الإسلام ليس نقيض الغرب بل ميراث أوروبا المُعتَّم عليه
من الصعوبة بمكان في هذه الأيام أن يدافع المرء عن الحرية. فالكثير من الناس يعتقدون أن الحرية تعني حريتهم هم وحرية أن يفعلوا ما يرونه هم صحيحاً. لا يريد هؤلاء الاعتراف أن الحرية تعني أيضاً، وبشكل أتوماتيكي، حرية الآخرين لفعل الأشياء بطريقة مغايرة لطريقتهم.
يبدأ التسامح عندما يعترف المرء بحرية الآخرين ولكن على طريقتهم الخاصة. التسامح أمر موجع، لأنه يوجب علينا تحمّل آراء وسلوكيات لا تتوافق-من حيث المبدأ-وهوانا. وكمثال على هذه السلوكيات والآراء الوشم على الجسم أو ارتداء الحجاب أو تقبيل الرجل لرجل آخر أو رفض سيدة مد يدها لمصافحة رجل غير محرم عليها.
ما يجعلنا نأتي على ذكر الإسلام هنا هو ما يبدو ظاهرياً أن الإسلام هو أكبر تحدٍّ يواجه تسامحنا؛ فالبعض يعتبر الإسلام منبع الإرهاب ومعاداة المرأة والعنف. وهذا الأمر أدى إلى شعور هذه الفئة من بعض المنقذين المزعومين لـ"للغرب اليهودي-المسيحي" بأنه عليهم النهوض لمحاربة "أسلمة الغرب". من المؤسف أنه وبذلك يدفن هؤلاء المنقذون المزعومون أسس نظامنا الحر في القبر، النظام نفسه الذي يفترض أنه يريدون إنقاذه. على الرغم من أنه كان على هؤلاء أنفسهم معرفة المزيد عن الإسلام.
الخطاب العام والفعل العام في هذا الصدد يسير اليوم وفق مخطط ثابت وعلى نفس خطى ما حصل في الماضي. فقبل 130 سنةً حُرِم اليهود من الاندماج في المجتمع الألماني وتم توجيه التهمة لهم بأنهم يشكلون مجتمعاً موازياً للمجتمع الألماني. في ذلك الوقت كان الكلام عن أن القانون اليهودي لا يتوافق مع قيم مجتمع الأكثرية، المجتمع الألماني. وتماماً هذا ما نسمعه اليوم عن "الشريعة الإسلامية". في الحقيقة فإن مُسمى "الغرب اليهودي-المسيحي" أطلق بعد الهولوكوست على "الغرب المسيحي". أطلق هذا المصطلح ليهدأ من روع وخز الضمير الألماني وكعملية مراجعة للتاريخ، وكذلك ليكون مصطلح يشعل الصراع بإقصاء كل ما هو إسلامي.
الإسلام "ميراث أوروبا المُعتَّم عليه"
حان الوقت لتثبيت الحقائق التالية. أولاً: الإسلام ليس نقيض الغرب. ثانياً: الإسلام ليس هو المذنب دائماً في كل ما يحدث وفي كل مكان وكل زمان. يرتكز الإسلام على الجذور التاريخية نفسها، التي لنا، وبالتالي فهو جزء من هويتنا الأوروبية. فمن القرن التاسع إلى الثالث عشر الميلاديين تصدَّر العلماء المسلمون المشهد، فحفظوا التراث الفكري للإغريق وترجموه وطوروه. هذا في حين كانت أوروبا الوسطى تغرق في جهل بفعل الكنيسة. ما كان بالإمكان لأوروبا تحقيق النهضة العلمية من جديد بدون ابن سينا والبيروني والكندي وابن رشد وغيرهم. وبناء على ذلك يعتبر المؤرخون الإسلام "ميراث أوروبا المُعتَّم عليه"، إلى جانب الميراث الإغريقي والميراثين اليهودي والمسيحي.
علاوة على ما سبق ذكره، يبدو أن بعض أولئك المنقذين المزعومين للغرب ينسون مهد ديانتنا المسيحية. لم يبصر يسوع المسيح النور بالقرب من روما، بل في بيت لحم على بعد عشرة كيلومترات من القدس. كما أن من جلب الديانة المسيحية إلى أوروبا اعتباراً من عام 46 بعد الميلاد هو بولس الرسول، الذي ينحدر من منطقة تقع اليوم على الحدود السورية التركية. كان بولس الرسول قد تلقى تعليمه في القدس كداعية يهودي، ولكنه اعتنق المسيحية في دمشق وتحول من شاول (مطارد المسيحيين) إلى بولس الرسول. لذا فأوروبا مدينة بمسيحتيها إلى مهاجر من الشرق الأوسط، سلك نفس الطريق الذي يسلكه اللاجئون السوريون اليوم إلى أوروبا.
