بين قراءات الساسة وروايات الواقع
عقدت في السادس من شهر تشرين الثاني/نوفمبر الجاري في برلين قمة الاندماج الثالثة. وتركَّز موضوع القمة في هذه المرّة على وضع عرض أولي شامل لنتائج خطة الاندماج الوطنية التي تم تطويرها في قمة الاندماج الثانية في عام 2007 بالتعاون بين ممثِّلين حكوميين وغير حكوميين بالإضافة إلى جمعيات المهاجرين.
وقد قيَّم كلّ من المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل وكذلك مفوَّضة الحكومة الألمانية الاتحادية لشؤون الهجرة واللاجئين والاندماج، ماريا بوهمر نتائج الإجراءات التي تم اتِّخاذها بأنَّها إيجابية من دون شكّ. وحتى إنَّ السيدة ماريا بوهمر تحدَّثت عن وجود "حالة تحوّل واسعة النطاق في سياسة شؤون الاندماج في جميع أرجاء البلاد".
وجاء في مضمون كلامها أنَّه لم يتم حتى الآن بذل جهود كبيرة من أجل الاندماج مثلما هي الحال في الوقت الراهن. وفي ذلك تستطيع السيدة بوهمر الإشارة إلى أنَّ هناك أربعمائة تعهّد قد تم وضعها موضع التنفيذ وأنَّ هناك الكثير من "المشاريع والمبادرات تم البدء بها". وعلى عكس تصوير أعضاء الحكومة الاتِّحادية الايجابي للواقع فقد انتقدت جمعيات المهاجرين ومنظَّماتهم السبعة عشرة المشاركة في هذه القمة خلوّ خطط الاندماج التي تم إقرارها من السياسة المستدامة.
وهم يحذِّرون من أنَّه يمكن حاليًا تسجيل حتى تطوّرات سلبية في داخل حقلي التعليم والعمل، إذ إنَّ نسبة البطالة ما تزال تصل لدى المهاجرين إلى ضعفي ما هي عليه لدى الألمان، كما أنَّ الأوضاع المدرسية والتعليمية الخاصة بالمهاجرين الناشئين لم تتحسَّن، بل ازدادت سوءًا.
لا توجد تقريبًا إجراءات موضوعية
ولا شكّ في أنَّ هذا الانتقاد الذي وجَّهته جمعيات المهاجرين ومنظماتهم يقوم على أساس صحيح. فخطة الاندماج الوطنية لا تكاد تحتوي - باستثناء التعهّد بمواصلة وتطوير سياسة الاندماج التي يفترض أن تخدم النساء - على إجراءات موضوعية بغية توفير أماكن للتعليم وفرص عمل من أجل المهاجرين.
فالخطوات المتَّخذة من الجانب الحكومي من أجل تحسين أوضاع المهاجرات والمهاجرين التعليمية والمهنية لا تكاد تتوجّه حتى الآن إلى المشاكل الحقيقية والظاهرة الخاصة بالمهاجرين.
وكذلك لا يمكن لأوضاع المهاجرين التعليمية والمهنية الحرجة أن تنفرج وذلك لأنَّ المشاكل البنيوية بالذات لا يمكن أيضًا أن يتم حلها من خلال إجراءات مؤقَّتة تم تحديدها في خطة الاندماج الوطنية. ولا يمكن إظهار وجود نتائج موضوعية خاصة في التقرير الخاص بالتقدّم. وفي ذلك يثبت الآن أنَّ المفوّضة الاتِّحادية لشؤون الهجرة تدَّعي ادِّعاءات جوفاء عندما تتنبَّأ قائلة: "من المقرَّر حتى عام 2012 أن يذهب جميع الأطفال إلى المدارس الابتدائية وأن يتقنوا اللغة الألمانية بصورة جيدة وأن ينخفض عدد من ينقطعون عن الذهاب إلى المدرسة إلى النصف". وفي المقابل نعلم من خلال العديد من الدراسات والأبحاث أنَّه يتم عزل أطفال المهاجرين في نظام التعليم الألماني.
البنى التعليمية
وحتى الآن لم تُهيِّئ المدارس الألمانية نفسها طبقًا للحياة اليومية الواقعية في ألمانيا والتي تتضمَّن مشاركة الحياة مع المهاجرين، كما أنَّ الحياة اليومية الواقعية مُعدّة في الغالب حسب ثقافة أحادية؛ كما أنَّ محتويات الكتب المدرسية وكذلك الأساليب والمناهج التعليمية لا تكاد تراعي أوضاع أطفال المهاجرين ومصالحهم - هؤلاء الأطفال الذين تعيش أسرهم في ألمانيا منذ أكثر من أربعين عامًا وتشكِّل جزءًا مهمًا من المجتمع الألماني.
وما يزال يتم ذكر ثقافة المهاجرين ودينهم كأساس لتفسير وتعليل أسباب سوء أوضاع أطفال المهاجرين في الحياة المدرسية اليومية، ومن دون التشكيك في البنى المدرسية بالذات والتي تجعل أطفال المهاجرين عرضة للتمييز.
