الصين تتطلع إلى دور أكبر في الشرق الاوسط وتنافس الولايات المتحدة
خلال جولة وزير الخارجية الصيني وانغ يي في المنطقة في نهاية شهر آذار/مارس (2021)، وضع خمسة مبادئ تحتاج دول الشرق الأوسط تبنّيها لتحقيق بعض الاستقرار الإقليمي. فقد دعا القوى المتنافسة في المنطقة إلى "احترام بعضها البعض، ودعم الإنصاف والعدالة، والسعي إلى منع انتشار الأسلحة النووية، وتعزيز الأمن الجماعي بشكل مشترك، وتسريع التعاون الإنمائي".
وقال السفير الصيني لدى المملكة العربية السعودية "تشن وي تشينغ" إنّ الصين قد تكون "مستعدة للعب دورها الواجب في تعزيز السلام والاستقرار طويل المدى في الشرقِ الأوسط". وتركّزُ الصين على أمن دول الخليج والنزاع مع إيران إضافة إلى الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي.
كما قال وانغ قبل مغادرة الشرقِ الأوسط أنّ الصين قد تكون مستعدة لاستضافة حوار أمني خليجي متعدد الأطراف سيركز بدايةً على تأمين المنشآت النفطية والممرات الملاحية.
توازن دقيق
ومن المرجح أن تجد الصين أنّ الحفاظ على علاقات جيدة مع الأطراف جميعها هو أمر ناجح طالما أنّها (العلاقات) تركّز على الاقتصاد- وحتى هذا قد يكون صعباً إن أثبتت اتفاقية التعاون الاستراتيجي والاقتصادي والسياسي الصينية-الإيرانية -التي وقّعها في طهران هذا الأسبوع (27 آذار/مارس) السيد وانغ ووزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف- أنها تنطوي على ما تشير إليه إيران.
إضافة إلى ذلك، قد يكون إيجاد أرضية سياسية مشتركة بين الخصوم الإقليميين أكثر خطورة وصعوبة.
وحتى الآن، أشارت المملكة العربية السعودية إلى أنّها لا تهتم كثيراً بعملية تدريجية تسمح لإيران بمعالجة القضايا التي يمكن حلها بسهولة قبل معالجة القضايا المعقّدة، على الرغم من تلميحات الصين في الأشهر الأخيرة بأنّها ستشارك إن تبنّت دول الشرق الأوسط مبادئها.
والمملكة العربية السعودية هي الدولة الخليجية الوحيدة التي رفضت في العام الماضي تقديم مساعدات إنسانية لإيران، البلد الأكثر تضرراً في المنطقةِ بسبب وباء كورونا.
ومن المنطلق ذاته، فمن غير المرجح أن تقدّر إيران تطمينات السيد وانغ خلال زيارته للرياض بأنّ الصين تدعم مطالبة السعودية بالقيادة الإقليمية، وإن لم تعرب (إيران) عن رأيها علانية في محاولة لتجنّب تعريض تعاونها الوثيق مع الصين للخطر.
إدارة وليس حل نزاعات الشرق الأوسط
ترى الصين في الموافقةِ على مبادئها الخمسة طريقةً لإدارة نزاعات الشرق الأوسط التي لا تعدّ ولا تحصى، بدلاً من حلّها والانجرار إليها.
وتعمل المبادراتُ الصينية على استغلالِ مخاوف المملكة العربيةِ السعودية، والإمارات العربية المتحدةِ وإسرائيل من أنّ جهود الرئيس الأمريكي جو بايدن -للتفاوضِ حول العودة إلى الاتفاقية الدولية لعام 2015 والتي حدّت من برنامج إيران النووي- لن تعالج مخاوفهم على الفورِ.
إذ تريدُ دول الشرق الأوسط أن تتضمن أيضاً أي اتفاقية قيوداً على برنامج الصواريخ الباليستية الإيراني، إضافة إلى وضع حد لدعمها للجهات الفاعلة غير الحكومية في لبنان، وسوريا، والعراق، واليمن. ولا تثق دول الخليج وإسرائيل بإدارة بايدن في اقتراحها بأنّ إعادة تفعيل الاتفاق النووي، الذي أنهاه الرئيس السابق للولايات المتحدة الأميركية "دونالد ترمب" في عام 2018، سيخلق الأساس لمفاوضات حول قضايا مثل هذه، لا تتعلق بالبرنامج النووي.
