المرشح حمدين صباحي - رمز شباب الثورة المصرية
كان حمدين صباحي بعيدًا لفترة طويلة من الزمن عن سباق الانتخابات الرئاسية في مصر ولم يكن كذلك يحظى إلاَّ بالقليل من اهتمام الجماهير، وحتى أنَّه لم يكن يأمل تقريبًا لعب دور ذي أهمية في الانتخابات الرئاسية المصرية التي سيتم إجراؤها يومي الثالث والعشرين والرابع والعشرين من شهر أيَّار/مايو الجاري. ولكن لقد أثبت الآن هذا النشطاء اليساري الذي يبلغ عمره سبعة وخمسين عامًا مدى عزمه على إقناع الناخبين المصريين ببرنامجه الانتخابي. إذ إنَّ هذا السياسي اليساري المعارض والهادئ يأمل على أية حال أن يمنح صعوده بين المرشَّحين الأربعة الأوائل المواطنين المصريين الأمل في مستقبل أفضل. ويقول صباحي في مكتبه في القاهرة بينما يسرع العاملون لديه هنا وهناك من أجل إتمام التحضيرات الخاصة بمواعيده: "أعتقد أنَّنا شهدنا الكثير من التغييرات في الطريقة التي ينظر من خلالها الناس إلى رئيس الجمهورية وهذا يتيح لي فرصة الوصول إلى عدد أكبر من الناس".
رمز للتغيير والإصلاح
وكذلك تزداد جاذبية ما يطرحه حمدين صباحي أكثر وأكثر؛ كما أنَّ كفاحه الدؤوب من أجل الفقراء والمحتاجين في مصر صار يؤتي ثماره، فقد وعدته في الأسبوعين الماضيين العديد من حركات الشباب بتأييدها ودعمها لترشيحه. لقد أصبح المعارض اليساري حمدين صباحي الذي يتحدَّث عن العدالة الاجتماعية بشكل يومي في نظر الكثير من المصريين رمزًا للتغيير في مصر. ويقول صباحي: "أنا أتكلم من أجل جميع المصريين كما أنَّ حملتي كانت تهدف دائمًا إلى تحسين أوضاع الفقراء وإنهاء الصراع الطبقي في مصر. وإيماني بأنَّ مصر يمكن أن تكون بلدًا أفضل هو السبب الذي دفعني إلى الترشّح لمنصب الرئاسة. وأعرف أنَّني أستطيع المساهمة من خلال برنامجي في القضاء على الفقر في هذا البلد ودفع عجلة النمو والتطوّر في العديد من القطاعات إلى الأمام".
وبالنسبة له يعتبر تحسين وضع العمَّال الاقتصادي مطلبًا رئيسيًا، وعن ذلك يقول: "سوف يكون أوَّل ما سأقوم به بصفتي رئيسًا جديدًا لمصر الجديدة هو الإسراع في رفع أجور معظم العمَّال العاملين في القطاعين العام والخاص. وكذلك سأعمل على تقديم الدعم والمعونة للمواطنين الفقراء إذا تم انتخابي رئيسًا للبلاد".
محاربة فلول نظام حسني مبارك
وفي الأسبوع الماضي حصل صباحي على الدعم والتأييد من الحركة المعروفة باسم "شباب الثورة"، أي من الاتِّحاد المكوّن من منظَّمات شبابية مختلفة هدفها المحافظة على الإنجازات التي حقَّقتها ثورة الخامس والعشرين من يناير ونقلها إلى قصر الرئاسة. وبالنسبة لهؤلاء الشباب يعدّ صباحي المرشَّح المناسب من أجل القيام بذلك على أرض الواقع وكذلك من أجل قطع دابر فلول نظام حسني مبارك والقضاء عليها قضاءً تامًا. أعلن شباب الثورة في بيان لهم عن تأييدهم لحمدين صباحي وذلك لأنَّه يعتبر بالنسبة لهم "نموذجًا نزيها ومخلصًا للسياسي المصري وصاحب خبرة سياسية متميِّزة تسمح له تحمّل المهام والأعباء الخطيرة في الفترة الحالية من حكم مصر بما يحقِّق تدشين مشروع سياسي ديمقراطي يحافظ لمصر على الطابع الوسطي المدني".
من الواضح أنَّ صباحي راضٍ عن الدعم الذي تلقاه في الأسابيع الأخيرة والذي أثار الآن ومن خلال هذا الموقف المحايد اهتمام الرأي العام بحملته الانتخابية. أظهر استطلاع للرأي أجراه مؤخرًا الركن الإعلامي التابع لمجلس الوزراء المصري أنَّ نسبة تأييده ما تزال مستمرة في الارتفاع وأنَّه انضم الآن إلى "الثلاثة الكبار" مرشَّحي الرئاسة؛ أي أحمد شفيق رئيس الوزراء السابق في عهد حسني مبارك، والإسلامي المعتدل عبد المنعم أبو الفتوح وكذلك عمرو موسى الذي عمل في السابق وزيرًا للخارجية المصرية وأمينًا عامًا لجامعة الدول العربية.
