الخروج من المستنقع في مصر
هل تعاني مصر حالة فوضى؟ الإجابة بالقطع: نعم. لكن هل تعيش مرحلة خطر؟ بالتأكيد الإجابة: لا. فالفوضى والانفلات والاندفاع والرغبة في تجاوز القانون والأعراف... والأخلاق أيضاً جعلت الحياة في المجتمع المصري صعبة وعويصة ومحبِطة ومؤلمة، لكنها في كل الأحوال لا تهدد كيان الدولة أو مؤسساتها التي تعاني لكنها تعمل. باختصار فإن مصر مازالت تحتفظ بكيان الدولة ومؤسساتها، ناهيك بالطبع عن تراثها وخبراتها المتراكمة وتاريخها الطويل، لكن الحياة فيها الآن بالنسبة إلى كل الفئات والأعمار والأديان لم تعد سهلة أو ميسرة أو مرفهة. فأنت تحتاج إلى كثير من الصبر والجلد وضبط النفس للتعاطي مع مكونات المجتمع وأحداثه وناسه وتفاعلاته المتلاحقة.
كل الأطراف الفاعلة سياسياً واجتماعياً واقتصادياً قبل ثورة 25 يناير / كانون الثاني 2011 وبعدها أيضاً متهمة بالوصول بمصر إلى المرحلة التي هي عليها الآن. لكن المؤكد بالنسبة للكثيرين أن الحال الآن أفضل كثيراً جداً مما كان يمكن أن تصل إليه البلاد إذا استمر «الإخوان» في الحكم، أو بقي الدكتور محمد مرسي على مقعد الرئاسة لفترة أطول، إذ كانت الدولة نفسها مهددة بالضياع لا الأمن فيها فقط، ومشرفة على التفكك لا الأخلاق والأعراف فقط، وتتجه نحو حرب أهلية لا مجرد مواجهة بين فصيل واحد وباقي الشعب.
القضية الحقيقية أن مؤسسات الدولة الكبرى كالرئاسة والحكومة والجيش والشرطة والقضاء مستنزفة الآن في علاج آثار الثورة وحكم المجلس العسكري ثم «الإخوان» على أصعدة عدة ما بين خريطة الطريق السياسية، التي تتضمن الدستور والانتخابات البرلمانية ثم الرئاسية وحفظ التوازنات بين القوة السياسية وتفادي غضب بعضها ورصد المؤامرات والتصدي لها، وبين ملاحقة التظاهرات والاحتجاجات الإخوانية والتصدي لمحاولات تعطيل الحياة العامة والتأثير في أداء المؤسسات، علاوة على التصدي للإرهاب في سيناء وغيرها من المدن والمحافظات المصرية.
وجد المواطن المصري نفسه مضطراً، في أحيان كثيرة، إلى تطبيق القانون بنفسه، أو قل تحقيق قانونه الخاص، حتى ولو على حساب باقي المواطنين أو الدولة. ستحتاج مصر إلى فترة غير قصيرة لتعبر تلك المرحلة شرط أن تنفذ خريطة الطريق السياسية بدقة وشفافية، ومن دون أخطاء تمكن «الإخوان» من الطعن على إجراءاتها، أو الغرب وخصوصاً الأميركيين من التشكيك فيها.
البحث عن طريق الإصلاح
لا يوجد مؤشرات إلى أن مصر حتى الآن وضعت أقدامها على بداية طريق الإصلاح أو أن الحياة الوردية اقتربت، فالدولة مشغولة بتدبير الحد الأدنى من حاجات المواطنين، والسيطرة على طموحاتهم والتعاطي مع «الإخوان»، بينما النخبة السياسية مهمومة بالبحث عن الغنائم: مقاعد في البرلمان، أو ثقل سياسي، أو مواقع تنفيذية، بينما الطرف الآخر الذي يسعى إلى إفشال خريطة الطريق وإسقاط الحكم والعبث بالمستقبل.
نعم أُنهك لكن قناعاته مازالت على حالها في أنه خسر جولة ويستعد دائماً إلى جولات أخرى، علماً أن الدولة عانت تجريفاً في الكفاءات على مدى عقود، وفقراً ضرب مدنها وقراها وبالتالي نسبة كبيرة من شعبها، وغياباً لقيمٍ كان الحفاظ عليها كفيلاً بتخفيف وطأة الانفلات... أمنياً وأخلاقياً.
لكن هذا لا ينفي أنه في حالات كثيرة يخرج الإبداع من قلب المعاناة، والنجاح من بعد الفشل، والطموح من بين حطام الإحباط. وليس دائماً يأتي الارتباك والانفلات والتصرفات الخاطئة والسلوك «المعيب» نتيجة أزمة أو بعد فشل تجربة، فالمصريون وإن عصفت بهم الحياة فترات، وعانوا نار المؤامرات مرات، وانخدعوا أخيراً في من تصوروهم أصدقاء، يجعل تاريخ مصر والمخزون التراثي والثقافي والمعرفي وتراكم الخبرات، الأمل قائماً في الخروج من مستنقع الفشل، والخوف من المجهول، والفوضى السياسية والأمنية... والأخلاقية
.
محمد صلاح
حقوق النشر: الحياة اللندنية 2013