لماذا يعاني السودان وهو بمثابة سلة غذاء للعالم؟
خبير مصرفيّ مهموم بقضايا الحياة في وطنه: وصلتني رسالة صوتية حادة النبرة، شديدة اللهجة، صائبة المقام وحارقة للحشى بكل ما تحمله من هموم تثقل الكواهل وتتضمنه من رسائل جد مؤلمة تقلق المحافل حول الراهن في السودان الذي استعصى على من "استوزورا واسترأسوا وتسيّدوا" في الحكومة الانتقالية الحالية بقيادة د. عبد الله حمدوك وعلى رأس مجلسها السيادي العسكري عبد الفتاح البرهان.
في الحقيقة هي رسالة تلقائية إلى كافة الشعب السوداني، في كل المدن والقرى، البعيد والقريب، بكل الإثنيات والتوجهات السياسية والانتماءات العرقية، بعث بها خبير له باع في مجال الاقتصاد وأرسلها قبل يومين (من كتابة هذا المقال) يوم الخميس العاشر من شهر يونيو / حزيران من ٢٠٢١.
وعند الاستماع للرسالة أحسست من أول نبرة بالصوت المجلل الصادق الذي يتقمص تلك الرسالة وينبثق من حناياها. جاء ذاك الصوت أغلب الظن حادا، مغبونا، مهموما بأمور أهله ووطنه، صريحا، فاضحا، صادقا ومقداما لاجتياز تجارب جديدة لم يتطرق إليها أحد، فرضتها عليه وعلى مقاله ما وصل إليه حال البلد الآن من دمار اقتصادي، ركود في كل المجالات، انعدام الأمن والأمان، استحكام المتاريس، العوائق والحرائق بكل ما تحمل هذه الكلمة من معان مباشرة أو حتى على سبيل الاستعارة، ثمّ من بعد تفشي الانبطاح والاتكالية العامة من جهة واستشراء الظلم على المواطن في كل مجالات الحياة.
هذه الرسالة بعث بها الأستاذ معاوية العالم، الأمدرماني الأصيل، وخبير اقتصادي ومدير مصرف له خبرة واسعة في مجال المعاملات المصرفية والاقتصاد وقبل هذا وذاك هو المواطن الذي صلته نيران الفترة الانتقالية بلهيبها فلم يرَ إلا أن يصرخ وينادي ويفضح الحال البائس أمام الملأ والعالم أجمع ليسمع صوته الجهور من به صمم.
لقد أثّرت فيّ الرسالة فعزمت أن أنقلها إليكم كاملة مع بعض من تصرف حتّمته عليّ ضرورة التوضيح أو سلاسة النقل من العامية السودانية إلى العربية الكتابية حتى تصل الرسالة إلى كل فرد يهمه أمر السودان وأهله ومستقبله بكل وضوح.
وبغض النظر عما أعتقده أنا ويعتقده القراء من سبل ومناهج لإصلاح الاقتصاد، وودت بكل أمانة توصيل هذه الرسالة مبسطة كما جاءت حتى يستطيع الكل فهمها وهضمها، ولكل فرد منكم يا سادتي الحق في الحكم على ما تضمنته من اقتراحات جريئة، كما يروق له كما يراه.
رسالة من القلب إلى القلب
بدأ الأستاذ معاوية العالم الرسالة يقول: تفاجأنا بالأمس مفاجأة كبيرة جدًا بارتفاع أسعار المحروقات بنسبة مائة بالمائة لكل من البنزين والجازولين. وهذه المحروقات هي عصب الحياة في السودان لأنها تمثل النقل، الترحيل، الكهرباء، والجازولين للزراعة، ومعنى عصب الحياة في البلد يعني أنها هي الطاقة التي تحرّك كل محاور الحياة دون استثناء.
فزيادة أسعارها بهذه الطريقة يعني أننا نرفع بذلك أيضًا كل الأسعار بنسبة مائة بالمائة وبضربة واحدة. فأي شخص، بحوزته أي سلعة سوف يقوم برفع سعرها بارتفاع تلك النسبة ١٠٠٪ وهذه هي الزيادة التي فرضتها الحكومة وسوف تأتي عليها - لا محالة - زياداته الخاصة التي ربما تفرضها عليه طبيعة عمله، فضلًا عن الزيادة التي تُضاف عن عوامل جشع البائع البحتة وميوله للغلاء والمغالاة على حد سواء.
