تل أبيب تتبوأ صدارة الشرق الأوسط؟
قد تكون هذه رسالة تحمل في ظاهرها وعداً بتقليص التوتر الإقليمي، وبداية إعادة تنظيم الهيكل الأمني للمنطقة وقدرة الشرق الأوسط المتزايدة على الدفاع عن نفسها. بيد أنّ نظرة أقرب قد تُظهِرُ شيئاً مختلفاً عما يبديه وزراء خارجية الإمارات العربية المتحدة ومصر والبحرين والمغرب وإسرائيل والولايات المتحدة الأميركية.
وما ينتج عن هذه النظرة الأقرب، أنّ دول الخليج، بما فيها الإمارات العربية المتحدة التي وصفها وزير الدفاع الأميركي السابق جيم ماتيس بأنها "إسبرطة الصغيرة" بسبب براعتها العسكرية، غير قادرة على الدفاع عن نفسها في مواجهة التهديدات الخارجية، على الرغم من كونها من بين أهم المشترين للأسلحة الأكثر تطوراً في العالم. كما أنّ لإسرائيل احتمالية أكبر منهم بإبقاء الولايات المتحدة منخرطة في الشرق الأوسط حين ترى واشنطن تحديات أمن قومي خطيرة في أماكن أخرى.
ولا يزال على الإمارات العربية المتحدة، مثل المملكة العربية السعودية، أن تبدأ عملية عسكرية أجنبية ناجحة أو تنجح في تحصين أراضيها ضد هجمات الخصوم الأجانب. فقد انسحبت الإمارات جزئياً من حرب اليمن المستمرة منذ سبع سنوات دون أن تحقّق أهدافها العسكرية، على الرغم من تركها وكلاء محليين وراءها، في حين أنّ السعودية تبحث عن نهاية للصراع تحفظ ماء وجهها.
وأعلن التحالف الذي تقوده السعودية، الثلاثاء (29 آذار/مارس 2022)، عن وقف لإطلاق النار لمدة شهر خلال شهر رمضان المبارك في قمة لزعماء دول مجلس التعاون الخليجي الذي يضمُّ المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والبحرين والكويت وقطر وعُمان. بينما رفض المتمردون الحوثيون الانضمام إلى الاجتماع بسبب عقده في الرياض، أي في عاصمة أحد أطراف الحرب الرئيسية.
وفي الوقت ذاته، لم تتمكن الدولتان الخليجيتان من حماية بنيتهما التحتية ومنشآتهما النفطية من الهجمات بالطائرات المسيرة والهجمات الصاروخية التي يشنّها المتمردون، وربما إيران ذاتها.
أول قمة عربية-إسرائيلية على أرض إسرائيلية
برزت أهمية إسرائيل للدول العربية عبر حقيقة أنّ هذا الاجتماع الأول من نوعه على الإطلاق (ولا سيما على أرض إسرائيلية) قد نُظِّمَ من قبل الدولة اليهودية وليس من قبل الإمارات العربية المتحدة مثلاً، وعُقِد في منزل وضريح ديفيد بن غوريون، مؤسّس "إسرائيل" وأول رئيس وزراء لها.
ولا شكّ أنّ الأزمة الأوكرانية أعادت إبراز أهمية الشرق الأوسط، سواء تعلّق الأمر بتنويع مصادر إمدادات الغاز والنفط في أوروبا، أو بتأثير الشرق الأوسط على الأمن خارج حدوده، أو بالاستقرار في عصر التحدي والمعارضة، فشبح أعمال الشغب المرتبطة بأزمات الغذاء في العديد من دول الشرق الأوسط قد برز من جديد بسبب الارتفاع الكبير في أسعار السلع الأساسية.
ومن خلال الموافقة على حضور اجتماع في منزل بن غوريون، الذي يحمِّله الفلسطينيون مسؤولية عن محنتهم، كان وزراء الخارجية العرب يؤكدون على القوة الإسرائيلية في المنطقة. كما تجاهلوا حقيقة أنّ سلسلة عمليات القتل التي نفذتها على ما يبدو "ذئاب منفردة" فلسطينية ضد إسرائيليين تشير إلى أنّ الفلسطينيين هم جزء من المعادلة الأمنية للمنطقة وإسرائيل بقدر إيران والحوثيين، والميليشيا والكيان السياسي الشيعي اللبناني "حزب الله".
وقد حدثت عمليات القتل عشية شهر من المناسبات الدينية الرئيسية المسلمة والمسيحية واليهودية، مما يمكنه أن يثير المشاعر في الأماكن المقدسة الحساسة في القدس. وإضافة إلى ذلك، لاحظ الفلسطينيون وغيرهم أنّه في الوقت الذي يتصدّر فيه الغزو الروسي لأوكرانيا عناوين الأخبار، يحتلُّ ثلاثة من المشاركين الستة في القمة (إسرائيل والإمارات العربية المتحدة والمغرب) أراضي أجنبية و/أو تدخلوا عسكرياً في نزاعات خارج حدودهم.
الأردن والسودان يؤكّدان التضامن الفلسطيني
وبدلاً من الانضمام للاجتماع، قام العاهل الأردني الملك عبد الله مع السودان، البلدين العربين الآخرين اللذين اعترفا بإسرائيل، بزيارة الرئيس الفلسطيني محمود عبّاس في رام الله في الضفة الغربية، التي احتلّتها إسرائيل خلال حرب عام 1967 في الشرق الأوسط، وذلك في يوم القمة.
ولا تكمن أهمية إسرائيل فقط في براعتها التكنولوجية والعسكرية وقدرتها واستعدادها، على عكس الولايات المتحدة الأميركية، لمواجهة إيران في إيران نفسها، وفي سوريا كذلك وفي الفضاء الإلكتروني، بل أيضاً في أنها الدولة شرق الأوسطية الوحيدة التي تملك قاعدة شعبية كبيرة في الولايات المتحدة.
وهذا ما يعطي إسرائيل نوعاً من السطوة في واشنطن، والتي لا يمكن الحصول عليها عبر إنفاق ملايين الدولارات على خدمات العلاقات العامة واللوبيات. كما أنّ ذلك يشير إلى أنه في خضم الاقتراح بأنّ الولايات المتحدة قد تكون تحدُّ من التزامها في الشرق الأوسط من أجل التركيز بشكل أفضل على أوروبا ومنطقة المحيطين الهندي والهادئ في أعقاب أزمة أوكرانيا، فإنّ إسرائيل هي الدولة الإقليمية الوحيدة التي ستحتفظ بكامل اهتمام واشنطن.
ونتيجة لذلك، تزداد احتمالية أن تلعب إسرائيل دوراً، وهذا ما فعلته في الكثير من الأحيان، ليس في الأمن الإقليمي فحسب، بل أيضاً في العلاقات بين الولايات المتحدة الأميركية ومختلف الدول العربية فيما يتعلق بالعديد من القضايا، بما فيها مبيعات الأسلحة.
قال ديفيد ماكوفسكي، المحلّل في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى والمسؤول الأميركي السابق: "كان بن غوريون سيشعر بالفخر، بالنظر إلى التصورات العربية بأنّ الولايات المتحدة تعمل على تقليص دورها في الشرق الأوسط، بأنّ الدول العربية الرئيسية ترحّب بإسرائيل، مما يوسّع مكانتها الإقليمية لتملأ هذا الفراغ، جزئياً على الأقل".
جيمس م. دورسي
ترجمة: يسرى مرعي
حقوق النشر: موقع قنطرة 2022