الفرق بين الإلحاد في العالم العربي والغرب
يُنظر إلى الكفر الديني بخوف في غالبية البلدان العربية. فقد صدرت في مصر أوامر لوزارتين حكوميتين لإعداد خطة وطنية لـ "مواجهة ظاهرة الإلحاد والحد منها". أما في المملكة العربية السعودية، فيصنّف قانون مكافحة الإرهاب الأحدث "الدعوة للأفكار الإلحادية" بوصفها جريمة إرهابية.
وقد تبدو هذه المطاردة لغير المؤمنين غريبة بصورة خاصة في وقت يزداد فيه القلق حول أولئك الذين يقتلون باسم الدين، بيد أنه لدى المجتمعات العربية نفور عام من عدم التطابق وغالباً ما تروّج الأنظمةُ التي تحكم هذه المجتمعات نسخةً رسميةً من الإسلام تناسب احتياجاتها السياسية. وبالتالي يُنظر لكل من الجهادية والإلحاد -رغم الاختلاف الشديد في الطابع- بوصفهما شكل من أشكال الانحراف السياسي أو الاجتماعي، مع المخاوف التي تُثار في وسائل الإعلام العربية حول أن أولئك الذين يرفضون الله والدين سيجلبون فوضى وفسوقاً إن وجدت أفكارهم موطئ قدم.
وعقاب الردّة، في ستة بلدان عربية -الكويت، وقطر، والمملكة العربية السعودية، والسودان، والإمارات العربية المتحدة واليمن- هو الإعدام. لم تُنفّذ أي إعدامات في السنوات الأخيرة، بيد أن الأشخاص الذين اعتُبِر أنهم "أهانوا" الدين، بطرق تافهة في كثير من الأحيان، يمكن أن يواجهوا أحكاماً طويلة بالسجن. إجراءات صارمة ضد الملحدين والإنسانويين والإسلاميين في مصر، حيث استولى القائد الأعلى للقوات المسلحة عبد الفتاح السيسي على السلطة في عام 2013، بعد إطاحته برئيس إسلامي، نفّذ النظام الجديد في الوقت ذاته إجراءات صارمة ضد الإخوان المسلمين، وضد من يشك بأنهم من المتطرفين الإسلاميين أو الملحدين. ومن بين أمور أخرى، أُغلِق مقهى في القاهرة يُزعم أن الملحدين يترددون عليه، كما يواجه أمين مكتبة جامعية تحدّث عن الإنسانوية في برنامج تلفزيوني الفصل من عمله وقد تجري محاكمته بتهمة "الترويج لأفكار إلحادية". يصبح العرب الملحدون أكثر وضوحاً، ويرجع ذلك بشكل كبير إلى وسائل الإعلام الاجتماعية. كما أن هناك تصوّراً بأن أعدادهم في تزايد. فقد أثار استطلاع أجرته وين/غالوب الدولية للأبحاث ((Gallup حول الدين في 57 دولة عام 2012، خوفاً خاصاً في المملكة العربية السعودية، والتي تزعم، بوصفها مهد الإسلام، كونها أقدس البلاد العربية. ومن بين الذين أُجريت المقابلات معهم هناك، قال 19 بالمئة أنهم غير متدينين ووصف 5 بالمئة منهم نفسهم بأنهم ملحدون مقتنعون. وفي مصر، ناسب ظهور "خطر" إلحادي السردية السياسية للحكومة. فهو يُقدَّم على اعتباره نتيجة مؤسفة لـ 12 شهراً من سوء الحكم من قبل الإخوان المسلمين. وبنفس الأسلوب، اقترح بعض المحللين أن داعش، بينما تجتذب بعض المسلمين للقتال، فهي تُبعد غيرهم عن الإسلام. ولا توجد أدلة كافية لدعم مثل هذه النظريات. ففي النهاية، لا يتفق الملحدون مع الدين بصورة عامة، وليس ببساطة مع صيغ أكثر غرابة منه. إذ تميل الجوانب الإشكالية للإسلام، كما يصفها أولئك الذين يتركون الإيمان، إلى أن تكون مختلفة إلى حد ما عن تلك التي يسلط الإعلام الغربي عليها الضوء. وخلال عام 2014، بينما كنت أجري أبحاثاً من أجل كتابي "عرب بلا رب"، حاولت اكتشاف لماذا يتحول بعض العرب إلى الإلحاد. لم يذكر أياً ممن تحدثت إليهم الإرهاب كعامل رئيسي. فأولئك الذين هجروا الإسلام هجروه لأنهم رفضوا المعتقدات الأساسية للإيمان، بشكل رئيسي كما تعلّموها في المدارس ومن خلال رجال الدين المعتمدين من قبل الحكومة.
