ترك كل شيء بكابول فكيف سيبني حياة ثالثة؟
في مشهد لا يصدق سيطر قادة طالبان على القصر الرئاسي في العاصمة الأفغانية، كابول في أغسطس / آب عام 2021، فيما انسحبت قوات التحالف الأمريكية بعد مرور عشرين عاماً من تواجدها بالبلاد.
أثناء سقوط الحكومة الأفغانية، حاول الكثير من المدنيين الفرار إلى الدول المجاورة، وكان رسام الكاريكاتير حسين رضائي على متن إحدى آخر الطائرات التي غادرت أفغانستان متوجهة إلى هولندا. قبل أيام قليلة، ومع تقدم حركة طالبان إلى العاصمة الأفغانية، بدأ رضائي برمي الكتب بشكل محموم، وإفراغ زجاجات الكحول وتحطيمها، ومحو أي شيء يمكن أن يضعه في خانة "المذنب" بنظر حركة طالبان. في ساعة متأخرة من إحدى الليالي، اتصل فريق الأزمة الهولندي - وكانت هذه فرصته للهروب.
أخذ بعض الملابس والجهاز اللوحي للرسم الخاص به وتوجه نحو المطار. يتذكر تلك الليلة قائلاً: "كانت الساعة العاشرة مساءً، وكان لدى طالبان نقاط تفتيش في جميع أنحاء المدينة، وتساءلت عما إذا كان من الخطر، أخذ جهازي اللوحي، لأنه يحتوي على جميع أعمالي الفنية وما إلى ذلك. ولكن بعد ذلك فكرت، لا. أنا بحاجة لأن أخذه معي". ولم يكن يعلم أن هذا الجهاز اللوحي للرسم، وهو أحد ممتلكاته الوحيدة المتبقية، سيلعب دوراً رئيسياً في إنقاذ حياته.
أفغاني في إيران
أمضى رضائي السنوات العشر الماضية في كابول، حيث بنى تدريجياً حياة ووظيفة هناك. أثناء نشأته في إيران، بالقرب من الحدود الأفغانية، كان رضائي يخشى دوماً من إجباره على العودة إلى البلاد التي لم يعرفها من قبل. "أتذكر حتى عندما كنت طفلاً في المدرسة، كنت أصلي من أجل ألا يطردوني".
هاجرت عائلته، التي تنتمي إلى أقلية الهزارة العرقية، إلى إيران منذ أكثر من أربعة عقود. يعيش الكثير من الأفغان في إيران، لأن طالبان لا تستطيع الوصول إليهم هناك، كما أن هناك المزيد من الفرص للعمل. ومع ذلك فهم يواجهون التمييز ويعيشون في كثير من الأحيان في مجتمعات منفصلة مع فرص قليلة وتهديد دائم بالترحيل.
أحب رضائي الفن وهو في المدرسة الثانوية، لكن أصدقائه وعائلته كانوا قلقين بشأن اختياره للفن كمهنة له. بعد حصوله على شهادة في الهندسة المعمارية، ومع قرب انتهاء صلاحية إقامته في إيران وعدم وجود طريقة قانونية للبقاء هناك، قرر رضائي العودة إلى كابول، التي كانت تعد في ذلك الوقت في فترة استقرار نسبي.
بناء أفغانستان جديدة
كان هناك شباب آخرون عادوا أيضاً، على أمل أن يكونوا جزءاً من بناء أفغانستان جديدة. بدأ التدريس في جامعة كابول، وأنشأ شركة وحصل على شقته الخاصة. "لقد ولدت وترعرعت في إيران، لكنني سرعان ما أدركت أنني غريب. عندما وصلت إلى أفغانستان، أدركت: "حسناً. هذا هو المكان الذي أنتمي إليه ".
لم تكن الحياة في كابول سهلة دائماً وكانت تختلف بشكل كلي عن الحياة في هولندا. هنا، يقول "لديهم الثقة الكافية و يثقون بما يكفي بالوضع الأمني في بلدهم، بحيث يمكنهم التخطيط لعشاء قبل شهر ونصف من موعده".
الكرتون التنفيس
عند عودته إلى كابول بدأ في رسم الرسوم الكاريكاتورية، كوسيلة للتعامل مع الواقع الذي شهده في أفغانستان. يقول إن "رسم شيء جميل بدا وكأنه "لا يكفي". وأضاف: "في أفغانستان أشعر أنني بحاجة إلى التحدث نيابة عن بعض الناس، أو ربما في بعض الأحيان يجب إطلاق العنان للكثير من المشاعر، وكانت هذه طريقة جيدة للقيام بذلك".
يصور فن حسين تعقيدات المجتمع الأفغاني، طلقات نارية تتطاير باتجاه جندي أفغاني، ملاعق تحاول أن تتغذى من طبق فارغ، طفل يهرب من قفص. "كنت بحاجة إلى إظهار ما كان يحدث، إذا كنت تريد أن تقول شيئا ما، فقل ذلك. ليس بالضرورة أن يكون جميلاً".
بسبب الوضع السياسي في أفغانستان، لم يتمكن من نشر رسوماته في الصحافة الوطنية. بدلاً من ذلك، نشر أعماله في الخارج، وفاز بجائزة التميز في مسابقة الكاريكاتور الدولية العاشرة في أورزيسيني رومانيا عام 2016، كما شارك في ملتقى القاهرة الدولي للكاريكاتور في عام 2018.