وكذلك لم تعد في هذه الأثناء الأوضاع الجائرة التي يتعرَّض لها الناشئين المهاجرين في المدرسة والحياة المهنية تُعزى فقط إلى إلمامهم الضعيف باللغة الألمانية. فمن المفترض أن يتم تركيز الاهتمام أيضًا على مرافق ومنشآت التعليم الألمانية التي ما تزال تُصعِّب على نفسها عملية قبول الناشئين المهاجرين. وكذلك لم يتم تقريبًا في هذه القمة ذكر هذه الأوضاع، وكذلك لم تتطرَّق القمة أيضًا لحقيقة كون المهاجرين الذين يتمتَّعون بشهادات مدرسية وبمؤهِّلات كثيرًا ما لا يحصلون على أماكن للتعليم أو على فرص عمل.
إنَّ مسألة تكافؤ الفرص والمساواة في التعامل في التعليم والتدريب المهني وكذلك في سوق العمل تشترط دائمًا قيام الدولة الدولة بعمل. غير أنَّ مثل هذه الواجبات الحكومية لا يمكن لمسها من خلال بيانات وقائية عن النوايا الحسنة. وتكافؤ الفرص لا ينشأ من ذاته؛ بل يحتاج إلى فرض شروط سياسية عامة من قبل الدولة، بغية التمكّن من التوصّل إلى مثل هذه المساواة والمحافظة عليها.
برامج تنموية هادفة
تظهر لنا بوضوح دول الهجرة الكلاسيكية مثل الولايات المتَّحدة الأمريكية من خلال برنامجها المعروف باسم "العمل الإيجابي" Affirmative action وبريطانيا العظمى من خلال برنامجها الذي يعرف باسم "قانون إصلاح العلاقات العرقية 2000" Race Relations Amendment Act 2000 أنَّ مساواة أبناء الأقليات العرقية والمهاجرين غير ممكنة إلاَّ على أساس القوانين التي تُنمِّي تكافؤ الفرص وتحافظ عليه. ولا يمكن من دون هذه القوانين إيجاد حلّ للمشكلة الأساسية الخاصة بعدم مساواة المهاجرين. وتعتبر باستمرار مشاركة المهاجرين الضئيلة في العملية التعليمية والمهنية دليلاً على أنَّ التمييز الاجتماعي المتعلِّق بأمور عرقية ما يزال مثل ذي قبل سائدًا في المجتمع المعني وأنَّ المجتمع ما يزال بذلك غير منفتح بما فيه الكفاية من أجل مشاركة المهاجرين. فمن ناحية لا بدّ لسياسة الاندماج المستدامة من تعزيز التنوّع الثقافي والديني، وأن تضمن من ناحية أخرى تكافؤ الفرص لأبناء الأقليات العرقية.
ومن الممكن للدولة أن تثبت على وجه التحديد ضمن هذه الأهداف المهمة والرامية إلى إيجاد سياسة اندماج فعّالة مصداقية نواياها الحسنة وقدرتها المتعلّقتين بشؤون الاندماج. ولكن طالما بقيت مثل هذه السياسة غير ملحوظة فلن تمهِّد أيضًا خطة الاندماج الوطنية الطريق لتحوّل نموذجي في سياسة شؤون الاندماج الألمانية.
أولغر بولات
ترجمة: رائد الباش
قنطرة 2008
أولغر بولات باحثة مختصة في شؤون الهجرة وأستاذة لمادة الخدمات الاجتماعية بين الثقافات في الجامعة التطبيقية في هامبورغ. وتعمل في الوقت نفسه باحثة نفسية في شؤون الخدمات الاجتماعية مع نساء وفتيات تركيات.
قنطرة
قمة الاندماج:
فرصة لدعم مساعي اندماج المهاجرين في المجتمع الألماني
تسعى الحكومة الاتحادية إلى صياغة سياسة ناجحة لاندماج المهاجرين في المجتمع الألماني، لذلك اجتمعت المستشارة الألمانية ميركل مع عدد من ممثلي منظمات المهاجرين بهدف مناقشة العقبات، التي قد تحول دون تحقيق الاندماج في ألمانيا.
من يمثل "المسلمين" في ألمانيا؟
بين الأقلية الملتزمة والأغلبية الصامتة
يطالب المسلمون المنظمون في اتحادات إسلامية في ألمانيا بالوضع القانوني نفسه الذي يتمتع به ممثلو الدينين اليهودي والمسيحي. ولكن يتحتم على الاتحادات الإسلامية أن تتسم بالمهنية والشفافية في صنع القرار وأن تكرس الوحدة في صفوفها، حسب رأي ريم شبيلهاوس.
حوار مع وزير الإندماج في ولاية نورد راين فستفالن أرمين لاشت:
التفاعل مع المجتمع ضروري!!
يعد دمج المهاجرين في المجتمع الألماني من المهام الرئيسية للحكومة، حسب رأي الوزير أرمين لاشت الذي يتحدث في الحوار التالي أيضا حول الحجاب والسياسة التي راها مناسبة لاندماج الأجانب في ألمانيا.