فالقضية صارت بلا رقابة، يعني بالعربي "مفكوكة ومفتوحة لكل من هبّ ودبّ"، وفي النهاية كل فرد يفعل ما يريد ولا توجد مساءلة له من بعيد أو قريب.
بالتالي نحن الآن في مواجهة حياة قاسية للغاية وفي غاية الصعوبة، حيث نعيش بدون كهرباء، ولا أسواق تعمل، فللاقتصاد أسس وأبجديات، فأنت لابد أن يكون لك إنتاج وأسواق ولابد من وجود حركة تحرّك الإنتاج من مناطق الإنتاج إلى مناطق الأسواق، وهذا باختصار مضمون الاقتصاد بشكله البدائي والمبسط، كما كانت الحال عليه عند إنسان القرن الأول، فهو يزرع وينتج ويرحل ليصل إلى أماكن الأسواق بغرض البيع، هذا كل ما في الأمر، ليس هناك أشياء أخرى معقدة في هذه المسألة.
ففي السودان عنصر الإنتاج معطل ومُوقف، وهو منعدم لدينا بكل أسف، وعنصر الأسواق يعيش بين الناس كالتمساح الذي يفتح فِيهِ وينتظر الفريسة التي تسوقها الأقدار إليه ليقضمها دون أي رحمة أو هوادة. فبطبيعة الحال كل فرد من أفراد المجتمع يحتاج لوجود الأسواق من أجل العيش. أمّا عنصر النقل الذي يأتي بالمواد، تموينية أو غيرها، غير المتوفرة لا وجود له بالأساس. فصرنا الآن بحق وحقيقة في وضع لا نحسد عليه والله المستعان.
تساؤلات تنتظر الردّ
والسؤال الذي يطرح نفسه في هذا السياق من هو الذي يفرض علينا هذا الوضع، نحن المواطنين السودانيين الشرفاء ومن قام بالثورة وما زلنا نعيش ببلدنا السودان وعلى أتمّ استعداد للعمل والإنتاج والإخلاص وكل ما تطلبه الظروف من أجل إنجاح مناخ العمل الصحيح والسليم.
فمن يفرض علينا بربكم هذه الحال ولماذا؟ فنحن لن نقبل بأي شخص يفرض علينا هذه الشروط وهذه الحياة السقيمة. ولن نقبل بأي شخص يتحكم فينا وفي مصائرنا. ألم نصرخ بأعلى أصواتنا طالبين "حرية وسلام وعدالة"؟! وكنا وقتئذ نسير بأحسن حال لولا تسلط اللجنة الأمنية على أحوالنا، فغُدِرنا وسُرقت ثرواتنا وقُتل أبناؤنا والآن يفعلون بنا ما يشاءون.
وجاء ذات نهار تجمع يدعى قحط وكنّا نظنّ أنه يمثل الشعب السوداني ويمثل طموحاته وآماله وتطلعاته فطلبنا منه بل خولنا له الأمر بأن يختار لنا حكومة مدنية، وعندما صرخنا راجين وطالبين بأن تكون هذه الحكومة مدنية كاملة مائة بالمائة، لم يكن هناك أي حياة لمن ننادي.
ومن أول المشوار لم نرضَ بوجود أي عنصر عسكري بيننا. وجاءت قولتهم بأن تكون شراكة وقسمة بالتساوي، وعندما دارت المشاورات والنقاشات مثّلت قحط فلول الشعب السوداني.
والحق يقال نحن بالأساس لا نعلم من أين أتى هؤلاء!؟ وأثناء فوران الثورة كنّا نستمع لأوامر تجمع المهنيين، يخرجوننا في ساعات محددة للتظاهر فننصاع لذلك ومشى قبل عامين الأمر على هذا المنوال. حتى وصلت بنا الحاجة أن تجمعنا بالملايين أمام القيادة العامة للقوات المسلحة وكان الهدف الأساسي هو لابد أن يسقط النظام. سواء تدخلت اللجنة الأمنية أم لا. في آخر المطاف تدخلت اللجنة الأمنية وكان لابد لها أن تتدخل من أجل أن تحمي نفسها. لم تتدخل لتنحاز إلى جانب الثوار، فهي لم تنحَز لنا قَط. فإذا انحازت للثوار فكيف يُعقل أن تقوم بقتلهم ... هذا غير معقول؟!
