ندم الناخبين على التصويت لروحاني
من أجل التمكُّن من تقدير النوعية الجديدة لحالة الاستياء من النظام الإيراني برمَّته - الاستياء من المحافظين ومن الإصلاحيين على حدّ سواء، يجب علينا أن نراجع الأحداث السياسية والاقتصادية التي شهدتها إيران في الأشهر الأخيرة: فقبل فترة قصيرة فقط تم من جديد رفع أسعار البنزين والمواد الغذائية، مما كان له تأثير بشكل خاص على الطبقات الدنيا والمتوسِّطة في البلاد. وفي الوقت نفسه استمرَّت احتجاجات العمَّال بسبب عدم دفع أجورهم وكذلك بسبب عمليات فصلهم التعسُّفي من العمل - على الرغم من الإجراءات القمعية الشديدة من جانب قوَّات الأمن الإيرانية. منذ فترة طويلة باتت حكومة روحاني معروفة بموقفها تجاه حقوق العمَّال وتحديد الحدِّ الأدنى للأجور.
وبالإضافة إلى ذلك لقد بيَّنت في منتصف شهر تشرين الثاني/نوفمبر 2017 الهزَّات الأرضية الشديدة في المحافظة الكردية لجميع الإيرانيين مدى قلة اهتمام النظام بمصالحهم ومتطلباتهم الضرورية من أجل الحياة - من المساكن الشعبية المبنية في ضباب الفساد والمحسوبية في عهد محمود أحمدي نجاد، والتي انهارت على الفور وتسبَّبت في قتل الكثير من الناس، وحتى المساعدة المتأخرة جدًا من حكومة روحاني، التي تركت الكثيرين وبمعنى الكلمة عرضة البرد. محط آمال الإيرانيين ومخيِّب أملهم وكذلك تشكلت من بيئة الطلاب في نهاية عام 2017 مقاومة ضدَّ السياسات الاقتصادية لحكومة روحاني: ففي السابع من كانون الأوَّل/ديسمبر 2017 الموافق لـ"يوم الطلَّاب" في إيران، تظاهر الطلَّاب في العديد من الجامعات ضدَّ استمرار سوء الأحوال السياسية والاجتماعية في إيران. وفي هذه المظاهرات اتَّضح أنَّ استياءهم موجَّه بشكل خاص أيضًا ضدَّ تدهور المناخ السياسي وانعدام الحرِّيات في جمهورية إيران الإسلامية.
وعلاوة على ذلك فقد أثار الإعلان عن خطة الميزانية التي قدَّمتها حكومة روحاني للسنة التالية 2018 المزيد من السخط والاستياء، وذلك لأنَّ هذه الخطة لا تفي بأي شكل من الأشكال بوعود تحقيق العدالة الاجتماعية التي أعلن عنها وبصوت مرتفع الرئيس حسن روحاني.
وعلى نحو أكثر وضوحًا يتجلى هذا التناقض في الإعفاء المتواصل والمحدَّد في خطة الميزانية للمؤسَّسات الدينية المعفية أصلاً من أية ضرائب، والتي تتم إدارتها من قِبَل المحافظين اليمينيين وحتى من قِبَل الإصلاحيين مثل حسن الخميني (وهو حفيد آية الله الخميني، مؤسِّس الجمهورية الاسلامية)، وكذلك للحرس الثوري. وبهذا فقد قضت خطط الميزانية، التي قدَّمها الرئيس روحاني مؤخرًا، على الآمال الأخيرة لشرائح كبيرة من المواطنين الإيرانيين في رغبة روحاني تنفيذ إصلاحات اجتماعية. وهكذا أطلق ناخبو روحاني المحبطة آمالهم حملةً على موقع تويتر تحت الهاشتاغ "أنا نادم"، في إشارة إلى تصويتهم لصالح روحاني الذي كان محط آمالهم في السابق. كلُّ هذا حدث على خلفية تزايد حالة الإحباط الاجتماعي في البلد. وحالة الاحباط الاجتماعي هذه تعتبر عاملًا ضروريًا لا غنًى عنه لقيام حركات احتجاج اجتماعية، بدأت في التبلور بالفعل خلال الخمسة أعوام ونصف الأخيرة من رئاسة الرئيس حسن روحاني. الأرباح بعد الصفقة النووية فقط للنخب وبالإضافة إلى ذلك يجب ألَّا ننسى أنَّ مصادر الربح من المعاملات التجارية بعد الصفقة النووية تم توزيعها وبشكل حصري تقريبًا على النخبة في البلاد، وعلى العكس من التعهُّدات فقد خرجت الغالبية العظمى من المواطنين من دون أن تجني أية أرباح. ولذلك فلا عجب من أنَّ مستويات الفقر والتفاوت في الدخل قد ازدادت أيضًا في الفترة التي تلت النهاية الرسمية للعقوبات.