جدل متحيز وغير موضوعي
ثانياً: نميل إلى المبالغة في تقدير الإسلام أكثر مما يستحق، وذلك عن طريق جعله مسؤولاً ولوحده عن سلوك المسلمين. وكبعض الأمثلة على ذلك تفجير أتباع "الدولة الإسلامية" أنفسهم، وتحرش رجال شمال إفريقيين سكارى بالنساء، وقيام عصابات عائلية عربية بإرهاب أحياء في برلين. وبناء على ما سبق نصل إلى نتيجة أن الإسلام عنفي بطبعه ومعادٍ للمرأة وغير قابل للاندماج في مجتمعنا.
ولكن إذا نظرنا إلى الجهة المقابلة، أوروبا، نجد ما يلي: يضرب أزواج أوروبيون سكارى نسائهم، يُعثَر على أطفال حديثي الولادة في حاويات القمامة، يعتدي آباء جنسياً على أولادهم، يعتدي رجال الكنيسة جنسياً على الأطفال في المدارس الداخلية للكنيسة، لا يُسمح للمرأة بتقلد مناصب كنسيّة، بل يحبذ أن ترتدي المرأة ملابس نصف عارية للترويج لبيع السيارات السريعة. وبناء على ما سبق فالمسيحية غير أخلاقية ووحشية ومعادية للمرأة وتقود للاعتداء الجنسي على الأطفال. أن من يجد أن هذه الكلام عن المسيحية فيه مبالغة وغير موضوعي ومتحيز، ربما يفهم كيف يشعر المسلمون وكيف يرون الجدل العام حول الإسلامي كجدل مبالغ فيه ومتحيز وغير موضوعي.
للأسف عندما ننظر إلى الآخرين لا نبصر أهم شيء، ألا وهو الحالة السوية (غير الشاذة). لا يريد ملايين البشر غير الحياة الطبيعية فقط: السعادة والصحة والعيش بحرية ودون خوف وأن يكوّنوا عائلة وصداقات وأن يعيشوا حياة كريمة.
وحتى المسلمين يقدمون على فعل أشياء، سواء أكانوا أغنياء أم فقراء، متعلمين أم جهلة، ذوي سلطة أم مقموعين، ريفيين أم حضريين، وسواء كان والدوهم أكاديميين أم عمالاً أم فلاحين. على كل حال يفعلون ما يفعلونهم ليس لأنهم -وببساطة- مسلمون وحسب. وهذا ينطبق على بلدان أخرى غير مسلمة ومجتمعات أخرى غير مسلمة.
إذا أردنا أن نفهم لماذا يسود في أجزاء من العالم الإسلامي الدكتاتوريون ونظم حكم سلطوية، ولماذا لا تتمتع النساء بحقوق مساوية للرجال، ولماذا تندلع الصراعات والحروب، ولماذا يمنع الفسادُ وتجميعُ الثروات بيد قلة من الأفراد التقدمَ الاقتصادي والرفاه، ولماذا لا يجد الكثير من الشباب المتعلم عملاً، ولماذا لا يُطبَع إلا القليل من الكتب، إذا أردنا أن نفهم كل ماسبق، علينا ألا نكتفِ بالنظر إلى الدين فقط، بل وأن ننظر إلى التطورات الاجتماعية-السياسية، وكيف رسمت القوى الاستعمارية حدود الدول الإسلامية، وما فعلته السياسات الغربية القائمة على مصالحها، وعلينا النظر أيضاً على السياقات الاجتماعية والأنماط الثقافية.
التنوع عنوان التعامل مع الإسلام
بناء على كل ما سبق ذكره، يتعين علينا تعلم التعامل مع الإسلام بتنوع، لكي يمكننا عكس ما جعل أوروبا في الستين سنةً الأخيرة عظيمة، ألا وهو دساتيرها الليبرالية، والتي يتساوى بحسبها جميع البشر في الحقوق والواجبات، بغض النظر عن منبتهم ومعتقدهم. يجب ألاَّ يتلقى أحدٌ ما معاملةً تفضيلية وألاَّ يخضع للتمييز بسبب منبته أو دينه. من يُرِد استقبال مسيحيين أو لاجئين من "دائرتنا الثقافية" وبشكل تفضيلي، فإنه يخالف مبادئ الدستور، تماماً مثل الذي يريد فرض حظر عام على المساجد أو على ارتداء الحجاب.
إن محاولة القوى القومية اليمينية تبجيل ألمانيا كأمة متجانسة، ينحدر كل أفرادها من منبت واحد، ومحاولة فرض هوية ألمانية جمعية، سيعود بنا -وبشكل مباشر- إلى الماضي. يمر المجتمع الألماني اليوم بحالة تغير. ومن هنا فإن لكل فرد من هذا المجتمع الحق بالمشاركة في تشكيله. عندما يكون بوسع كل فرد في ألمانيا أن يكون ما يريد: أن تكون المرأة المسلمة المحجبة وزيرة وأن يكون الرجل المسلم قاضياً في "المحكمة الدستورية الاتحادية"، عندها فقط يمكننا القول إننا تطورنا من دولة هجرة مضطربة إلى مجتمع يسود فيه الاندماج الناجح.
كريستين هيلبيرغ
الترجمة من الألمانية: خالد سلامة
حقوق النشر: موقع قنطرة 2016