هل يخسر أوباما العراق؟
لقد فرضت الولايات المتحدة ضغوطاً دبلوماسية هائلة على الدول العربية المجاورة للعراق لحملها على قبول فترة ولاية أخرى للمالكي، الأمر الذي رفضته أغلب هذه البلدان. ففي البداية كانت الولايات المتحدة تدعم المالكي من أجل منع الكتلة الصدرية من اكتساب نصيب من السلطة. بيد أن هذا الدعم أسفر عن نتائج عكسية الآن، وذلك لأن التيار الصدري يمثل المجموعة الوحيدة، غير تحالف المالكي من الأحزاب الشيعية، التي تؤيده. ومن بين النتائج المقلقة التي ترتبت على الدبلوماسية التي تتبناها الولايات المتحدة أنها عززت دور إيران في العراق، وذلك لأن المالكي يُعَد المرشح المفضل في نظر إيران لتولي منصب رئيس الوزراء. وعلى هذا، ففي اللحظة التي تقود فيها الولايات المتحدة حملة عالمية لعزل إيران بسبب برنامجها النووي، فإنها تعمل على تعزيز مكانة إيران الإقليمية.
ولا يقتصر الخلاف بين الولايات المتحدة وإيران على القضية النووية. فقد واجهت الجهود الأميركية الرامية إلى إعادة بدء محادثات السلام الإسرائيلية الفلسطينية معارضة صلبة من جانب إيران، المستمرة على سياستها التي دامت ثلاثين عاماً حتى الآن في معارضة أي جهود لتعزيز السلام في المنطقة. والواقع أن إيران تمارس نفوذاً كبيراً على الجهات الفاعلة الحكومية أو غير الحكومية التي يشكل دعمها ضرورة لا غنى عنها لأي سلام طويل الأمد في الشرق الأوسط. وتأتي سوريا في مقدمة هذه الجهات. ويبدو أن العراق في مرحلة ما بعد الانتخابات كانت بمثابة الفرصة السانحة للولايات المتحدة لدق إسفين بين إيران وسوريا. ففي حين تشجع إيران الأحزاب الشيعية في العراق، فإن مصالح سوريا هناك تميل في اتجاه القومية العلمانية، التي كانت متمثلة في ائتلاف رئيس الوزراء السابق إياد علاوي، الذي نجح فعلياً في إلحاق الهزيمة بالمالكي في الانتخابات البرلمانية في وقت سابق من هذا العام. والواقع أن سوريا كانت تؤيد علاوي طيلة الأعوام السبعة الماضية. ولكن على الرغم من ذلك، وفي أعقاب ضغوط دبلوماسية مكثفة من جانب الولايات المتحدة وإيران لصالح المالكي، حولت سوريا ظاهرياً دعمها في استجابة لهذه الضغوط.
مخاوف من المالكي
ومن الواضح أن تأثير هذه الزلة الأميركية أصبح محسوساً الآن، حيث شجع الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد على القيام بزيارته الاستفزازية إلى لبنان، والتي اشتملت على الظهور في مناسبات علنية عامة في مناطق يسيطر عليها حزب الله بالقرب من الحدود الشمالية لإسرائيل. وكانت دول الخليج، وخاصة المملكة العربية السعودية، تقاوم حتى الآن الضغوط الأميركية الرامية إلى حملها على تأييد المالكي. فمن المؤكد أن هذه البلدان لا تستطيع أن تنسى أن المالكي كان مسؤولاً أثناء عملية التطهير العرقي للمسلمين السُنّة في بغداد. وينظر حكام هذه البلدان إلى إيران ـ وبالتالي تقرب المالكي منها ـ باعتبارها تهديداً لوجودهم. وتنظر الكويت والمملكة العربية السعودية والبحرين بصورة خاصة إلى إيران بوصفها سبباً في إثارة الاضطرابات بين التجمعات السكانية الشيعية الكبيرة هناك.
كما قاومت النخب السياسية في العراق رغبة المالكي في الحصول على ولاية ثانية لسببين. الأول أنهم منزعجون من احتمالات تجدد المحاولات الإيرانية لزعزعة استقرار العراق. فقد اعترضت قوات الأمن مؤخراً مفجرين انتحاريين يحاولون الدخول إلى كردستان العراق من إيران، بدعم من الاستخبارات الإيرانية وبتدريب منها، طبقاً لمزاعم الزعماء الأكراد. والثاني أن ولاية المالكي كانت مقلقة إلى حد كبير بالنسبة لهؤلاء الذين يؤمنون بالديمقراطية والانتقال السلمي للسلطة. فقد عمل المالكي على إنشاء قوات أمنية ـ عمل بعض أفراد منها كفرق إعدام، كما أوردت بعض التقارير ـ مسؤولة منه وتحت قيادته المباشرة، فتجاوز بالتالي التسلسل الدستوري للقيادة. كما عمل على وضع أقرانه في محل ضباط الجيش والأمن.