فهم إذا انحازوا للثورة فلماذا قتلوا هذا العدد المأهول من الثوَار عندما فضّوا الاعتصام؟ فكانت مئات الجثث، وآلاف الجرحى وحدث ولا حرج. وكنا نعتصم في تلك الفترة في الشارع، نقعد في منصاتنا وخيامنا بكل سلمية ومودة لبعضنا البعض وتجاه كل البشر. كنّا نأكل ونغني ونفرح بالعيد الذي كان على أعتاب الباب. فماذا فعلنا بربكم حتى يقومون بهذه المجزرة تجاهنا وتجاه الثورة؟ هل رميناهم حتى بحجر؟
ما سبب القتل بربك؟ ماذا فعلنا حتى يقومون بقتلنا علنًا؟ وكانت تلك الحادثة إحدى المشاهد الغريبة التي أدّت دون أدنى شك إلى الوضع الذي نحن فيه الآن. وكانت تلك لحظة بداية الانهيار الذي حدث بالبلد.
ومدهش ومؤلم وغريب أن يقعد المدنيون جنبا إلى جنبا بعد جريمة فض الاعتصام النكراء مع العسكر على طاولة موحدة ناشدين أن يصلوا إلى شراكة (خائبة) قاموا بها. ونرجع ونقول إن كل هذا انطوى الآن وبكل أسف داخل صفحات التاريخ بمراراته الكثيرة، فرغم ذلك دعونا نعرج الآن إلى اليوم والحاضر وأن نترك الماضي ولو للحظة جانبًا!
نوعية النظام الحاكم في السودان
أولًا: النظام الذي يحكم السودان في الوقت الحالي بشقيه المدني والعسكري أثبت بما لا يدع مجالًا للشكّ فشله الذريع. نعم فشل فشلًا كاملًا في إدارة هذه الدولة وفي كل نواحيها: فشل في الاقتصاد، وفشل في الأمن وفشل في العلاقات الخارجية، فشل في موارد الإنتاج، فشل في التعليم، فشل في الصحة، فشل في المواصلات، فشل في كل الخدمات، فشل في الكهرباء والماء، نعم، فشل في كل شيء.
وماذا تعني كلمة حكومة أو كلمة وزير بالأصل؟ عندما نقول هذا وزير وذاك أيضًا، ماذا يعني ذلك بحق وحقيقة؟ هل تنحصر المناصب فقط في ركوب العربات الفارهة والقعدة والاستجمام في المكاتب تحت التراطيب والتكييف التي يفتقد إليها عامة الشعب؟ هل ينحصر عمل الوزير على ذلك؟
فمثلا إن كنت أنت وزيرا للطاقة، في حال لا يوجد في البلد طاقة من كهرباء ووقود أو ماء، فماذا تفعل بربك في مكتبك؟ أليس من الأجدر عليك أن تذهب إلى منزلكم! فما الذي يجعلك تقعد في هذا المكتب ... ما هي الأسباب؟
فأنت حينما اخترت هذا المنصب أو بالأحرى أُخترت وأتيت من منزلكم إليه كان كل ذلك بغرض أن توفر لنا الكهرباء والبنزين وكل وسائل الطاقة، أليس كذلك؟ فإن غلبك الأمر فاذهب إلى حيث شئت. لم نطلب منك شيئًا آخر ولم نسألك أن تأتي بعصا موسى. المسألة بسيطة فإن غلبك حل المشاكل فضع القلم واذهب إلى حيث أتيت.
فشل الحكومة الذريع
إن الوضع الطبيعي الحالي يوحي ويثبت أن الحكومة قد فشلت في كل جوانبها. لذلك فعليها أن تتفضل وترحل. بكل شقيها المدني والعسكري. علينا أن نخرج الآن في مواكب وأن نعتصم وبداخل الاعتصام يجب أن نعمل منصات تمكننا من اختيار حكماء لهذه الدولة.
