عامل ضغط على الفرقاء الليبيين أم زوبعة في فنجان؟
بحلول سبتمبر / أيلول 2020 في غرب ليبيا وبعد ذلك بأيام في شرقها وبعض جنوبها، انطلقت احتجاجات غضب ضد تردي الأوضاع المعيشية والخدمية كانقطاع الكهرباء ونقص الوقود وازدياد رقعة الفقر بسبب نقص السيولة في المصارف، وارتفاع أسعار المواد الغذائية بسبب أزمة انخفاض الدينار الليبي أمام العملات الأجنبية، مروراً بالارتفاع المقلق لعدد الإصابات بفيروس كورونا المستجد، وليس انتهاء بالغضب على الطبقة السياسية والعسكرية الحاكمة في معسكري النزاع الليبي.
ومن فصول تلك الاحتجاجات إضرام النار في مقر الحكومة المؤقتة برئاسة عبد الله الثني في بنغازي، التي قدمت استقالتها لـ "رئيس مجلس النواب عقيلة صالح". واندلعت احتجاجات مماثلة في الشرق في البيضاء المقر السابق للحكومة وفي سبها في الجنوب، وللمرة الأولى في المرج التي تعد معقلاً لقوات خليفة حفتر.
وفي طرابلس شجب نشطاء صباح الأحد (13 أيلول/سبتمبر 2020) استمرار المرحلة الانتقالية منذ عام 2011، مطالبين بإجراء استفتاء على مشروع الدستور، والدخول مباشرة في انتخابات برلمانية ورئاسية. وألقى منظمو وقفة احتحاجية أمام المجلس الرئاسي عدة كلمات استنكروا فيها الوضع المعيشي وانقطاع الكهرباء والمياه وسوء الخدمات العامة.
المتظاهرون "ليسوا دمى"
أحمد أبوعرقوب، الذي يعرّف عن نفسه بأنه عضو مؤسس والمتحدث الرسمي باسم حراك "همة شباب ليبيا"، يذهب إلى أن "كل أطراف الصراع الليبي وكل الأجسام السياسية الموجودة على الساحة هم أصل المشكلة وليس لديهم أي مشروع وطني حقيقي لحل الأزمة" ويرى في حوار مع دويتشه فيله أن الحل يبدأ بإقصائهم جميعاً من دون استثناء.
ومنذ سنوات تتنازع سلطتان الحكم في ليبيا: حكومة الوفاق الوطني برئاسة فايز السراج مقرها طرابلس وتعترف بها الأمم المتحدة، وسلطة موازية أسسها خليفة حفتر، الرجل القوي في الشرق الليبي الذي يحظى بدعم جزء من البرلمان المنتخب وخصوصاً رئيسه عقيلة صالح. ويحظى حفتر بدعم روسيا والإمارات ومصر، بينما تدعم تركيا غريمه السراج.
الباحث التونسي المختص بالشأن الليبي، منصور العيوني، يعتقد أنه يجب وضع المظاهرات في إطار تشخيص الوضع العام: فبعد "عشر سنوات من المعارك وصلت غالبية الأطراف الدولية والإقليمية والداخلية، العسكرية منها والسياسية، إلى حقيقة أن الأزمة في ليبيا لا يمكن حلها بالقوة والمغالبة". ويرى المحلل السياسي التونسي في حوار مع دويتشه فيله أن "التحركات باتجاه الحل السياسي والحراك في الشارع جاء نتيجة لتفاهمات أمريكية وروسية ضغطت على مصر وتركيا". غير أنه يستدرك بنفي أن يكون ما يقصد هو أن من خرج للشارع دمى بيد القوى الخارجية: "من خرج للشارع خرج من تلقاء أنفسه بعد أن ضاقت به الحال. ولكن طرفي النزاع في الشرق والغرب هما من فتحا الباب لذلك الخروج ليكون ذلك هو الباب لمنح الشرعية والمقبولية لأي تفاهمات قادمة".بين المغرب وسويسرا
الحراك الشعبي في الشارع الليبي تبعه وصاحبه حراك سياسي نشط في محاولة لحلحلة الأزمة الليبية. مدينة مونترو السويسرية استضافت اجتماعاً لعدد من الشخصيات الليبية الفاعلة بين الفترة من السابع إلى التاسع من شهر أيلول/ سبتمبر 2020 بحضور بعثة الأمم المتحدة إلى ليبيا، التي رحبت مبعوثتها الخاصة في لببيا بالإنابة، ستيفاني ويليامز، بنتائج المشاورات. ورفع المجتمعون توصياتهم للجنة الحوار السياسي الليبي المزمع التئامها في تاريخ قريب برعاية البعثة الأممية.