ففي المقابلات، ما وُصِف في غالبه هو تقدم تدريجي بعيد عن الدين، ممتد أحياناً لسنوات؛ لم يكن هناك لحظة حاسمة مفاجئة في التحول إلى الإلحاد. إذ أنه في العادة، يبدأ بسؤال سخيف حول بعض جوانب التعليم الديني الذي صدمهم بوصفه غير منطقي وغالباً ما كانوا يأملون في حل هذه التناقضات ليحصلوا على فهم أفضل لإيمانهم. "رب غضوب لا يرحم" المسألة التي استشهد بها العرب في أغلب الأحيان باعتبارها خطوتهم الأولى على طريق الكفر هي الظلم الظاهر في العدالة الإلهية. إذ كانت الصورة التي اكتسبوها هي عن إله سريع الغضب وأحياناً لا عقلاني ويتصرف بطريقة مماثلة كثيراً لديكتاتور عربي أو لرب عائلة عتيق الطراز -شخصية مجسّمة (موصوفة في شكل بشري) تأخذ قرارات اعتباطية وتبدو توّاقة لعقاب الناس عند أي فرصة تسنح. فمن الواضح أن التحذيرات الرهيبة، المتكررة بصورة متواصلة في القرآن، عما يمكن أن يحدث لغير المؤمنين، قد تركت انطباعاً قوياً عليهم في طفولتهم.وبالنظر إلى الطريقة التي يُتّخذ بها الإسلام ذريعة لتبرير عدم المساواة بين الجنسين -قوانين الميراث التمييزية، على سبيل المثال، والخضوع تحت ستار "حياء" الأنثى- فمن الممكن القول إن النساء في الشرق الأوسط لديهن أسباب أكثر من الرجال لهجر الدين. تتمرد بعضهن بالتأكيد ويغادرن، ولكن الظروف الاجتماعية التي خلقها النظام الأبوي [الذكوري التسلطي] يجعل من الصعوبة بالنسبة لأخريات حتى التفكير في فعل ذلك. وبالنسبة لأعداد كبيرة من النساء العربيات، فإن الاختيار بين الإيمان وعدم الإيمان هو ليس خياراً واقعياً.
ومن الفروق البارزة بين غير المؤمنين العرب وأولئك الذين في الغرب هو أن الحجج العلمية حول تطور وأصول الكون، وهو جزء رئيسي من الخطاب الإلحادي الغربي، يلعب دوراً ثانوياً في انجراف العرب بعيداً عن الدين -على الأقل في المراحل الأولى. وبصورة عامة، فإن تشكيكهم الأولي لا يتعلق كثيراً بإمكانية (أو غير ذلك) وجود الله بقدر ما يتعلق بإنْ كان يمكن وجود الله بالشكل الموصوف من قبل الأديان المنظمة. بقايا إيمان مبهم بالإله القلة، بينما يرفضون رب الإسلام، يحافظون على إيمان مبهم بإله أو يعبّرون عن توق إلى "روحانية". وبظروف مختلفة، ربما يستكشف البعض أنظمة إيمان أخرى أو دين "عصر جديد" بيد أن الفرص مقيّدة بصرامة في الشرق الأوسط. إذ تتسامح أغلب البلدان المسلمة مع المسيحية واليهودية إلى حد معين، مشيرة إليهما بوصفهما ديانتين "سماويتين"، بيد أن غيرهما لا يُسمح أو يُعترف بها عادة -رغم أنه يمكن ممارستها خلسة. ففي الكويت، هناك صفوف يوغا و"مراكز علاج" يديرها بوذيون غير أنهم لا يعلنون عن صلاتهم الدينية. العلمانيون والمسلمون "التقدميون" كما يتّخذ بعض المسلمين قراراً تكتيكياً بعدم القطيعة مع الدين بصورة نهائية، ويقدّمون أنفسهم بوصفهم علمانيين، ومسلمين "تقدميين" أو "إصلاحيين" مسلمين. فهم يشعرون بأن المزيد يمكن إنجازه عبر التصدي للممارسات الدينية القمعية بدل التشكيك بوجود الله، بما أنه من غير المرجح أن يُستَمع إليهم إن عُرِفوا بأنهم ملحدون. وبينما من المحتمل أنه يمكن لإصلاح إسلامي أن يُفيد الشرق الأوسط اجتماعياً وسياسياً، إلا أنه لا يمكن للملحدين تأييد ذلك من دون التضحية بمبادئهم. إذ ترى النسخُ التقدمية من الإسلام القرآنَ بشكل عام في سياقه التاريخي، مجادلة بأن