تلبية لمخاوف الشرق الأوسط حول شينجيانغ
تهدف المبادرات الصينية أيضاً إلى الاستفادةِ من مخاوف الشرق الأوسط في الوقت ذاته الذي تدخل فيه الصين مع الدول الأوروبية في حملة انتقادات وحرب كلامية ضد حملة بكين الوحشية على المسلمين الأتراك (الأويغور) في مقاطعة شينجيانغ الشمالية الغربية.
وقد سعت الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، موطن أقدس مدينتين في الإسلام، إلى إضفاء الشرعية على حملة بكين، والتي أوردت التقارير إنها تضمنت إجبار السكان الأويغور المسلمين على انتهاك الشريعةِ الإسلاميةِ. وقد سعتا إلى ذلك من خلال وصفِ الحملةِ بالكفاح الشرعي ضد التطرفِ والإسلامِ السياسي.
ويتناسبُ دعم الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعوديةِ للحملة مع مساعي القوة الناعمة الدينية للدولتين والتي تروّجُ مفهوماً غامضاً حول الإسلام "المعتدل" الذي يركّزُ على مبدأ طاعة الحاكم وقمعِ الإسلامِ السياسي. وتنسجم المفاهيم السعودية-الإماراتية تماماً مع الأوتوقراطية الصينية وجهودها لإضفاء الطابع الصيني على الثقافة الإسلامية في الصين.
أجراس الإنذار تنطلق في السعودية
ومع ذلك، من المرجّح أنّ تطلقَ زيارة وانغ إلى إيران أجراس الإنذار في الرياض. إذ أنّ الصين -التي لا تشعر بالقلق من معارضة العقوبات الأميركية على إيران، لأن العلاقات الصينية-الأميركية في حالة سيئة للغاية- يمكنها أن تساعد بشكل كبير الجمهورية الإسلامية على تخفيف تأثير الإجراءات العقابية لواشنطن. فقد ارتفعت واردات الصين من النفطِ الإيراني الخاضع للعقوبات الإيرانية في الأشهر الأخيرة.
وبينما أُعلِن عن القليل من التفاصيل حول الاتفاقية الصينية-الإيرانية، إلا أنها تحمل وعوداً بالاستثمار الصيني في البنية التحتية، والطاقة، والتعدين، والصناعة، والزراعة في إيران.
كما قال وانغ عشية جولته في الشرقِ الأوسطِ أنه سيدعو الإسرائيليين والفلسطينيين إلى بكين من أجل إجراء محادثات. ووعد بأنّه حين تتولى الصين رئاسة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لشهر أيار/مايو 2021 ستدفع باتجاه حل يعيد تأكيد مبدأ حل الدولتين.
والاحتمال ضئيل في أن تكون المبادرة الصينية أكثر نجاحاً من جهودها السابقة للتوسط بين الفلسطينيين والإسرائيليين، حتى وإن كانت الولايات المتحدة الأمريكية ستدعم الحلّ. فمن غير المرجّح أن تُسفِرَ الانتخابات الإسرائيلية في شهر آذار/مارس (2021)، وهي الانتخابات الرابعة خلال عامين، عن حكومة تتمتعُ بقدرٍ كافٍ من الاستقرار والقوة والاستعداد للتفاوض حول اتفاقية تلبي الحد الأدنى من الطموحات الفلسطينية.
وكما قال إيك فرايمان، الخبير في الشؤون الصينية، "يعمل الوضع الراهن في الشرق الأوسط بشكل أساسي لصالح الصين. فالولايات المتحدة الأمريكية تنفق مبالغ ضخمة لمحاربة الجماعاتِ المتطرفةِ وحماية حرية الملاحة في المنطقة، والصين تستفيد... ما تريده الصين هو الحفاظ على هذه الاتفاقية بينما تكتسب تدريجياً القدرةَ على الضغط على بلدان فردية لتخضع لها".
جيمس م. دورسي
ترجمة: يسرى مرعي
حقوق النشر: موقع قنطرة 2021
د. جيمس م. دورسي هو صحفي حائز على جوائز، وزميل أول في معهد راجاراتنام للدراسات الدولية في جامعة نانيانغ التكنولوجية الدولية، وباحث بارز في معهد الشرق الأوسط في جامعة سنغافورة الوطنية، ومؤلف العمود والمدونة "The Turbulent World of Middle East Soccer".
[embed:render:embedded:node:43637]