ابن لأب مسلم وأم يهودية...جزء من الهوية المصرية
على مدى عقود لم يكن لليهود العرب أي ذكر في الأفلام والروايات في المغرب والمشرق العربي، سوى في الحالات النادرة عند التطرق إلى مواضيع لها علاقة بالصراع الإسرائيلي الفلسطيني.
منذ عشر سنوات تظهر أفلام وكتب تتحدث عن يهود عرب، سواء كان ذلك في سوريا وتونس واليمن وليبيا ومصر والعراق أو الجزائر. من هؤلاء الكتاب الروائي السوري إبراهيم الجبين في كتابه "يوميات يهودي في دمشق" (2007)، والعراقي علي بدر في روايته "حارس التبغ" (2008) والروائي اليمني علي المقري في "اليهودي الحالي" (2009). ونالت الروايتان الأخيرتان اهتماما كبيرا، وكانتا على اللائحة الطويلة للجائزة العالمية للرواية العربية.
رواية كمال رحيم "يوميات يهودي مسلم" الصادرة عام 2004 والتي ترجمت إلى الإنجليزية هي أول جزء من ثلاثية، والجزء الثاني صدر بعد أربع سنوات بعنوان "أيام الشتات" وترجم إلى الإنجليزية عام 2012 والثالث "أيام العودة" صدر في العام نفسه، ولكن حتى الآن باللغة العربية فقط.
لماذا قرر رحيم الذي كان يعمل سابقا شرطيا في القاهرة وباريس إعطاء اليهود العرب الآن مكانتهم من جديد في فن السرد العربي؟ فهو مثل الكتّاب الآخرين، الذين قاموا في الآونة الأخيرة بنفس الشيء لاينحدر من أبوين أو أجداد يهود. يقول ابنه أحمد إن والده منذ فترة طويلة يعتبر اليهود العرب جزءا هاما من المجتمع العربي، لذلك أراد أن "يكتب كتاباً من أجل أن يتعرف المصريون على هذا التراث والحفاظ عليه في ذاكرتهم".
حقبة صعبة لليهود العرب
تم الإشادة بالرواية الأولى من ثلاثية رُحيِّم "يوميات يهودي مسلم"، وتحمس لها القراء. وفازت بجائزة الدولة التشجيعية عام 2005 ومرة أخرى عام 2009 بعد صدور الجزء الثاني.
تحكي الرواية قصة جلال "اليهودي المسلم"، هكذا يُنعى بسبب هويتيه الدينيتين. عائلة والده مسلمة، ووالدته يهودية. يبدأ الكتاب الأول بالسرد من وجهة نظر الرضيع جلال، الذي عمره جسديا ستة أشهر لكنه يروي وكأنه شخص بالغ.
ولد جلال فى منتصف القرن الماضى عندما كانت أوضاع اليهود المصريين أكثر صعوبة – إنها لحظة تاريخية، التي اختارها وجيه غالي عام 1964 لروايته الرائدة "بيرة في نادي البلياردو". مات والد جلال المسلم في حرب السويس عام 1956 دون أن يرى ابنه. في ذلك الوقت لم تتعرف عائلتا جلال بعضهما على البعض. وعلمت أم الولد بعد شهر عن موت زوجها الحبيب.
على الرغم من ارتباط بداية الكتاب بلحظة تاريخية لا تكاد تتطرق الرواية إلى التاريخ الرسمي. بدلا من ذلك تركز على التجارب الشخصية لأبطالها، وخاصة الصراعات الدائرة بين جلال ووالدته.
الجاذبية الروحية للإسلام في الصدارة
تولت أمه وعائلتها اليهودية إعالته وتربيته. على الرغم من إعجابه بجده اليهودي لم يفكر قط بممارسة الديانة اليهودية. وبالفعل يتم التركيز هنا على الجاذبية الروحية للإسلام، حتى عندما كان جلال مازال صغيراً. ففي مرحلة الشباب لم تخطر له فكرة التحول إلى الديانة اليهودية. لأن هذا حد لا يرغب الكتاب تجاوزه.