فالبلد بها من الحكماء ومن كبار السن من يستطيعون إعانتنا على اختيار حكومة تصريف الأمور حتى موعد حلول انتخابات ديموقراطية شاملة. فلا يهمنا أن تبقى ستة أشهر أو سنة. المهم أن نسير باتجاه انتخابات ديموقراطية ويفوز فيها من يفوز ويكون له الحق في أن يحكم البلد. للأسف، في نظري لا يوجد حل آخر.
نحن الآن لا نعرف قحط ولا شركاء الثورة، ولا الكفاح المسلح، هذه الأسماء نسيناها ولا نهتم بها البتّة. فنحن الآن نعرف فقط حكماء البلد. وليأتوا من كل أقاليم السودان، من الشمال والوسط والجنوب والغرب والشرق. وعلينا أن نساعدهم بأمور شتى. سوف يأتون ولن يجدوا أماهم شيئا.
سوف تكون البلاد سراب بقيعة، خاوية على عروشها من الأخضر واليابس (سهلة مُدَّاح): لا كهرباء ولا طاقة ولا حتى دقيق الخبز، سوف لا يجدون أي شيء ونحن رغم كل هذا سنقبل بهذه الحالة مؤقتاً من أجل الخروج من الأزمة. وسوف يجدون البلد خرابة بحق وحقيقة وما يمكننا عمله هو أن نساعدهم بالتقشف، وأن تعلن الحكومة عن نفسها أنها حكومة تصريف أعمال وتقشف لمدّة عام واحد. وما معنى تقشف؟ هذا يعني أن نصبر على كل شيء.
أولًا نغلق باب الاستيراد من الخارج تمامًا؛ قائلا ولا يجب أن نستورد حتى إبرة على حد قول المثل. ومواردنا من العملات الأجنبية تكرس للدقيق، المحروقات والأدوية لا غير. وحتى هذه الأشياء لابد أن نُحضرها بنسب معينة ومحدودة. لا نأتي بها كاملة لأن هذا هو التقشف بعينه، وأن تسيطر الحكومة على موارد الدولة وألا يكون لأي فرد آخر أي سيطرة عليها (كما هي الحال الآن).
وسواء أرضي صندوق النقد الدولي أو البنك الدولي أم لا، فهذا لا يعنينا. ماذا يمكنه أن يفعل بعد كل هذا الدمار؟ نحن دولة محكومة بهذه الظروف فإن قبلتم كان بها وإن لم تقبلوا بنا فعليها. فماذا يمكنك يا صندوق النقد الدولي أن تفعل بنا أكثر مما نحن فيه الآن ... الجحيم؟!
وإيقاف الاستيراد يعني وقف الجبايات والجمارك وفي الفترة الأولى لا تحتاج هذه الدولة لأي جبايات أو جمارك. من جهة أخرى لماذا نأتي بخبراء في مجلس الوزراء يقبضون فوق المائة أو مائتين ألف دولار ... لماذا؟ هل يعقل هذا؟ فهم يحكمون بلادًا يأكل أهلها من النفايات والزبالة (الكوشة).
نحتاج لوزير مسكين من كافة الشعب
كيف يعقل ذلك أن يأكل أهل البلد من الكوشة والوزراء في نعيمهم يعمهون. فهل وزير مثله يمكن أن نعتبره شخصا ذا ضمير وهل يمكن أن نقبله بمواصفات مثل هذه؟
نحن يا سادتي نبحث عن وزير من بئتنا البائسة هذه، رجل يشعر بتعب الجماهير والآمهم وهمومهم، هذا هو الوزير الذي ينتظره كل الشعب على أحر من الجمر، ونحن لسنا بحاجة لوزير منعّم، لم يعش محنة الناس هنا، بل أتى من إثيوبيا أو من الأمم المتحدة في نيويورك ويعيش حياة منعمة وهينة.
أكرر، نحن في غنى عن أشخاص مثل هؤلاء، فمثلهم ليسوا أهل لأن يحسوا بتعب الشعب ومعاناته التي دامت ثلاثة عقود. نحن نحتاج لوزير كمواطن مسكين وقنوع يعيش مثلنا ويعاني مثلنا تماما، يركب المواصلات العامة ويذهب إلى مكتبه في الوزارة أو مكان عمله مثله مثل كافة الشعب دون امتطاء العربات الفارهة والتنعم بالامتيازات الخارقة للعادة.
