تخلي العرب عن باكستان بشأن كشمير
في بدايةِ شهر آب/أغسطس 2020 انتقدَ وزيرُ الخارجيةِ الباكستاني شاه محمود قريشي الأعضاء الـ 57 في منظمةِ التعاونِ الإسلامي، متّهماً المنظمةَ بفشلها في دعمِ موقفِ بلاده من كشمير. وقد أثارت تعليقاتُ قريشي غضبَ المسؤولين في المملكةِ العربيةِ السعوديةِ، التي تلعبُ دوراً رئيسياً في شؤونِ منظمة التعاونِ الإسلامي، فجمّدت تسهيلاً ائتمانياً نفطياً بقيمةِ 3.2 مليار دولار (2.72 مليار يورو) وطالبت باكستان بسدادِ جزء من قرضٍ بقيمةِ 3 مليارات دولار، وفقاً لما ذكرته صحيفة فايننشال تايمز.
وكما قال قريشي لوسيلة إعلام في باكستان: "أقول مرةً أخرى لمنظمةِ التعاونِ الإسلامي باحترامٍ إنّ اجتماعَ مجلسِ وزراء الخارجيةِ هو ما نتوقعه. إذا لم تتمكن من عقده، فسأضطرُ إلى مطالبةِ رئيسِ الوزراءِ عمران خان بالدعوةِ إلى اجتماعٍ للدولِ الإسلاميةِ المستعدةِ للوقوف معنا في قضيةِ كشمير ودعمِ الكشميريين المظلومين". وتابعَ وزير الخارجية: "لدينا قضايانا الحساسة الخاصة بنا. عليك أن تدركَ هذا. على دولِ الخليجِ أن تفهمَ هذا".
لاحقاً طرحَ قريشي استراتيجيةً من أربع نقاطٍ لقضيةِ كشمير، وتضمّنت "مواجهة وكشف نوايا نيودلهي والتصدّي لها؛ ردعها من خلالِ التأهبِ العسكري، وحل النزاعات وبناء الثقةِ؛ وعدم تشتيت الانتباه بأفعالِ الهندِ؛ والمواصلة بمشاريعِ التكاملِ الإقليمي عبر المشاركةِ في الممر الاقتصادي الصيني-الباكستاني وفي منظمة شنغهاي للتعاون ومنظمة التعاون الاقتصادي".
وقد دفعَ الخلافُ الدبلوماسي مع المملكة العربية السعودية حكومةَ خان إلى إرسالِ رئيسِ أركان الجيشِ الباكستاني الجنرال "قمر جاويد باجواه" إلى الرياض. ووفقاً لصحيفة داون: "يُنظرُ إلى زيارةِ رئيسِ أركانِ الجيشِ في سياقِ انتقادِ وزير الخارجيةِ شاه محمود قريشي منظمةَ التعاونِ الإسلامي التي تهيمنُ عليها السعودية".
ما هي بالتحديد خطة باكستان فيما يتعلقُ بكشمير؟
في العامِ الماضي 2019 أنهى رئيسُ الوزراء الهندي ناريندرا مودي الوضعَ الدستوري الخاص للولايةِ الهنديةِ جامو وكشمير. وألغي الحكمُ الذاتي في الإقليمِ ودستوره، كما ألغيت الحقوقُ الخاصةُ للمقيمين الدائمين، والذين يشكّلُ المسلمون غالبيتهم. إضافة إلى ذلك أقرّ البرلمانُ في نيودلهي مشروعَ قانون لتقسيمِ جامو وكشمير إلى إقليمين اتحاديين -جامو وكشمير، وَ لَداخ- بحيث تحكمهما نيودلهي بشكلٍ مباشر.
وكان مودي قد قال إنّ هذه الخطوة هدفت إلى إنهاءِ النزعةِ الانفصالية وإبعادِ الإرهابيين من كشمير، وإنّ المادةَ 370 كانت تُستخدمُ كسلاح للإرهابِ، إضافة إلى أنّ سكان الإقليمِ يفتقدون للقوانين الأساسيةِ وأوجه الحماية الممنوحة لبقيةِ سكانِ الهند.