تشير الرواية في الوقت نفسه أيضا إلى ندرة التسامح تجاه اليهود لاعتناق الإسلام. وعندما قرر جلال في سن الـ 18 إقناع والدته باعتناق الديانة الإسلامية، كانت لمحاولته هذه عواقب كوميدية تقريبا: كان شيخ المدرسة الإسلامية المحلية، سلاموني أبو جاموس لص قبور، ومحتالل شريرا، يصر مرارا وتكرارا على أن كل شيء سيتم "بسهولة". ولكن قبل وصولهم إلى بيت والدته، حاول سلاموني الحصول على الكثير من المال من جلال عن طريق الحيلة.
عندما وصلا أخيرا إلى عند الوالدة، أدرك جلال بالتأكيد أن هذا الغليظ لن يساعده، لكنه لا يعرف كيف يتخلص منه. وعند الباب، كانت ستحدث مشاجرة بينهما. وجميع الجيران كانوا شهوداً عندما أعلن سلاموني بصوت عالٍ أنه قَدِمَ إلى هنا "للقيام بما يجب القيام به، لإنقاذ هذه المرأة الكافرة."
غضبت والدة جلال وصاحت: " تريد أن تكون شيخاً؟ أنت لستَ سوى حذاء قديم وسخ". لكن جارها الحاج محمود استطاع تدارك الأمر لمنع مزيد من التصعيد. ومثل كل الشخصيات المحببة في هذه الرواية يقف إلى جانب جارته، ويشرح لجلال بأن والدته تنتمي إلى دين الكتاب.
توتر بين الأم والابن
حتى لو انتهى المشهد بدرس أخلاقي، فإن له دلالات أكثر من ذلك بكثير. لقد حصلت فجوة بين جلال ووالدته. صحيح أنهما وجدا وسيلة للتحدث بعضهما بين بعض من جديد، ولكن مازال هناك خلاف بالرأي بينهما. نظرة والدة جلال إلى القضايا الجنسية والعلاقة بين الجنسين أكثر انفتاحا من نظرة ابنها، ولكنها ضيقة الأفق عندما يتعلق الأمر بالأشخاص الذين تعتبرهم "فلاحين".
أيضا وصمة العار التي يحملها معه، لأنه ابن يهوديه لها تأثير سلبي على علاقتهما. ولا يعود ذلك إلى سبب المشاغبة في المدرسة فقط: فغير مسموح لجلال بالزواج من جارته الفتاة التي يجلها.
تعمقت الفجوة بينه وبين أمه كاميليا عندما طلبت من ابنها أن يطلب من عائلة والده مساعدته ماليا والسماح له بالذهاب إلى باريس. ويمضي جلال في باريس أوقاتاً كثيرة عند أقاربه اليهود، غير أن هذه المرحلة لا تأخذ سوى حيز بسيط في رواية "يوميات يهودي مسلم". ومع ذلك يكبر الشعور بالاغتراب عند جلال تجاه عائلته في هذه المرحلة كما يتضح ذلك عند الصعود إلى الطائرة في طريق عودته إلى مصر.
ظرافة الكتاب ليست في لغته ولا في نسيج حبكته البدائية، ولكن في الاستعداد للتقرب من شخصيات يهودية معقدة ومثيرة للاهتمام في حد ذاتها، وعدم تسليط الضوء على الصراعات السياسية المعاصرة. وهذا يجعل هذا الكتاب فريداً من نوعه. على كل حال فقد نجح المؤلف في رسم بورتريه لسردية حساسة ومؤثرة، فضلا عن متعة القراءة.
مارسيا لينكس أولي
ترجمة: سليمان توفيق
حقوق النشر: موقع قنطرة 2016 ar.qantara.de