تمامًا كما حدث للخواجات الذين هرولوا خلف المترو للوصول إلى مكاتبهم أو مثل وزراء الدول الاسكندنافية الذي يمتطون الدرجات للوصول إلى وزارتهم سالكين الدروب العامة التي يسلكها كافة المواطنين دون حرس أو عربات مصفحة يتبعها مدرعات وأمن وهيلمانة. فهذا الوزير على مقدرة كبيرة للتعامل مع المواطن البسيط.
قفل الحنفية على مصروفات الدولة
من الآن فصاعدًا لن توجد مصروفات للدولة ولن نستورد البنزين، لذلك علينا أن ندخل كل سياراتنا إلى المنازل ونقفل عليها. يجب أن نستورد جازولين بغرض استخدامه في الزراعة، الصناعة، الترحيل والكهرباء. ويجب أن نتعهد جميعنا أن نمشي بأرجلنا كل المسافات والمشاوير ويجب أن نترك المشاوير البعيدة.
فمن له عزاء في آخر الخرطوم في الكلاكلة مثلًا أو غيرها يجب أن يتركه فالذي يود زيارته بالكلاكلة سوف يجد له العذر، فالبلد في حال تقشف ولا توجد مواصلات.
يجب في هذه الحالة أن نستخدم التلفون فقط قائلين بكل اقتضاب: مبروك والبركة فيكم والسلام. ينبغي أن نغلق على سيارتنا داخل المنازل ولا تخرج منها إلى بعد عام كامل. هذا هو التقشف وكل مواردنا تتوجه للإنتاج.
ولا بأس أن نرجع نقتعد أرض الله والواقع لنبصر مواردنا الزراعية وثرواتنا الحيوانية. كما ينبغي أن نستقصي دروب ذهبنا المسروق، أين يُسرق ومن يسرقه ولماذا؟
ألا توجد قوات شرطة في البلد لتحمي هذه الموارد؟ ألا يوجد جيش ولا يوجد أمن؟ لماذا يسرقون ذهب المواطن؟ ولماذا يتهجم بعض الناس بالسواطير على المواطنين في الشوارع؟ ليسرقوا ممتلكاتهم، ألسنا دولة؟
خيلان فاطمة لا يزالون على قيد الحياة!
كيف تُضرب البنات في شوارع الله وتُسرق ممتلكاتهنَّ لأتفه الأسباب - وعلى عينك يا تاجر! أين إخوان فاطمة أو خيلان فاطمة الذين تغنت بهم الأغنيات الشعبية؟ هل قضوا نحبهم وماتوا؟ لا، لم يموتوا بعد!
السودان بخيره والحمد لله ويوجد به إخوان فاطمة وخيلان فاطمة دون أدنى شك. والسودان لا يزال بخير. فطالما إنسان السودان بخير فالسودان حتماً بخير.
لا توجد حلول غير هذا الحل يمكن لها أن تقدم من الوضع في السودان. لن يحل المشكلة ارتفاع أسعار الوقود، فهذا ليس حلا في نظري. ولا حتى الدولار فاليوم سعر الصرف ٣٥٠ وغدًا ٤٥٠ والأسبوع القادم ٧٠٠ فهذا ليس بالحل الناجع. هذه ليست حلولا فالحلول كامنة في التقشف وفي الإنتاج أيضًا، وفي الوفرة، وفي قبول وتقبل الوضع الراهن.
فنحن راضون كل الرضاء، ولا نريد كهرباء ولابد لنا أن نعود إلى حياة الفوانيس البدائية القديمة، نعم، علينا أن نعلّق الفانوس وننظر إليه كما كانت الحال سابقًا، ولا نريد حتى تلفازاً ولا أي شيء آخر.
فلابد أن نكتف أرواحنا ونقعد سنة كاملة في حال تقشف. فمن لا يعجبه هذا الحال فأرض الله واسعة، فمن له مال فليسافر في أرض الله فهي بارحة، وليتنعم بماله في بريطانيا، ألمانيا أو أمريكا فهو حرّ.
ونحن لنا أن نعيش في سوداننا على الحطب وسوف نرجع لكل أدوات التقشف الممكنة وبعد سنتين نعود راجعين لسودان الماضي الجميل وسوداننا الأول الذي نعرفه فموارده تكفي بل وتزيد، أليسه سلّة العالم للغذاء؟
ولو زرعنا موسمًا واحدًا فهو قادر على أن يخرج السودان من مأزقه هذا. والآن بدأنا زراعة الموسم الصيفي. وسوف نقوم بإنتاجه في الشهر العاشر أو الحادي عشر.
