هل هو منتدى فعلي للحوار بين الثقافات أم مجرد منصة للنقاشات؟
لقد مضت أربعة عشر عاما على إصدار صموئيل هنتنغتون لكتابه "صراع الحضارات"، وفي عام 2006 ظهرت النسخة الألمانية منه للمترجم هولغر فليسباخ تحت عنوان "صراع الحضارات – إعادة هيكلة السياسة العالمية في القرن الحادي والعشرين" عن دار النشر شبيغل بمدينة هامبورغ. ومنذ ذلك الوقت أصبحت الفكرة الأساسية لهذا الكتاب مرجعا يُعتمد عليه في تفسير تنامي العنف القائم على الدوافع الأيدلوجية، كما يرى هنتنغتون أن الصراع الرئيسي بعد انتهاء الحرب الباردة ذو طبيعة ثقافية ودينية.
بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر / أيلول 2001 ساءت العلاقة بين العالم الإسلامي والمجتمعات الغربية لدرجة كبيرة وساد انعدام الثقة المتبادل والخوف وقلّ تفهم كل طرف للآخر. بيد أن هذه الصراعات لا تدل على وجود صراع حضاري ولكنها ترجع إلى محاولات المتطرفين من الجانبين إلى استغلال حالة انعدام الثقة بينهما. ويهدف "مؤتمر تحالف الحضارات" الذي عُقد بناء على مبادرة من الأمم المتحدة إلى خلق مزيد من التفاهم والتسامح والاحترام ويسعى إلى تقويض بعض قوى التطرف.
تعايش سلميّ
أسس هذا المنتدى عام 2005 كل من الأمين العام السابق للأمم المتحدة كوفي أنان ورئيس الوزراء الأسباني آنذاك ورئيس وزراء تركيا ليصبح تحالفا كبيرا للتعايش السلمي بين الحضارات المختلفة في جميع أنحاء العالم يهتم في المقام الأول بتوضيح سوء الفهم الثقافي ودحض الأحكام المسبقة وتخفيف حدة التوترات السائدة بين العالم الغربي والعالم الإسلامي.
وفي حين أن المؤتمر الثالث لتحالف الحضارات عُقد في الفترة ما بين 27 إلى 29 من مايو / أيار لهذا العام في ريو دي جانيرو كانت المواجهات العسكرية في أفغانستان والعراق والأراضي الفلسطينية تحتل اهتمام الصحافة العالمية ، كما سيطرت القضايا الاجتماعية المتعلقة بالدين والثقافة على النقاشات العامة في جميع أنحاء أوروبا.
ونظرا لتزايد أهمية التفاهم المتبادل في حل الصراعات بطريقة سلمية كانت مشاركة الولايات المتحدة في هذه القمة المنعقدة في مايو / أيار من الأهمية بمكان، علما بأنها لم تُصبح عضوا إلا قبل انعقاد المؤتمر بعدة أسابيع لتصبح بذلك العضو رقم 119 في هذا التحالف، كما أنها تعتبر من أكثر المناطق تضررا من الصراعات بين الثقافات . وتعتبر السياسة الجديدة التي يطمح إليها باراك أوباما مهمة لدعمها قدرات التحالف للمساهمة في التطورات السلمية.
وفي حين أصبحت الصراعات العالمية وتزايد استقطاب المجتمعات من الموضوعات الملحة والمثيرة للقلق فقد اهتم المؤتمر بمناقشة قضايا أخرى ليست على درجة عالية من الأهمية مثل دور الإنترنت في تكوين الرأي والرقابة على البرامج. وطبقا لما صرح به الدبلوماسي البرازيلي خوسيه أوغوستو ليندغرين - الذي كان من المشاركين في تنظيم المؤتمر الذي استمر ثلاثة أيام - للصحافة، "أنه من الصعوبة بمكان تحديد أي القضايا أكثر أهمية من غيرها ولكن من المؤكد أن الهجرة والتعليم يعتبران بلا شك من أكثر القضايا أهمية".
إغفال القضايا المهمة
في تلك الأثناء تعالت بعض الأصوات منتقدة إغفال القضايا المهمة من قائمة جدول أعمال مؤتمر تحالف الحضارات على الرغم من كونها قضايا ملحة تستحق الاهتمام من أجل الوصول إلى حلول سلمية. ويرى دافيد بوسولد، رئيس برنامج المنتدى الدولي للفكر الإستراتيجي التابع للمجلس الألماني للعلاقات الخارجية، أن الصراع الفلسطيني يعتبر ذو أهمية كبرى، و"أن هذا الصراع له تأثير على الناس الذين لا يقيمون في الضفة الغربية ولا حتى على المسلمين. ولكن وراء هذا الصراع يكمن الجدل حول حقيقتين متناقضتين، ألا وهما حقوق الإنسان والحقوق السياسية والشرعية ، وكل هذه الحقوق لا تفضي إلى تحسن العلاقات على الجانب الآخر".
