدة وغير المستقرة، يواجه زيمان على الأرجح معارضة أقل حتى من ذي قبل.
ويعود ذلك إلى أن الانتخابات البرلمانية، في تشرين الأول/أكتوبر 2017، شهدت مرة أخرى زيادة مفاجئة في الجناح اليميني التشيكي. فقد أسس الملياردير أندريه بابيش حركة من لا شيء بواسطة حزبه الليبرالي الشعبوي "آنو" [كلمة تعني "نعم"] وحصل على 78 مقعداً من الـ 200 مقعد في البرلمان
وحده الحزب الشعبوي اليميني "الحرية والديمقراطية المباشرة" قدّم أغلبية صغيرة جداً لتشكيل حكومة ائتلافية معها. وقد خرج حزب "الحرية والديمقراطية المباشرة" من السباق بـ 22 مقعداً بوصفه ثاني أقوى حزب وأيّد ميلوش زيمان في ترشحه لمنصب الرئاسة. بيد أنه بعد ذلك فشلت محاولة تشكيل الحكومة ورفع البرلمان حصانة بابيش من أجل السماح بالتحقيقات في سرقة 1.6 مليون يورو من الإعانات المقدمة من الاتحاد الأوروبي للتشيك.
وكان رد فعل زيمان في الوعد بإعادة رئاسة الحكومة إلى بابيش لتشكيل تحالف. من المؤكد أنه يمكن العثور على أرضية مشتركة مع حزب "الحرية والديمقراطية المباشرة".
أوجه تقارب مع شعبويي اليمين الأوروبي الغربي
في ليلة الانتخابات في 21 تشرين الأول/أكتوبر 2017، أعلن أندريه بابيش أنه مؤيد للاتحاد الأوروبي ومؤيد لحلف الناتو. على أية حال، فإنه في الواقع يتشارك موقفاً متشككاً من الاتحاد الأوروبي مع دول أخرى في مجموعة فيسغراد، دافعاً باتجاه استخدام حق النقض ضد مبدأ إلزامية الحصص في توزيع اللاجئين على دول الاتحاد، إلى جانب معارضة إدخال اليورو. وحجج بابيش من أجل انتهاج سياسة تقييدية مع اللاجئين هي من باب الإسلاموفوبيا بوضوح: "علينا أن نقاتل من أجل ما بناه أسلافنا هنا. إن كان سيكون هناك مسلمون أكثر من البلجيكيين في بروكسل، فتلك مشكلتهم. أنا لا أريد ذلك هنا. لا يمكنهم أن يقولوا لنا من يجب أن يعيش هنا".
وتتداخل آراؤه في هذا الصدد مع آراء حزب "الحرية والديمقراطية المباشرة" الشعبوي اليميني، على غرار النموذج الأوروبي الغربي وهو حزب قضية واحدة في الواقع. فقد علقوا في الحملة الانتخابية ملصقات تقول "لا للإسلام، لا للإرهاب" بل دعوا إلى حظر الدين الإسلامي حتى. ويحظى زعيم حزبهم، توميو أوكامورا، بدعم من دومينيك دوكا، وهو كاردينال الكنيسة الكاثوليكية وله علاقات جيدة بالشبكات العابرة للحدود.
أما الاجتماع السنوي للشعبويين اليمينيين في مجموعة الاتحاد الأوروبي، الذي سبق ذكره، فقد عُقِد في براغ وحضرته مارين لوبان من "الجبهة الوطنية" الفرنسية، وخيرت فيلدرز من "حزب الحرية الهولندي"، وماتيو سالفيني من "ليغا نورد" الإيطالي، وماركوس بريتسيل (عضو سابق في حزب البديل من أجل المانيا واليوم عضو في "الحزب الأزرق") وغيرهم من شعبويي اليمين الأوروبي البارزين.
وبوجود ميلوش زيمان، فإن لجمهورية التشيك الآن رئيساً يشيد بقرار دونالد ترامب حظر دخول المسلمين إلى الولايات المتحدة الأمريكية ويرى نفسه رسولاً محذِّراً من الهجرة. كما أنه يرمز إلى قطعة أخرى في الأحجية في المجموعة المتنامية من السياسيين المصابين بالإسلاموفوبيا والذين يريدون أن يروا حقوق الإنسان تُطبّق بشكل انتقائي، ويرغبون بتعزيز وتوسيع قوتهم تحت غطاء تهديد إسلامي مُتخيّل.
فريد حافظترجمة: يسرى مرعيحقوق النشر: موقع قنطرة 2018ar.Qantara.de
فريد حافظ متخصص في الشؤون السياسية، وباحث في مبادرة "جسر" بجامعة جورج تاون وناشر "تقرير الإسلاموفوبيا الأوروبية".