واليوم يعيش نحو نصف المواطنين الإيرانيين تحت خط الفقر. ورسميًا يعتبر ثُمُن الإيرانيين عاطلين عن العمل، وحتى أنَّ نسبة العاطلين عن العمل تصل إلى الربع بين الشباب الإيرانيين - وفي الواقع من الممكن أن تكون هذه الأرقام أعلى من ذلك بكثير. ولذلك فلا عجب أيضًا من أنَّ هذا الجيل الشاب يمثِّل القوة الدافعة لهذه الانتفاضة الحالية. إنَّ استمرار حالة البؤس الاجتماعي بالترافق مع الطبيعة السلطوية والقمعية للنظام السياسي، الذي أثبت باستمرار رفضه للإصلاح، يشكِّلان لذلك "الجوهر الهيكلي للشر". النخبة السياسية المكوَّنة من الإصلاحيين والمحافظين، احتكرت لنفسها القوة السياسية والاقتصادية - على حساب الغالبية العظمى من المواطنين. ولذلك يبدو منطقيًا جدًا أنَّ "قوى الإصلاح" المبالغ في تقديرها هنا في الغرب ترفض - تمامًا مثل المتشدِّدين - انتفاضة أبناء شعبها. الفساد داخل معسكر الإصلاحيين أيضًا وكذلك لا عجب بتاتًا من أنَّ أطرافًا من النخبة السياسية التي يفترض اليوم أنَّها معتدلة باتت هدفًا للغضب الشعبي. فبعدما اضطر الإيرانيون لتحمُّل الفساد المتفشي في عهد أحمدي نجاد، أدركوا بسرعة أيضًا في عهد الرئيس الجديد أنَّ حكومته مصابة هي أيضًا بالفساد - على الرغم من أنَّ روحاني قد تبنّى في بداية رئاسته محاربة الفساد. وأخيرًا ثار الإيرانيون في صيف عام 2017 ضدَّ محسوبية النخب، وخاصة في معسكر الإصلاحيين. فقد ثار غضب الشعب بعد أن ذكر نجلُ السياسي الإصلاحي المعروف محمد رضا عارف في مقابلة جرت معه في العشرين من تموز/يوليو 2017 أنَّ "جيناته الجيِّدة" كانت السبب لنيله منصبه الجديد المربح. [embed:render:embedded:node:29891] وبعد ذلك تم الكشف عن العديد من الحالات المشابهة لأشخاص من أبناء الذوات المعروفين في إيران باسم "أغا زاده" ("ابن السيِّد" / "أبناء السادة") والذين ينتمي معظمهم للإصلاحيين ويدينون بمناصبهم فقط إلى مراكز آبائهم القوية في النظام. وقد أضر هذا أكثر بسمعة الإصلاحيين المتضرِّرة على أية حال. بعد نحو سبعة أعوام من اندلاع الربيع العربي، يخرج الآن أشخاص لهم نفس الخلفية الاجتماعية والمطالب الاجتماعية-الاقتصادية والسياسية إلى الشوارع من أجل المطالبة بحياة كريمة. وحتى الآن لقد خابت آمالهم ومطالبهم مرارًا وتكرارًا بسبب النخبة المحافظة وكذلك الداعية للإصلاح، ولهذا السبب أيضًا ثار غضبهم على النظام السياسي برمَّته. وغضبهم هذا مُوَجَّه ضدَّ أُسِس نظام يحكم وطنهم منذ نحو أربعة عقود حكمًا استبداديًا. وفي ظلّ هذه الخلفية فإنَّ الانتفاضة الإيرانية لن تجد نهايتها إلَّا بعدما يتم قمعها بدموية. علي فتح الله نجاد ترجمة: رائد الباشحقوق النشر: موقع قنطرة 2018ar.Qantara.de الدكتور علي فتح الله نجاد زميل زائر في مركز بروكنجز الدوحة. وخبير في شؤون إيران لدى الجمعية الألمانية للسياسة الخارجية (DGAP) وكذلك في مركز بيلفر بكلية كندي في جامعة هارفارد.