كما يرى بوسولد أن كُبرى المشاكل "تكمن في أن كلا الجانبين لا يعلم عن الآخر إلا قليلا، ولهذا فإن تنوع الثقافة الأخرى لا يمكن تقييمه بشكل واضح، فالغرب والعالم الإسلامي أصبح يُنظر إلى تلك المشاكل ككتل متراصة على قدم المساواة، على الرغم من أنهما ليسا كذلك سواء فيما يتعلق بالدين أو السياسة أو المجتمع".
مصطلحات مضللة
على الرغم من النوايا الحسنة لمؤتمر تحالف الحضارات فإن جميع الأطراف تتساءل حول فائدة هذا المنتدى وإذا كان لا يتعدى كونه ناديا للحوار دون موضوع رئيسي مفيد. وطبقا لرأي السيدة ريم شبيلهاوس، الباحثة في مركز الفكر الإسلامي الأوروبي بجامعة كوبنهاجن، فإن المؤتمر لا يحرز تقدما لأنه يتمسك بمفاهيم عفا عليها الزمن. وصرحت شبيلهاوس للإذاعة الألمانية دويشه فيله قائلة: أعتقد أن معظم مبادرات الحوار لا تضع أولوياتها في المكان الصحيح، كما أنها تظل رهينة نظرتها الثنائية التي تنعكس في المصطلحات مثل "الغرب" و"الإسلام".
وتابعت شبيلهاوس تقول : "ليس من الواضح من أي منظور يتم النقاش هنا، فهذا التجانس لا يمكن أن يؤدي إلى نتيجة. من هذه الناحية لا يمكنني القول بأن تحالف الحضارات يهتم على الإطلاق بالثقافات بصفة عامة". وأضافت قائلة أنه من الأفضل بالطبع إقامة حوار بدلا من بث حمم الصراع عن طريق العنف، "ولكن هل تفيد هذه المصطلحات المضللة؟ إن الفجوة قد تزداد الفجوة اتساعا جراء ذلك".
لا شيء ملموس
وللسيد دافيد بوسولد حول ذلك ملاحظات أكثر، إذ يرى أن التحالف يفتقد إلى المصداقية ولا يتوقع منه أيضا نتائج ملموسة. ويرى أيضا أ"ن المبادرات التابعة للأمم المتحدة لها قيم رمزية، لأنها تخلق مناخا مفتوحا تطرح فيه المناقشات السياسية بين أصحاب القرار. لكن هذه المناقشات لم تأت بنتائج ملموسة لأن تحالف الحضارات له عيوب ثلاثة: أولها أن التحالف لا يقيم علاقات مع المجتمع المدني، سواء مع العالم الإسلامي أو الغربي، فهو لن يستطيع أبدا أن يجمع الطرفين على طاولة حوار. وثانيها أن هناك نخبة تدير الحوار وليس بينها وبين تلك المجتمعات والناس صلة، على الرغم من أن هذا هو المطلوب فعلا".
ويتابع بوسولد قائلا إن المشكلة الحقيقية تكمن في أن المشروع برمته يقع خارج النطاق السياسي للأمم المتحدة، مع الأخذ في الاعتبار أن الأمم المتحدة فقدت أهميتها في العقود الأخير. وأضاف أن الأمين العام للأمم المتحدة يواجه باضطراد صعوبات في التغلب على القضايا العالمية، وهذا ما تعاني منه مبادرة مثل تحالف الحضارات. وليس من السهولة إيجاد حل لهذه المشكلة.
نيك أميس
ترجمة: عبد اللطيف شعيب
مراجعة: هشام العدم
حقوق النشر: قنطرة 2010
قنطرة
منتدى تحالف الحضارات" الأممي:
مظلة ثقافية دولية...رسائل حضارية تصالحية
يعد "منتدى تحالف الحضارات" الذي شهدت مدينة اسطنبول أعمال دورته الثانية منصة عالمية للتأكيد على أهمية حوار الثقافات في إرساء السلم والتعايش العالمي وكذلك دور المبادرات الثقافية في تشكيل الوعي الثقافي والحضاري العالمي بعيدا عن الأحكام المسبقة والنزعة الاستعلائية. مانفريد إيول في قراءة لهذا المنتدى وأهدافه.
نداء من أجل رؤية ثقافية جديدة للاتحاد الأوروبي:
نحو اتحاد أوروبي يتعدى الحضارات والثقافات والدين
لِمَ ينبغي لنا أن نكف عن الجدل حول الثقافات والديانات وما الرؤية الجديدة التي يجب على الاتحاد الأوروبي أن يسير فيها بوصفه مشروع سلام واندماج؟ في المقالة التالية يجيب عن هذه التساؤلات وغيرها أيهان كايا، أستاذ العلوم السياسية ومدير المعهد الأوروبي بجامعة بلجي في اسطنبول.
رئيس إندونيسيا سوسيلو بامبانغ يودهويونو:
تلاقي الحضارات بدلاً من صراعها
ردًا على الخطاب التاريخي الذي ألقاه الرئيس الأمريكي باراك أوباما في جامعة القاهرة ووجَّهه إلى العالم الإسلامي، يذكر الرئيس الإندونيسي، سوسيلو بامبانغ يودويونو في هذه المقالة تسع ضروريات يجب القيام بها من أجل التعايش السلمي بين الثقافات.