"تعليم البنات مستمر بمدارسنا بعهد طالبان"
لقد كنتَ متفائلًا في نهاية شهر آب/أغسطس من العام الماضي 2021 - بعد وقت قصير من استيلاء طالبان على السلطة في أفغانستان - بأنَّ مدارسك ستواصل عملها في ظلّ الحكَّام الجدد أيضًا - وستبقى مفتوحة للبنات أيضًا. فهل تحقَّق ذلك؟
راينهارد إيروس: نعم، هذا ما حدث. والبنات ما يزلن يذهبن إلى الدراسة كلَّ يوم حتى الصف الثاني عشر في جميع مدارسنا الثانوية الخاصة بالبنات. وكذلك ما يزال التكوين المهني في صفوفنا لتعليم الكمبيوتر وفي مدارسنا المهنية وفي الجامعة مستمرًا من دون أي إزعاج. وأنا شخصيًا كنت هناك قبل فترة قصيرة وقد تمكَّنت من تكوين صورة عن الوضع. وحتى أنَّ بعض صفوف الكمبيوتر الدراسية ومدارس الخياطة، التي يتم فيها تكوين الشابات مهنيًا، قد تم إنشاؤها فقط في الأشهر القليلة الماضية، أي بعد استيلاء طالبان على السلطة وبعد أن كان الأمريكيون - المحتلون المكروهون - قد رحلوا.
هذه شهادة مفاجئة بالنظر إلى الأخبار المرعبة الواردة خلال الأشهر الأخيرة، والتي تعتبر بمثابة شهادة على مدى سوء الوضع بالنسبة للنساء والفتيات الأفغانيات.
راينهارد إيروس: هذه التغطية الإعلامية تزعجني كثيرًا. الإعلام يُركِّز قليلًا فقط على حقيقة أنَّ نحو خمسة وتسعين في المائة من الناس في أفغانستان يتضوَّرون جوعًا - بينما يُمثِّل عدم السماح لفريق الفتيات الأفغانيات لكرة القدم باللعب الموضوعَ الحاسم لدينا. هذا التركيز على الموضوعات غير صحيح.
نحن نعمل بمؤسَّستنا في شرق أفغانستان، في ولاية ننگرهار وولايتي لغمان وكونار. وننگرهار هي الولاية الأكبر والأقوى اقتصاديًا، ولكنني التقيت هناك خلال زيارتي الأخيرة بأُسر لديها خمسة أو ستة أطفال آباؤهم يخافون كلَّ يوم من احتمال عدم تمكُّنهم من إشباع أطفالهم. وهذا يثير قلق غالبية الأفغان.
النساء المتعلمات حقًا يُشكِّلن نحو ثلاثة في المائة من سكَّان أفغانستان، ولكنهن يكدن يكن الوحيدات، اللواتي يلعبن دورًا في التغطية الإعلامية لدينا في الغرب. وهذا الخلل في التوازن يزعجني بشكل غير محدود.
"لم يعد الأطفال مضطرون للخوف من المسيَّرات الأمريكية"
كيف تغيَّر عملك منذ استيلاء طالبان على السلطة؟
راينهارد إيروس: أنا أستطيع الحديث باسم مدارسنا فقط، لكن الوضع هناك قد تحسَّن حتى منذ استيلاء طالبان على السلطة في صيف عام 2021، لأنَّ الحرب قد انتهت الآن. ولم يعد الأطفال مضطرون الآن للخوف وهم في الطريق إلى المدرسة من المسيَّرات الأمريكية ومن اشتباكات القوَّات الأمريكية مع المسلحين الأفغان. لقد قتلت الغارات الجوية الأمريكية خلال السنوات الثماني عشرة الماضية نحو مائة طالب من طلابي ونحو خمسمائة من أولياء أمورهم.
وما الذي تغيَّر إلى الأسوأ؟
راينهارد إيروس: بالنسبة لنا لم يتغيَّر أي شيء إلى الأسوأ، باستثناء أنَّ الجوع قد أصبح أسوأ. ولكن من الواضح أنَّ الصحفيين الألمان لا يريدون سماع ذلك.
بما أنَّك قد خضت تجاربَ جيدة مع طالبان فهذا يبعث على التفاؤل والسرور، ولكن على الأرجح أنَّ ذلك يتعلق بحالة تعاون انتقائي على المستوى المحلي وليس بالسياسة الاستراتيجية لقيادة طالبان ...
راينهارد إيروس: أنا أتفاوض مع طالبان، الذين يعادلون بصفتهم حكَّام ولايات في أفغانستان رؤساء وزراء في ألمانيا. ولذلك لا يمكن الحديث هنا عن عناصر صغيرة. والبعض منهم يعرفونني منذ الثمانينيات، عندما كنت أعمل طبيبًا في أفغانستان خلال الحرب السوفيتية.
وأنا موجود في أفغانستان منذ نحو أربعين عامًا والأفغان يصفونني بـ"الأفغاني الألماني". وأنا على اتصال منتظم بوزيري التعليم والصحة الأفغانيين، وذلك لأنَّ مؤسَّستي لا تدعم المشاريع التعليمية فقط، بل لقد قمنا على سبيل المثال منذ شهر تشرين الأوَّل/أكتوبر 2022 بتقديم طرود غذائية لمائة وسبعين ألف أُسرة أفغانية.