الكفاح من أجل العدالة الاجتماعية
بيد أنَّ صباحي لا يؤمن بالأرقام والإحصاءات، لا سيما وأنَّ ثلث الناخبين المصريين لم يقرِّروا بعد كما يقول لمن سيمنحون في الحقيقة أصواتهم ولم يقرِّروا كذلك أنَّ كانوا سيذهبون على الإطلاق إلى صناديق الاقتراع. وبدلاً عن ذلك يركِّز صباحي على الإسهام من الناحية السياسية في تحوّل مصر الديمقراطي وانتقالها من نظام حسني مبارك إلى فترة الحكم العسكري وحتى الوصول إلى حكومة مدنية. وهدفه الرئيسي هو الكفاح من أجل العدالة الاجتماعية، ولهذا السبب خاصة فقد حصل على دعم الحركات الاجتماعية في مصر. وتأمل هذه الحركات في إجراء إصلاحات اقتصادية يمكن أن تسير بمصر إلى طريق وسط - بين التقدّم الاقتصادي والعدالة الاجتماعية ولصالح تسعين مليون مواطن مصري يعيش الكثيرون منهم بنحو دولارين في اليوم. يقول حمدين صباحي: "لا بدّ من زيادة التعاون بين القطاع العام والقطاع الخاص من أجل التمكّن من التوفيق بين العدالة الاجتماعية والاقتصاد. ويجب كذلك أن يكون للمصريين في المستقبل الحقّ بثمانية أشياء، هي السكن والرعاية الطبية والحصول على الغذاء بالإضافة إلى التعليم المجاني والعمل وكذلك التأمين والأجر العادل والبيئة النظيفة".
نقص الخبرة القيادية
إنَّ ما منع حمدين صباحي حتى الآن من دخول المعترك السياسي كان وما يزال نقص خبرته القيادية بالإضافة إلى تأييده الضمني لحكومة صدام حسين في فترة التسعينيات ومطلع الألفية الثانية. ولذلك أيضًا فإنَّ بعض المراقبين والناشطين السياسيين غير مقتنعين تمامًا بقدرته على قيادة البلاد ودفعها إلى الأمام، بصرف النظر عن القرارات والمواقف السياسية التي يعتبرونها مصيرية بالنسبة لمصر.
وعلى أية حال يقول عنه المدِّون السياسي المصري والطالب في جامعة القاهرة أيمن يوسف إنَّ صباحي شخص "مثالي" ولكنه لا يفهم إلى أي اتِّجاه تسير مصر، ولا يحسن التقدير بشكل صحيح ليكافح من أجل كلِّ الناس، ويضيف: "أنا أحب حمدين صباحي، فهو يبدو عاقلاً ويطرح مشكلات البلد بطريقة واقعية. ولكن أعتقد أنَّ الشيء الوحيد الذي يكرِّس له اهتمامًا قليلاً جدًا هو مفهوم الوحدة الوطنية، زد على ذلك أنَّه يفتقر في الواقع إلى القدرة على قيادة البلاد". ولكن المدوِّن أيمن يوسف يرى أنَّ مصر ستكون في وضع صعب إذا تنافس على الرئاسة فقط المرشَّحان أحمد شفيق وعمرو موسى، ويقول إنَّ "المصريين يفهمون ماذا تعنى قيادة البلد؛ ولهذا السبب فإنَّ عمرو موسى يحصل على الكثير من الدعم، كما أنَّه عارض بكلِّ وضوح حسني مبارك أثناء الثورة، وقد ساعده ذلك على أرض الواقع. ولكن هذا ليس الشيء الوحيد الذي يجب علينا مراعاته". ويقول المدوِّن أيمن يوسف يجب على صباحي أن يثبت للمصريين أنَّه قادر على قيادتهم في المستقبل. ويضيف: "إذا نجح في ذلك وإذا صدَّقه الناس فإنَّه من دون ريب سيفاجئ الكثيرين بذلك".
إعادة حسابات مصر مع إسرائيل
وهذا بالذات ما يريد صباحي تحقيقه، إذ إنَّه يعتقد أنَّ برنامجه الذي يهدف إلى تحقيق العدالة الاجتماعية سوف يحظى بإعجاب الشعب. ويقول من المهم الآن قبل كلِّ شيء الدعاية لاسمه وإسماع صوته وأفكاره. ومن الممكن أن يحصد صباحي أصوات الكثير من الناخبين بسبب موقفه الذي يتبناه منذ فترة طويلة تجاه إسرائيل. ويعتقد صباحي بالإضافة إلى ذلك أنَّ معاهدة السلام مع إسرائيل يجب أن يتم تجديدها ويجب كذلك منح مصر ضمن هذا السياق إمكانية التعامل مع حدودها بإستقلالية أكثر. وفي هذا الصدد قال صباحي مؤخرًا في بيان له: "سأوقف إمدادات الغاز الطبيعي إلى إسرائيل، فهي لا تعدّ جزءً من معاهدة كامب ديفيد. نحن لسنا ملزمين بتصدير الغاز إلى إسرائيل، ولكننا سوف نلتزم بمعاهدة كامب ديفيد. إذ إنَّ السلام مهم جدًا بالنسبة لنا. لقد آن الأوان الآن من أجل البناء وليس من أجل التدمير". وعلى الأرجح أنَّ تصريحه هذا من الممكن أن ينال إعجاب الكثيرين من المواطنين المصريين الذين يشعرون منذ أعوام عديدة بأنَّ معاهدة السلام مع إسرائل تضع مصر في موقف يجعلها من "الدرجة الثانية".
جوزيف مايتون
ترجمة: رائد الباش
حقوق النشر: قنطرة 2012