وأكد المجتمعون في سويسرا على ضرورة إجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية في مواعيد لا تتجاوز 18 شهراً. كما أجمعوا على ضرورة إعادة هيكلة السلطة التنفيذية في ليبيا، لِتُشكَّل من مجلس رئاسي مكون من رئيس ونائبين، ومن حكومة وحدة وطنية مستقلة عن المجلس الرئاسي، شرط اختيار أعضاء المجلس الرئاسي ورئيس حكومة الوحدة الوطنية في إطار أعمال لجنة الحوار السياسي الليبي، على أن يكلف رئيس الحكومة بتشكيل حكومة وحدة وطنية تراعي وحدة ليبيا وتنوعها الجغرافي والسياسي والاجتماعي ويطرحها لنيل الثقة.
ودعا بيان صدر عن المجتمعين بعد انتهاء مشاوراتهم إلى انتقال المؤسسات التنفيذية ومجلس النواب إلى مدينة سرت: المرحلة التمهيدية للحل الشامل لممارسة مهامها السيادية، وذلك بمجرد توفر الشروط الأمنية واللوجستية، بحسب نص البيان.
وفي العاشر من الشهر ذاته، أي بعد يوم واحد فقط من انتهاء مباحثات سويسرا، اختتمت المحادثات البرلمانية بين طرفي النزاع الليبي والتي جرت خلف أبواب مغلقة في مدينة بوزنيقة الساحلية جنوبي العاصمة المغربية الرباط. وقد توصل الجانبان إلى "اتفاق شامل حول معايير تولي المناصب السيادية". ووفق وسائل إعلام ليبية، فإنّ الخلاف بشأن المناصب السيادية يتمحور حول تعيين حاكم المصرف المركزي الليبي ورئيس المؤسسة الوطنية للنفط وقائد القوات المسلحة. وقد رحبت الأمم المتحدة بمحادثات بوزنيقة.
الحراك يأخذ زمام المبادرة؟
تاريخ ليبيا ما بعد القذافي حافل بالمبادرات الفاشلة والاتفاقات الموقعة ولكن دون مفعول على الأرض. منذ اتفاق الصخيرات المبرم عام 2015 برعاية الأمم المتحدة، أُعلن عن مبادرات عدة لإخراج ليبيا من الأزمة إلا أنها بقيت في الواقع حبراً على ورق، على سبيل المثال لا الحصر نذكر هنا اتفاقي باريس بين حفتر والسراج في تموز/يوليو 2017، وفي أيار/مايو 2018، ومن ثم فشل مؤتمر باليرمو في إيطاليا في تشرين الثاني/نوفمبر 2018 في إخراج البلاد من أزمتها.
ولكن ماذا بوسع الحراك وهو لا يزال في مرحلته الجنينية أن يفعل وسط بحر العواصف والتعقيدات الداخلية والإقليمية والدولية؟ سؤال وجيه يجيب عليه الباحث التونسي منصور العيوني: "أعتقد أن مفتاح الحل في ليبيا هو إيجاد تفاهم بين القوتين الدوليتين الولايات المتحدة وروسيا وبين اللاعبين الإقليمين مصر وتركيا. التحركات الشعبية ما هي إلا لبنة يلزمها سنوات لتكون هي العامل الحقيقي والمؤثر في التغيير".
ومن طرفه يؤكد الناشط أحمد أبوعرقوب، المقيم في موسكو، بأن هناك تواصلاً وتنسيقاً بين حراك الغرب وكل من حراك الشرق وحراك الجنوب، والذي "سوف يتوج بإعلان اسم حراك يضمنا جميعاً وتحديد الأهداف والمطالب وبالخروج في وقت واحد يوم الأربعاء" (16 أيلول/سبتمبر 2020). ويضيف أبوعرقوب أنهم يضعون في حسبانهم تعقيدات الوضع وأن الملف في يد قوى إقليمية ودولية. بيد أنهم متفائلون بمقدرة الحراك على أخذ زمام المبادرة: "نحن بصدد الانتهاء من طرح مبادرة لحل الأزمة".
شكل المبادرة وأدواتها وفرص نجاحها أسئلة معلقة تجيب عليها قادمات الأيام وربما الأسابيع أو حتى الشهور.
خالد سلامة
حقوق النشر: دويتشه فيله 2020