''أتوقَّع حدوث موجة ثانية من الثورة''
الأستاذ خالد علي، أنت محام ناجح تدافع عن مطالب العمَّال والفلاَّحين والطلاَّب. فما الذي حملك على الخوض في الحياة السياسية والترشّح للانتخابات الرئاسية؟
خالد علي: أنا أسعى إلى نقل المطالب التي دافعت عنها حتى الآن في المحاكم إلى الجمهور وذلك من أجل نشرها والتعريف بها بقدر الإمكان. وسأتمكَّن بصفتي رئيسًا للجمهورية من العمل على المستوى السياسي وضمن سياق أوسع من أجل ذلك.
أنت في الأربعين من عمرك تعد أصغر مرشحا للرئاسة في هذه الانتخابات. لقد أصبح جمال عبد الناصر في سنِّ السادسة والثلاثين رئيسًا لمصر، فهل ترى نفسك تحذو حذوه؟
علي: أنا وبطبيعة الحال معجب بجمال عبد الناصر على الخدمات التي قدَّمها للشعب، بيد أنَّني أختلف عنه وعن سياساته في عدة جوانب؛ فأنا أؤمن بالمجتمع المدني وبالحكومة المدنية وكذلك أيضًا بالعدالة الاجتماعية التي أبذل كلَّ ما في وسعي وقصارى جهدي من أجلها - أنا أريد بناء دولة ديمقراطية.
كانت رؤية جمال عبد الناصر هي توحيد الأمة العربية. ولكن هذه الرؤية تبخَّرت في عهد السادات. فهل تريد إعادة إحياء هذه الرؤية القومية؟
علي: نحن لا نريد أعادة إحياء رؤية جمال عبد الناصر، بل نسعى إلى التحالف مع كلِّ دولة من الدول العربية. وننوي بالإضافة إلى ذلك وضمن سياق أوسع التعاون مع الدول الأفريقية. نحن نريد إيصال فكرة لشعوب جميع البلدان عن أنَّهم قادرين على تحسين أوضاعهم والقضاء على الفقر الذي يحبس حاليًا القارة الأفريقية والدول العربية.
إذا أصبحت رئيسًا لمصر فما هي الدول التي ستكون من أهم شركاء مصر؟
علي: دول أفريقيا والدول العربية - أي جميع الدول التي تسعى إلى الاستقلال عن الدول الصناعية المعروفة باسم دول العالم الأوَّل. إذ إنَّ العالم أكبر من أوروبا والولايات المتَّحدة الأمريكية وإسرائيل. أي أنَّنا سننظر لتحديد الدول التي تتوافق أكثر مع مصالح مصر. كما أنَّ علاقاتنا مع الدول الأخرى ستقوم على أساس المصالح المشتركة. نحن نريد تحديد مستقبلنا بأنفسنا. ولن نقبل بأن تفرض علينا الولايات المتَّحدة الأمريكية تصوّراتها الاقتصادية أو السياسية.
تعتبر علاقة مصر مع إسرائيل حرجة للغاية، وفي الأعوام الأخيرة تم مرارًا وتكرارًا انتقاد عملية بيع الغاز المصري بسعر زهيد لإسرائيل. فما هو موقفك من ذلك؟
علي: سيتم تدقيق جميع الاتِّفاقيات التجارية والاقتصادية التي تم إبرامها مع إسرائيل في عهد مبارك والتأكّد مما إذا كانت تصب في مصلحة الشعب المصري. إذ لا يمكننا القبول بأن يشتري الناس في أسبانيا وإسرائيل والأردن الغاز المصري بسعر أقل من السعر الذي يدفعه المواطنون المصريون. ومن الطبيعي أن يقوم أي بلد بعد الثورة بإعادة النظر في جميع العقود المبرمة في عهد النظام السابق. وبالنسبة لمعاهدة السلام مع إسرائيل، سوف نلتزم بها طالما ظلت إسرائيل ملتزمة بها هي الأخرى. وهذه المعاهدة يجب أن تقوم على أساس الاحترام المتبادل.
ما تزال قوى الشباب اليسارية والعلمانية في مصر بعد مضي أكثر من عام على الثورة منظَّمة تنظيمًا سيئًا. ومنذ زمن طويل كان من المعروف أنَّ جماعة الإخوان المسلمين ستكون بعد سقوط نظام مبارك الجماعة الوحيدة المنظَّمة تنظيمًا جيدًا. لماذا لم يبدأ شباب الثورة على الفور في تشكيل أحزاب سياسية ووضع برامج؟
علي: يعود السبب الرئيسي إلى نقص المال، إذ إنَّ المجموعات الثورية واليسارية لا توجد لديها عمليًا أية موارد مالية. ولو كان يوجد لديها فقط نصف ما تمتلكه الجماعات الإسلامية، فسيبدو ذلك وبكلِّ تأكيد مختلفًا تمام الاختلاف، وذلك لأنَّ الناس يعرفون المجموعات الثورية اليسارية من خلال كفاحها من أجل طبقات المجتمع الدنيا. وكذلك لا توجد أية قناة فضائية يمكن أن تمثِّل اليسار السياسي. وفي المقابل توجد على الأقل ست قنوات إسلامية تمثِّل الأحزاب الإسلامية بصرف النظر عن الكثير من القنوات الدينية الحصرية. وهذا ينطبق أيضًا على الصحف، حيث لا توجد أية صحيفة تمثِّل اليسار، في حين أنَّ هناك ما لا يقل عن خمس صحف تمثِّل الأحزاب الإسلامية.