منذ عام 1989 كان المتمردون المسلمون يقاتلون القوات الهندية في الجزء الخاضعِ للإدارةِ الهنديةِ في كشمير - وهي منطقةٌ يبلغُ تعداد سكانها 12 مليون نسمة، ويشكّلُ المسلمون 70% منهم. وقد خاضت باكستان والهند اثنتين من حروبهما الثلاثةِ منذ استقلالهما في عام 1947 بسبب كشمير. وهي منطقة تطالب بها كل من الهند وباكستان بشكلٍ كاملٍ، لكن تحكم كل منهما قسما منها.
أدانت إسلام آباد خطوةَ نيودلهي المتمثلة في إبطالِ الوضعِ الخاص بكشمير وحثّت حلفاءها في العالمِ الإسلامي للتصرّف في مواجهةِ الهند. ويقولُ الخبراءُ إنها فشلت حتى الآن في الحصولِ على دعمٍ كبيرٍ لموقفها من كشمير.
فكما قال مايكل كوغلمان، خبير جنوب آسيا في مركز وودرو ويلسون الدولي للدراساتِ في واشنطن: "تريدُ إسلام آباد التصدّي للانتقادات، التي لها مبررات قوية، والتي تقولُ إنّ باكستان لا تملكُ خطةً بالفعل فيما يتعلقُ بكشمير. لقد كانت تشنُّ هجوماً دبلوماسياً دولياً على مدارِ العامِ الماضي [2019]، بيدَ أنّ هذا الجهد -وهذا ليس بالأمرِ الجديدِ تماماً لبلدٍ سعى لفترةٍ طويلةٍ لدفعِ قضيةِ كشمير في المحافلِ العالميةِ- لم يحصد النتائجَ التي أرادتها إسلام آباد".
ويضيفُ كوغلمان: "وهذا يؤدي إلى سؤالٍ طبيعي: إنْ كانت الحملةُ الدبلوماسيةُ الدوليةُ لا طائلَ منها فما هي الخطةُ البديلةُ إذاً؟".
يقولُ الخبراءُ أيضاً إنّ سياسةَ باكستان الخارجيةَ -فيما يتعلقُ بكشمير والهند- تفتقرُ إلى الوضوحِ، وإنّ إجراءات باكستان الأخيرة -مثل الكشفِ عن خريطةٍ جديدةٍ تُظهِرُ كامل المنطقةِ المُتنازعِ عليها (جامو وكشمير) بوصفها جزءاً من الأراضي الباكستانية- هي للاستهلاكِ المحلي فحسب.
وأشارَ رجا قيصر أحمد -وهو أستاذ مساعد في العلاقات الدولية في جامعةِ القائد الأعظمِ في إسلام أباد- إلى أنّ: "الوضع يحتاجُ إلى دبلوماسية عدوانيةٍ. فباستثناء الصين وماليزيا وتركيا، لا تساندُ أي دولةٍ أخرى إسلام آباد فيما يتعلقُ بكشمير".
ويتَّفق ولي نصر -أستاذُ العلاقات الدولية في جامعة جونز هوبكنز- مع أنّه من المستبعدِ أن تقومَ الرياض بأي إجراءات ضدّ الهند بسبب سياسة نيودلهي في كشمير. يقول ولي نصر: "ترى المملكةُ العربيةُ السعودية في الهندِ شريكاً تجارياً مهماً. تفضّلُ أن تربطها علاقات بكلٍ من الهندِ وباكستان، بيد أنه من الواضح أنها لم تعد مستعدةً لتقديمِ الدعمِ لباكستان <في قضيةِ كشمير>. كما أنّ الطريقةَ التي تعاقبُ بها باكستان تعكسُ حقيقةَ أنّ لإسلام آباد نفوذاً صغيراً جداً في الرياض".
باكستان تبحثُ عن حلفاء جدد
وفي ظلِّ غيابِ الدعمِ من الدولِ العربيةِ القويةِ، تسعى باكستان لتعزيزِ الروابطِ مع قوى أخرى.