القواعد التي طُبِّقت في زمن النبي يمكن أن يُعاد تفسيرها اليوم في ضوء الظروف المتغيرة -بيد أن ذلك يتضمّن القبول بالقرآن بوصفه السلطة الكتابية الأعلى. كما أن مكانة القرآن هو مسألة هامة بشكل خاص لكل من أتباع الإسلام ومعارضيه. ففي حين أن المسيحيين غالباً ما يعتبرون أن الإنجيل مستوحى إلهياً غير أنه مكتوب من قبل البشر، يُزعم أن القرآن هو الكلام الفعلي لله، حين أوحيَ للنبي محمد من خلال الملاك جبريل. وبالنسبة للملحدين من خلفية مسلمة، غالباً ما تبدو مناقشة أصالة القرآن والنبي أكثر أهمية من التشكيك بالله - وهناك تقليد عريق في فعل ذلك. اثنان من الشخصيات البارزة في القرنين التاسع والعاشر، ابن الراوندي وأبو بكر الرازي (كلاهما فارسي)، غالباً ما وُصِفا بأنهما ملحدان، وإن كان من الأدق وصفهما بعقلانيين مناهضين للنبوية.لم يكونوا مهتمين بإنْ كان الله موجوداً (ولا يملكون سوى معرفة علمية بسيطة لبناء قضية) ولكنهم كانوا متشككين جداً حول الأنبياء، بمن فيهم محمد. فمع وجود العديد من الأشخاص يدّعون كونهم أنبياء وغالباً ما يناقض أحدهم الآخر، يقترح المنطق أنه لا يمكن لهم جميعاً أن يملكوا خطاً ساخناً إلى الله. لذا كان السؤال: مَن منهم -إنْ وُجِدوا- كانوا حقيقيين.
ثم، وكما هو الحال الآن، تميل حجج غير المؤمنين إلى الارتكاز على اللاعقلانية في العقيدة الدينية بدل التشكيك في أدلة وجود الله. وهنا حيث تتباعد ردود أفعال الملحدين تجاه الإسلام وتجاه المسيحية. وعلى الرغم من وجود تاريخ طويل للنزاعات بين العِلْم والمسيحية، فإن المسلمين لم ينظروا عموماً إلى الاكتشافات العلمية كتهديد. أما الحادثة المشهورة في عام 1663 حين أجبرت الكنيسةُ الرومانية الكاثوليكية العالِمَ الإيطالي غاليليو غاليلي على التخلي عن اعتقاده "الهرطقي" المتمثّل في أن الأرض تدور حول الشمس، فليس لها مكافئ إسلامي. فقد كان الشغف التاريخي للمسلمين للتعامل مع العلم مرتبطاً بإيمانهم. وحاز علم الفلك اهتماماً خاصاً نظراً لاستخدامهم تقويماً قمرياً إضافة إلى حاجتهم للتثبّت من اتّجاه مكّة عند الصلاة. نظرية داروين للتطور وراء القضبان اجتذب إصدار كتاب تشارلز داروين "أصل الأنواع" في عام 1859 استجابات مختلطة من قبل المسلمين. استمتع البعض، ومنهم مفتي الديار المصرية، بالمشاكل التي سبّبتها نظرية داروين للمسيحية، مجادلين بأن الإسلام كان خالياً نسبياً من النزاعات حول العلم وبالتالي فإنه أكثر قدرة على تقبّل الأمور. أما اليوم فتزداد معارضة المسلمين للداروينية، وربما يرجع ذلك إلى الميل نحو المحافظة الدينية والتفسير الحرفي للنص منذ سبعينيات القرن الماضي. وكنتيجة لذلك، فنظرية النشوء والتطور هي منطقة يتصرف فيها الإعلام والجامعات والمدارس العربية بحذر تخوّفاً من إثارة الشكاوى. فقضية الله في الشرق الأوسط هي أكثر بكثير من مجرد نقاش فكري. لأن الدين والسياسة متشابكان بشكل وثيق، وتحدّي الدين يمكن أن يعني تحدّي السياسة أيضاً. إذ تستخدم معظم الأنظمة العربية أوراقَ اعتماد دينية لتعويض افتقارها للشرعية الانتخابية، معتمدة ومروجة لأي نسخة من الإسلام تساعدها على الحفاظ على ذاتها. براين ويتاكرترجمة: يسرى مرعيحقوق النشر: إم بي سي جورنال / موقع قنطرة 2018ar.Qantara.de براين ويتاكر صحفي بريطاني ومحرر سابق لقسم الشرق الأوسط في الغارديان.