السمسرة مع اللاجئين...من المشروعية إلى الانتهازية
تعتبر كلمة ( السمسرة ) وهي حرفة السمسار من أكثر الكلمات تداولا في العالم الإسلامي، وهي كلمة فارسية معربة، فالسمسار هو الوسيط بين البائع والمشتري لإمضاء البيع وهو الدال على مكان السلعة وصاحبها مقابل عمولة معينة تدفع للسمسار، ورغم أن البعض ينظر الى هذه المهنة نظرة ليست جيدة في الوسط الاجتماعي إلا أنه لا غبار عليها فهي عمل مشروع وتدخل في أعمال أعظم الدول والمشاريع والبنوك والبورصات والأعمال التجارية ...
وإن كانت السمسرة في أصلها عمل مشروع وقانوني إلا أنها تتحول إلى عمل غير أخلاقي وانتهازي عندما يكون أساسها استغلال الناس وجهلهم واضطرارهم وقلة حيلتهم، هذه الحالة التي وصل إليها كثير من السوريين الباحثين عن مأوى لهم ولأسرهم وأطفالهم. تبدأ السمسرة من الاتصال بالسماسرة الفرعيين الأقل شأنا الذين ينسقون مع السماسرة الرئيسيين الأعلى شأنا لتأمين وسيلة لعبور البحر إلى شواطئ المتوسط الأوروبي ( اليونان، إيطاليا ...) وصولا إلى البحث عن سمسار آخر يضمن عليك الوصول بأمان إلى الدولة الأوروبية التي تقصدها (السويد، ألمانيا، النمسا، سويسرا ...) وحتى هذه اللحظة يدفع السوري ولا يبالي ما دام مقصده أن يرمي نفسه وأسرته في أحضان دولة تحترم حقوقه وتكفل حريته وتضمن سلامته.
الحكاية الأليمة والسمسرة الخبيثة
تبدأ الحكاية الأليمة والسمسرة الخبيثة هنا بعد الوصول والحصول على إقامة في بلد اللجوء ونتحدث هنا عن ألمانيا الاتحادية حصرا كون الظاهرة أكثر انتشارا وأبشع صورة، فاللاجئ السوري لا يحسن لغة القوم وهو مضطر للتسجيل في الدوائر الحكومية الألمانية، واللغة الألمانية هي اللغة الحكومية بموجب الدستور وهي لغة الدوائر الرسمية وهناك أعداد كبيرة من اللاجئين، وهنا يجب على اللاجئ اصطحاب مترجم معه إلى الدوائر الحكومية تسريعا لمعاملته ومنعا من تقديم أي معلومات خاطئة للجهات الرسمية.
هذه الحاجة وغيرها كانت فرصة لكثيرين من قناصي الفرص ممن يحسنون اللغة الألمانية وممن قدموا إلى هذه البلاد منذ زمن ليس بقصير خصوصا من البلدان العربية ( المغرب، لبنان، فلسطين، سوريا , العراق...)، يهمنا هنا فقط تلك العينة غير الأخلاقية بالمفهوم الكانطي التي تجاوزت المنطق والعرف والقانون مستغلة الحاجة الماسة وجهل المقيم الجديد.
ناصر ، لاجئ سوري عند حصوله على الإقامة في إحدى الولايات الشرقية سافر نحو غرب ألمانيا ووقع ضحية السماسرة الذين أقنعوه بالمجيء الى مدينته الجديدة ولم يكن يعلم أن هذه النصيحة ستكلفه 1000 € يورو أجور منامة وترجمة أوراق لدى الجهات الرسمية و500 € يورو أجر سمسرة لأخيه الناصح الشفيق !!!
وصلت أسعار بعض السماسرة في بعض المدن الألمانية إلى 30 € يورو على عمل الساعة الواحدة وإذا تجاوزت الساعة بضع دقائق عمل فإنها تحسب ساعة كاملة، وأقل سعر سمسرة في كل ألمانيا بقصد الترجمة هو 5 € يوروهات، وهؤلاء لا يجد السوري حرجا في شكرهم بحسبان أنه أخذ من وقتهم ، ولدى إجراء مسح اجتماعي على بعض المجموعات المتفرقة من السوريين عن هذا الموضوع كانت مجمل إجاباتهم مبينة بالجدول الآتي باليورو:
أعلى سعر ترجمة€ |
أدنى سعر ترجمة€ |
عدد العينات العشوائية |
اسم المقاطعة أو المدينة |
20 |
10 |
4 |
ميكلنبورغ |
20 |
10 |
8 |
برلين |
30 |
15 |
5 |
دوسلدورف |
15 |
5 |
15 |
فوبرتال |
حرفة يومية وصفحات وهمية
ورغم أنّ بعض المقيمين القدامى من الجنسيات العربية في المدن الألمانية جعلوا من السمسرة حرفة يومية، فإن منهم من لم يكتفِ بسمسرة الترجمة مع الدوائر الرسمية فحسب بل عمد الى إنشاء صفحات وهمية على (الفيسبوك) واستئجار مكاتب تحت مسمى تسهيل معاملات اللاجئين، وهناك طلبات مجهزة ومكتوبة مسبقا على الحاسوب ليكون ثمن الورقة الواحدة ( 5 € يوروهات)، وصولا الى حجوزات لمّ الشمل في السفارات الألمانية في كل من لبنان وتركيا، مستغلين جهل بعض كبار السن الذين لا يحسنون استعمال وسائل الاتصال الحديثة والمراسلات الالكترونية، بل إن بعضهم لا يجد حرجا في أن يطلب 5 € يوروهات لقاء ترجمة أي بوست بريدي ولو كان سطرين!