يقولُ كوغلمان: "إنّ امتدادَ باكستان متزايدِ إلى إيران وماليزيا وتركيا -وبشكل أوسع إلى روسيا، لأنّ تعميقَ العلاقات الأمريكيةِ-الهنديةِ يحدُّ من نطاقِ العلاقاتِ الروسيةِ-الهنديةِ وهو موضوع ينبغي الانتباه إلى تطوره في الشهورِ القادمةِ. لا أعتقد أننا ينبغي أن نبالغَ في تقديرِ الضررِ الذي لحق بعلاقاتِ باكستان مع السعوديةِ، لكن هذا الخلافُ يشيرُ إلى أنّ إطاراً جديداً للسياسة الخارجية يتشكّلُ ويجدّدُ علاقات باكستان العميقة مع بكين، ويعزّزُ من العلاقاتِ مع روسيا والدول ذات الأغلبية المسلمةِ خارج الخليجِ العربي".
ووسط هذه الديناميكيات الإقليميةِ المتغيرةِ قام وزيرُ الخارجيةِ الباكستاني قريشي بزيارةٍ خاطفةٍ إلى الصينِ مؤخراً، وصفها بأنها "مهمة للغايةِ" لتعميقِ الشراكةِ الاستراتيجيةِ بين البلدين.
وقال قريشي في رسالةِ فيديو قبل مغادرته إلى الصين: "تهدفُ الزيارة إلى عرضِ رؤيةِ القيادةِ العسكرية والسياسية في باكستان".
يقولُ الخبراءُ إنّ باكستان تريدُ أن تلعبَ دوراً أساسياً في التحالفِ الناشئ الذي تقوده الصين، والذي يمكن أن يضمّ إيران كذلك.
ووفقاً لأحمد: "في الماضي، حاولت إسلام آباد التقرّب من الصين، وروسيا وبعض الدول في جنوب شرق آسيا، لكن باستثناءِ الصين لم يدفع أي أحد الهند لتغيير موقفها من كشمير. ينبغي أن تضعَ باكستان في اعتبارها أنّ إقامة علاقات وثيقة مع دولة ما هُوَ أمرٌ لا يضمنُ التوافقَ في جميعِ النزاعات الدولية".
ولم يتّضح بعد إنْ كانت رغبة إسلام آباد في أن تكون جزءاً من التحالفات الإقليمية الجديدة ستؤدي إلى النتيجةِ المرجوةِ، وتؤدي إلى حلٍّ دائمٍ لنزاعها الطويلِ مع الهند. وفي الوقت ذاته، قد تخاطرُ باكستان بمزيدٍ من العزلةِ الدبلوماسيةِ من خلال إثارةِ غضبِ السعوديةِ وحلفاءها الآخرين في الخليجِ.
هارون جانجوا
ترجمة: يسرى مرعي
حقوق النشر: دويتشه فيله / موقع قنطرة 2020
كتب علي الشهابي وهو كاتب ومحلل سعودي على حسابه في تويتر "لدى النخب الباكستانية عادة سيئة في اعتبار الدعم السعودي كأمر مسلم به بالنظر إلى ما قدّمته السعودية لباكستان على مدى عقود". وأضاف "انتهى الحفل وتحتاج باكستان لمنح قيمة لهذه العلاقة. لم تعد وجبة غداء مجانية أو مجرد شارع باتجاه واحد". يشار إلى أن باكستان ومصر رفضتا في السابق طلب الرياض إرسال قوات برية لدعم حملتها العسكرية في اليمن ضد المتمردين الحوثيين المدعومين من إيران.
Pakistani elites have a bad habit of taking Saudi support for granted given what Saudi has done for Pakistan over the decades. Well the party is over and Pakistan needs to deliver value to this relationship. Its no longer a free lunch or a one way street. https://t.co/tReWBoNXku
— Ali Shihabi علي الشهابي (@aliShihabi) August 13, 2020