وأنا أتمتَّع بمكانة إيجابية لدى الكثيرين من الأفغان بمن فيهم قادة طالبان. وكابول لا تهمني، فأنا أعمل في شرق أفغانستان ولديّ هناك حرية حركة جسدية وفكرية. وبالمناسبة، لقد كان سؤالك خاطئًا مرة أخرى أيضًا.
"طالبان ليست مجموعة متجانسة"
من أية ناحية؟
راينهارد إيروس: أنتِ تسألين عن "طالبان". ولكن لا يوجد شيء اسمه "طالبان"، فهم ليسوا مجموعة متجانسة. ومع ذلك فإنَّ القاسم المشترك بينهم هو أنَّ معظمهم لم يتلقّوا أي تعليم تقريبًا ولم يسبق لهم السفر إلى الخارج. أمَّا الأشخاص الأكثر ذكاءً من بينهم فيستمعون على الأقل إلى برامج قناتي دويتشه فيله وبي بي سي باللغتين الدارية والباشتونية، والتي ما يزال يتم بثها. وبالمناسبة، إنَّ التصوُّر السائد هنا في الغرب، والذي يفيد بأنَّه لم يكن هناك سوى العداء بين طالبان وجميع الأفغان الآخرين خلال العشرين عامًا الماضية هو أيضًا تصوُّر خاطئ.
دعنا نعود إلى الحديث حول موضوع التعليم. كم يبلغ الآن عدد النساء الباقيات بين موظفيك الأفغان؟
راينهارد إيروس: أنا أحد أكبر مديري المدارس الخاصة في أفغانستان: يتعلم في مدارسنا نحو خمسة وستين ألف طفل ونحن نُشغِّل نحو ألف وستمائة موظف أفغاني. وما يزال ثلثهم مثل ذي قبل من النساء. وأنا قد سئمتُ من الاضطرار مرارًا وتكرارًا إلى إعادة التأكيد على أنَّ الوضع ما يزال هكذا - والآن يجب أن يكون ذلك واضحًا.
بأية حجج تستطيع إقناع طالبان وكذلك أولياء الأمور ذوي التفكير التقليدي وزعماء القبائل المحليين بأنَّ البنات يجب أن يذهبن إلى المدرسة حتى بعد سن الثانية عشر؟
راينهارد إيروس: أنا لست مضطرًا لإقناعهم، بل على العكس تمامًا. يوجد في أفغانستن القليل جدًا من المدارس والمعلمين، ومع ذلك فالحاجة كبيرة إلى التعليم. ولذلك فقد اضطررنا أحيانًا خلال السنين الماضية إلى التدريس في ثلاث فترات دوام في اليوم في المدارس، وذلك لأنَّ عدد الأطفال كان كبيرًا جدًا. لقد أنفق الأمريكيون تقريبًا 1200 مليار دولار على الأمن في أفغانستان، ولكن تم استخدام ستة في المائة فقط من هذا المبلغ من أجل (إعادة) البناء المدني، مثل بناء المدارس والمستشفيات. هذه هي المشكلة الحقيقية.
أَلا تعتقد أنَّك تعمل على تجميل الوضع في ظلّ حكم طالبان عندما تُحمِّل الأمريكيين وحدهم المسؤولية عن كلِّ المعاناة والمصائب في أفغانستان؟
راينهارد إيروس: إذا أردتِ الاستمرار في طرح أسئلة كهذه، فمن الأفضل أن ننهي هذا الحوار.
سيكون هذا خسارة وأمرًا مؤسفًا. دعنا نتحدَّث حول الوضع في الجامعات. الكثيرون من المراقبين هنا في ألمانيا، وحتى من المواطنين الأفغان، يخشون من أنَّ المواد الدينية فقط سيتم تدريسها قريبًا في أفغانستان وأنَّ مواد العلوم الطبيعية أو التاريخ سيتحتَّم إلغاؤها تمامًا أو إعادة كتابتها كلها.
راينهارد إيروس: هذا هراء! توجد في جامعتنا الخاصة في ولاية لغمان ثلاث كليات: كلية الزراعة وكلية تكنولوجيا المعلومات وكلية التاريخ الأفغاني، وكلُّ شيء يسير بشكل طبيعي.
والجامعة يدرس فيها طلاب من كلا الجنسين. والآن، بعد عطلة الفصل الدراسي الصيفي، عادت نحو مائتي شابة إلى الجامعة.
وفي الجامعة الحكومية في جلال أباد، مركز ولاية ننگرهار، تُشكِّل النساء نحو خمسة وثلاثين في المائة من الطلبة المسجَّلين في كلية الطب. وبالمناسبة، خمسون منهن يحصلن على منحة دراسية منا.
إذا كانت الأمور تسير لديك بهذا الشكل الجيِّد، فماذا يستطيع الآخرون أن يتعلموا منك؟
راينهارد إيروس: لم تعد توجد في أفغانستان أية منظمات إغاثة غربية، فقد هربت جميعها بسبب الخوف الكبير. أنا أُشجِّع منظمات الإغاثة الألمانية على العودة أخيرًا ومواصلة عملها. طالبان لا يفعلون لهذه المنظمات أي شيء.
إنَّ شيطنة طالبان خطأ كارثي تمامًا مثل تمجيد الوجود الغربي في أفغانستان. لقد ساهم الغرب، الذي ضخ مليارات الدولارات في البلاد، في جعل أفغانستان - مثلما كتبت منظمة الشفافية الدولية - واحدة من أكثر الدول فسادًا في العالم.
حاورته: إليسا راينهايمر
ترجمة: رائد الباش
حقوق النشر: موقع قنطرة 2022