المشهد الأكثر إيلاما وقبحاً... تأمين بيوت للإيجار
ولكن المشهد الأكثر إيلاما وقبحا هو طلب مبالغ كبيرة لقاء تأمين بيوت للإيجار، فمكتب العمل يطلب من اللاجئ تأمين عقد بيت سكني لتسجيل عنوان الإقامة والسكن، وكما نعرف لا يوجد مكاتب عقارية تشبه عما هو الحال في البلدان العربية وإنما شركات وزبائن تضع عروض ماعندها من بيوت للإيجار في الجرائد ومواقع إلكترونية خاصة لهذا الأمر، وكل ما يقوم به السمسار العربي بشكل عام والسوري بشكل خاص هو الاتصال مع صاحب البيت المعروض أو الشركة محاولا بأي وسيلة تأمين بيت لضحيته السوري، إذْ يُعتبر تأمين البيت هو الضربة الكبرى لدى هؤلاء السماسرة . فيكون اللاجئ في حالة نفسية سيئة يبغي الاستقرار والراحة بعد سنوات وشهور من القلق والتعب والخوف، ثم يصل إلى مرحلة يقول فيها للسمسار: جِدْ لي بيتاً وخُذْ ما تريد!
مسعود ، شاب سوري وجد بيتا عن طريق أحد السماسرة وكانا قد اتفقا على مبلغ سمسرة قدره 500 € يورو ولدى معاينة المنزل ومعرفة صاحب البيت الألماني بأن المستأجر من اللاجئين السوريين أراد ترك مجمل أثاث البيت من مطبخ وموبيليا ولكن السمسار طلب زيادة عن المبلغ المتفق عليه بحجة أنه وفر ثمن أثاث على اللاجئ السوري!
ولدى إجراء مسح بسيط عن أجور سمسرة البيوت يمكننا تلخيصها بالجدول الآتي باليورو :
أعلى سعر سمسرة منزل€ |
أدنى سعر سمسرة منزل€ |
عدد العينات العشوائية |
اسم المقاطعة أو المدينة |
1000 |
500 |
4 |
ميكلنبورغ . غرايفسفالت |
3000 |
1000 |
8 |
برلين |
2000 |
1000 |
5 |
دوسلدورف |
700 |
200 |
15 |
فوبرتال |
مجتمع مدني وعرب ومسلمون أخلاقيون
مما سبق نستطيع القول: إن ظاهرة السمسرة تجاه اللاجئين السوريين خرجت عن سياق الكلمة وتحولت إلى فعل استغلالي مشين ومورد دخل مشبوه عند كثيرين من أبناء اللغة الواحدة والمصير الواحد.
وهي ظاهرة لا أخلاقية تظهر مدى وحشية الإنسان عندما يستغل حاجة أخيه الإنسان في الوقت الذي تبذل فيه منظمات المجتمع المدني كالصليب الأحمر والكاريتاس ودياكوني وبعض العرب والمسلمين الأخلاقيين القيام بالمهات السابقة من ترجمة وتأمين بيوت مساعدة للسوريين دون أي مقابل ، وعند البعض من السوريين والعرب بأسعار رمزية ومعقولة فإن البعض ممن امتهنوا هذه الوظيفة اللاأخلاقية من استغلال السوريين وحاجاتهم وجعل معاناة الناس مهنة يعتاشون منها وعليها، كما هو حال وطنهم، إذ تمارس فيه السمسرة السياسية العالمية والإقليمية والمحلية بأبشع وأقذر صورها، والضحية دوماً هو السوري داخل وخارج الأوطان .
منصور حسنو
حقوق النشر: موقع قنطرة 2016
منصور حسنو باحث وكاتب سوري