وإلى ذاك الأجل لا بد علينا أن نخرج في الفور لتفحص الأسواق حتى نتمكن من تسويق المحصول. ولابد لنا أن نشمر السواعد من الآن إلى الشهر العاشر وأن نقوم بإصلاح الميناء السوداني، الذي يحتوي على عشرين رصيفا من بينها تسعة عشر عطلانة تمامًا وواقفة عن الشغل!
فكيف يمكن لنا أن نصدر محصولات البلد، وكيف يمكن أن نصل للأسواق العالمية وإلى الخارج؟ وهذا النقطة لابد لها أن تكون من أولويات الأسس الرئيسة للخروج من المأزق والمحنة الحالية. وهناك كثير من الأشياء لم أتطرق إليها وأغلبكم على علم بها. لكن الأساسيات هي:
أولًا: أن تذهب هذه الحكومة اليوم قبل الغد؛
ثانيًا: أن يجتمع حكماء وكبار السودان وهم متجردون عن الأطماع الشخصية والانتماءات الحزبية، وهم من يختارون حكومة تصريف أعمال؛
ثالثًا: على حكومة تصريف الأعمال أن تعلن حالة التقشف القصوى المذكورة أعلاه.
خاتمة
إن الندب والندم والشكوى لا تحل هذه المشاكل، ولا تتريس الشوارع وقفلها أمام المرور. يجب أن تذهب هذه الحكومة بالتي هي أحسن وبدون خلق المتاريس والعقبات على الطرق. فلقد أتينا بها لحل مشاكلنا فغلبها الأمر. إذن فعليها الرحيل فورًا.
وأي شخص في هذه الحكومة يتبوأ منصبا ما، وهو ليس قادرًا على التقدم فيه فلابد أن يرحل. ولا داعي لرفده أو طرده من العمل فلا بد من أن يذهب بمحض إرادته.
فمثلًا أنت يا وزير الطاقة، عالم بالحال وبالأمور. لا يوجد بنزين، لا يوجد جازولين، لا توجد كهرباء، فلا تقعد مكتوف الأيدي وتقول ليس لي موارد.
عليك أن تأتي لنا بحلول على قدر موارد البلد، وعليك أن تخرج لمصارحتنا في التلفزيون وإن لم يكن لديك ما تفعله فصرح بذلك، قل إننا معدمين أو قل لدينا فقط هذا الموجود، فسوف نبقى لسنة أو سنتين نعمل به إلى أن يفرج الله الكرب. وسوف نقبل بهذه الحلول. وأي شخص يتعاطى مرتبات بالدولار لا بد أن يرحل، فلسنا بحاجة إليه البتة.
والدولارات التي نستورد بها الدقيق، لابد أن ننفق نصفها لشراء الدقيق وعلينا أن نكمل النصف الآخر بالدخن والذرة الوطنية، وهي جديدة بكل المواصفات وأفضل من القمح، وعلينا أن نعود لأكل القراصة والعصيدة والكسرة، فلن نموت عند أكلها. فهل لا بد لنا من أن نأكل القمح، لا أعتقد ذلك.
وكل الجهود لابد أن تكرس للإنتاج وتحسين أدواته حتى نستطيع في آخر المطاف استجلاب عملة صعبة، ونستطيع تقليل سعر الصرف وإلغاء التضخم الذي مسك بقبضة حديدة على اقتصاد البلد، لنرجع ثانية كدولة ذات سيادة ونعيش معززين مكرمين في بلادنا.
ويجب أن تكون هناك عقوبات رادعة جدًا للفساد، نعم لأبعد الحدود لكل من المرتشي والسارق ومنها نعرج لإصلاح النظام العدلي بالسودان، حتى نستطيع إيقاف كل هذه المهازل. إني قد بلغت فاللهم فاشهد. والسلام عليكم ورحمة الله.
(رسالة الأستاذ معاوية العالم ... خبير مصرفي وحادب على مصالح الأمة)
حقوق النشر: محمد بدوي مصطفى 2021
[embed:render:embedded:node:36231]