ما هي الاستراتيجية التي تتبعها من أجل كسر قوة الإسلاميين وممثِّلي النظام السابق؟
علي: يجب على كلِّ مَنْ يريد الخوض في الحياة السياسية في مصر أن ينزل إلى الشارع ويتحدَّث مع الناس - وحتى في الأحياء الفقيرة. ويجب عليه أيضًا إقامة الدورات ودعم المجموعات وأن يكون له وجود في هذه الأحياء، وذلك من أجل تمييز نفسه عن الآخرين. حيث ما يزال يجب علينا قطع طريق طويل سواء فيما يتعلَّق بالوقت أو بالمال والجهود من أجل محاربة التحالف الإسلامي الذي يستحوذ حاليًا على البلاد. ولكن هذا لا يعني أنَّني متشائم. بل على العكس من ذلك، فأنا أنظر بتفاؤل إلى المستقبل وأعتقد أنَّه من الممكن جدًا التغلّب على كلا المعسكرين، أي على النظام السابق والإسلاميين. ولكن ذلك يحتاج وقتًا طويلاً. وما يزال يجب علينا أن نعمل في الشارع بجدّ ونشاط لكسب هذه المعركة؛ وتحديدًا ليس فقط من خلال النقاشات والاحتجاجات على الجيش والمجلس العسكري والإسلاميين، بل من خلال العمل الملموس مع الناس وعلى المستوى الجماهيري.
أنت تعمل بصفتك محاميًا وناشطًا منذ عدة أعوام من أجل حقوق العمَّال والفلاَّحين كما أنَّك شهدت عن كثب أكبر الإضرابات التي قام بها العمَّال في الأعوام الأخيرة. فهل كانت هذه لإضرابات مقدِّمة لثورة الخامس والعشرين من يناير 2011؟
علي: انتظرت منذ عدة أعوام قيام هذه الثورة التي يعود سبب قيامها إلى الأوضاع الاقتصادية البائسة لدى قسم كبير من المواطنين. وبما أنَّه لم يتغيَّر حتى الآن أي شيء في هذه الأوضاع، فإنَّني أتوقَّع حدوث موجة ثانية من الثورة إذا لم يحقِّق الرئيس الجديد ومجلس الشعب آمال الناس في تحسين أوضاعهم الاقتصادية والعدالة الاجتماعية.
لقد تمت في عهد مبارك خصخصة العديد من مؤسَّسات القطاع العام. فهل ستلغي هذه الخصخصة إذا وصلت إلى سدة الحكم؟
علي: قمت بصفتي محاميًا برفع عدة قضايا فساد ضدّ خصخصة مؤسَّسات القطاع العام وطالبت بإعادة تأميمها من جديد. وإذا ثبت أنَّ هناك فسادًا في عملية خصخصة هذه المؤسَّسات فعندئد لا بدّ من إعادة دمجها في القطاع العام.
هل تعتبر مؤسَّسات القطاع الخاص أكثر فسادًا بالمقارنة مع المؤسَّسات الحكومية؟
علي: الفساد في يومنا هذا منتشر في كلِّ مكان في مصر؛ حيث رعاه النظام القديم بصورة منهجية كما أنَّه ما يزال يشكِّل حتى الآن عائقًا كبيرًا في طريق بناء الدولة الديمقراطية أو النظام الديمقراطي. نحن نحارب الفساد في القطاع العام وكذلك في القطاع الخاص.
لقد كافحت في دعوى جماعية عن بعض العاملين في القطاع العام من أجل إقرار الحدِّ الأدنى للأجور وتحديده بألف ومائتي جنيه مصري (نحو 150 يورو). فهل تنوي إقرار الحدِّ الأدنى للأجور لصالح جميع العاملين في القطاع العام؟
علي: أنا أعمل بكلِّ تأكيد من أجل إقرار الحدِّ الأدنى للأجور. كما أنَّني أترافع حاليًا في قضية لتحديد الحدِّ الأقصى للأجور في القطاع العام. ولكن الأمر لا يتعلَّق بالأجور فقط؛ فأنا أكافح بالإضافة إلى ذلك من أجل تحسين ظروف العمَّال والفلاَّحين فيما يتعلَّق بالرعاية الصحية والتعليم والحقوق المتعلِّقة بالأرضي وكذلك من أجل إعفاء الفلاَّحين من الديون. ولا بدّ من إعادة النظر في كلِّ ذلك في الأعوام القادمة ضمن إطار هيكلة الأجور في مصر.
ستواجه إذا تم انتخابك في شهر حزيران/يونيو القادم رئيسًا جديدًا لمصر الأغلبية الإسلامية في مجلس الشعب وعلى الأرجح أيضًا رئيس وزراء إسلاميًا. فكيف ستتعامل مع هذا الوضع؟
علي: لا يجب بالضرورة أن يكون رئيس الوزراء من أوساط الإسلاميين. وإذا أصبحت رئيسًا سيكون بإمكاني تعيين الحكومة وكذلك رئيس الوزراء. وذلك لأنَّه لم تتم حتى الآن صياغة الدستور الجديد وإذا حافظنا على النظام الرئاسي القائم حتى الآن، ستكون من صلاحيات الرئيس اختيار رئيس الوزراء. وسأسعى من أجل التفاهم مع مجلس الشعب الذي يهيمن عليه الإسلاميون. ولكن إذا كانت هناك مواجهة سأكافح بدعم من الشعب من أجل قناعاتي.
أجرت الحوار: سوزانه شاندا
ترجمة: رائد الباش
مراجعة: هشام العدم
حقوق النشر: قنطرة 2012