ثمن الانسحاب من العراق
وفي شهر مارس/آذار الماضي، بينما ترددت الشائعات بأنه قد يخسر التصويت، أكد المالكي أن أمن الدولة سوف يصبح مهدداً في حالة خسارته، مشيراً إلى مسؤوليته عن الحفاظ على النظام. وحين خسر بالفعل، طالب المالكي بإعادة فرز الأصوات، ليس كمرشح، ولكن بوصفه القائد العام للقوات المسلحة. وحقيقة أن المالكي، على الرغم من شغله للمنصب، لم يتمكن من تأمين فترة ولاية ثانية بعد مرور سبعة أشهر من الانتخابات، تدلل على المعارضة الواسعة النطاق لاستمراره في الحكم بين أهل الطبقة السياسية في العراق. ولا يوجد سوى سبيل واحد لتفسير القرار الذي اتخذته الإدارة الأميركية بفرض مثل هذه الضغوط السياسية لصالح الرجل المفضل لدى إيران في العراق: ألا وهو تعهد أوباما أثناء حملته الانتخابية الرئاسية بالانسحاب من العراق أثناء فترة ولايته الأولى.
وفي هذا يقتدي أوباما بالرئيس جورج دبليو بوش، الذي سمح للأجندة الانتخابية في الولايات المتحدة، وليس المصالح الوطنية الأميركية ـ ناهيك عن المصالح الوطنية العراقية ـ بإملاء السياسة التي انتهجتها إدارته في التعامل مع العراق. فقد أصرت إدارة بوش على أن العراق لابد وأن تحقق إنجازات "مهمة" ـ الانتخابات التي لم تكن البلاد جاهزة لعقدها، والانتهاء من وضع الدستور في ستة أسابيع، على سبيل المثال لا الحصر ـ لمجرد خلق وهم الإنجازات الكبرى قبل انتخابات 2004 الرئاسية أو انتخابات التجديد النصفي في عام 2006. وعلى نحو مماثل، تحاول إدارة أوباما الآن فرض ما تعتبره أسهل وسيلة لتشكيل حكومة جديدة في العراق ـ حتى ولو كانت موالية لإيران ـ ليس لأن ذلك يصب في المصلحة الوطنية الأميركية، بل لتمكين الإدارة من الخروج السريع قبل حملة إعادة انتخاب الرئيس.
إن السياسة التي تنتهجها الولايات المتحدة في العراق تعمل الآن على تعزيز قوة إيران على المستوى الإقليمية على حساب حلفاء أميركا العرب، الأمر الذي لابد وأن يؤدي إلى تقويض الجهود الأميركية الرامية إلى صنع السلام في الشرق الأوسط، وإضعاف الديمقراطية الوليدة في العراق. والحق أنه لمن الصعب أن نتخيل مجموعة أسوأ من هذه النتائج بالنسبة للمصالح الأمنية القومية للولايات المتحدة في هذه المنطقة البالغة الأهمية من العالم.
فيصل أمين رسول الاسترابادي
ترجمة: أمين علي
حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2010
فيصل أمين رسول الاسترابادي مدير مركز دراسات الشرق الأوسط التابع لجامعة إنديانا، وكان يشغل منصب سفير العراق ونائب ممثلها الدائم لدى الأمم المتحدة أثناء الفترة 2004-2007، كما كان من بين كبار الخبراء الذين عملوا على صياغة الدستور المؤقت للعراق في عام 2004.
قنطرة
تشكيل الحكومة في العراق:
الديمقراطية في العراق ... نظام المحاصصة والتمثيل النسبي
يواجه العراق منذ عدة أشهر صعوبة في إيجاد توازن بين مختلف المجموعات العرقية وتشكيل حكومة في البلاد. والآن بعد التوصل إلى اتفاق بتشكيل الحكومة ، إلا أنه سرعان ما ظهرت في هذا الاتِّفاق انقسامات عميقة. بيرغيت سفينسون تسلِّط الضوء من بغداد على إشكالية تشكيل الحكومة في العراق.
وثائق ويكيليكس وحقائق حرب العراق:
وثائق بأحرف من دم
نشر موقع ويكيليكس قرابة 400 ألف وثيقة عن التعذيب والانتهاكات وإساءة المعاملة التي جرت في حرب العراق. وتوثق هذه الوثائق الانتهاكات التي قام بها الجيش الأمريكي والتصرفات المشينة التي اقترفتها فرق الموت الشيعية وشركات الأمن الخاصة. بيرغيت سفينسون تكتب من بغداد عن يوميات العنف الدموي الذي تتحدث عنها الوثائق المنشورة.
حوار مع رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي:
"العراق ليس ساحة لتنافس
ر زيارته مؤخراً إلى ألمانيا تحدث رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي إلى دويتشه فيله عن فرص تطور بلاده ومهام حكومته، إضافة إلى علاقات العراق بدول الجوار وآخر تطورات الاتفاقية الأمنية المزمع توقيعها بين بغداد وواشنطن. محمد إبراهيم التقى السياسي العراقي وأجرى هذا الحوار.