سقوط كابول
في يونيو/ حزيران ويوليو/ تموز من عام 2021 ، بدأ الناس مناقشة إمكانية تغيير الحكومة. بحلول أغسطس/ آب، بدأ رضائي في إغلاق وسائل التواصل الاجتماعي الخاصة به وحاول تقليل تواجده على الإنترنت وعمله المنشور بشكل أكبر. في غضون أيام، تحول الوضع إلى حالة طوارىء. لقد كانت بمثابة صدمة للشعب الأفغاني وللمجتمع الدولي. بمجرد أن استولت حركة طالبان على هرات، ثالث أكبر مدينة في أفغانستان، ازداد قلق رضائي بشكل أكبر.
كتب حسين رسالة بريد إلكتروني إلى جيرد روياردس، رئيس تحرير The Cartoon Movement - وهي منظمة دولية تمثل رسامي الكاريكاتير في جميع أنحاء العالم وتدعمهم - يسألهم عما إذا كانت هناك أي طريقة يمكنهم من خلالها مساعدته. أكثر ما كان يتوقعه حسين من رسالته الالكتروينة هو الحصول على الحصول على تأشيرة دخول إلى إيران، لكن ذلك لم يحدث. ليكون أمل حسين الثاني هو أمستردام. في يوم إرسال البريد الإلكتروني، اتخذ البرلمان الهولندي قراراً بالتساهل في سياسته المتعلقة بإجلاء الأفراد الذين ساعدوا الحكومة الهولندية. كان عمل حسين مع حركة الكاريكاتور ممولًا في السابق من قبل وزارة الخارجية الهولندية. هذا الأمر حسم موقف لدى الحكومة الهولندية.
تمكن روياردس من الاتصال بفريق الأزمة الهولندي، الذي اتصل بعد ذلك برضائي من أجل تنسيق عملية إجلائه من أفغانستان. في غضون أيام قليلة، كان حسين على قائمة الإجلاء وينتظر التعليمات في كابول.
ترك كل شيء خلفه
في المساء غادر متوجهاً إلى المطار، ولحسن الحظ لم يتم إيقافه عند أي نقاط تفتيش. بعد أن أمضى عدة ساعات في محاولة العثور على البوابة العسكرية الصحيحة في المطار، اضطر إلى تجاوز آلاف الأشخاص الذين تكدسوا في المنطقة أمام بوابة الرحلة المتوجهة نحو هولندا، وسُرق هاتفه أثناء ذلك. بأكثر من طريقة، كان جهازه اللوحي هو الذي أبقاه على قيد الحياة - بدل هاتفه كان قادراً على استخدام هذا الجهاز للتواصل مع فريق الأزمات الهولندي.
يصف رضائي المشهد في المطار بأنه فوضوي ومزعج للغاية. "كان الناس يمررون طفلاً فوق رؤوسهم لكن الطفل لم يبكِ. أعتقد أنه مات". ويضيف: "أردت رسم شيئاً بشأن ذلك". أمضى ساعات في المرور عبر الحشود للوصول إلى الجنود الهولنديين الذين تعرّفوا عليه لاحقاً بعد ذلك. فبعد أن فشل في جذب انتباههم، قفز إلى قناة الصرف الصحي. من هناك تمكن من الوصول إلى نقطة الالتقاء الصحيحة واقتاده الجنود."نزلنا جميعاً إلى الطابق السفلي وجلسنا في الظلام. كان هناك إطلاق نار في كل مكان من حولنا. لنشعر بخوف شديد". بعد يومين، وقع انفجار كبير وسط الحشود في المكان الذي كان يقف فيه رضائي. وعندما أقلعت الطائرة العسكرية، تذكر الرحلة بوضوح.
البدء من جديد
يعيش رضائي الآن في مخيم للاجئين في هولندا وقد بدأ حياة جديدة من الصفر. "بصراحة، لا يزال هذا حلما بالنسبة لي. لا أستطيع أن أصدق أني قبل أشهر حصلت على وظيفتي وشركتي وفي غضون أسبوع سيطرت طالبان على المدن الأربع الكبرى وانهار كل شيء. في غضون يومين أو ثلاثة أيام تم إجلائي من قبل الجيش الهولندي وأنا في هولندا الآن ".
مع مرور الوقت أصبح من الصعب نسيان ما فقده. "استغرق الأمر 10 سنوات من أجل بناء حياة في أفغانستان، صداقات، منزلي، حياتي المهنية، فجأة تغير كل شيء، والآن أنا هنا وتركت كل شيء خلفي".
"كيف يمكنني بناء حياتي للمرة الثالثة؟"، هكذا قال في حديثه لـ "مهاجر نيوز" بينما كان يركب العبارة إلى شمال أمستردام، محاطاً بالركاب الهولنديين ودراجاتهم. كما قال لاحقًا خلال مقابلته: "هل يمكنني أن أطلق على نفسي اسم رجل هولندي في المستقبل القريب، ربما بعد 10 سنوات من الآن. ربما لا. لا أعرف".
إن موضوع الشعور بالاقتلاع واضح جداً في فنه. "عندما أرسم الرسوم الكاريكاتورية، غالباً ما يتعلق الأمر بمشاعري. أشعر أنني رجل بلا وطن، ولا أشعر بالحب لهذه الأرض (هولندا)".
الحلم بـ "باميان"
مع ذلك، لا يزال لديه أمل. يخطط لدراسة الحفاظ على التراث المعماري حتى يتمكن من القيام بشيء ما من أجل تماثيل بوذا في مدينة باميان القديمة في أفغانستان و التي دمرها المتطرفون. "شعرت بالاتصال مع باميان ... لا أشعر بأشياء في قلبي، أشعر بها في معدتي. عندما غادرت أفغانستان شعرت أن معدتي فارغة".
مقاطعة باميان الواقعة وسط أفغانستان والتي تشتهر بتماثيل بوذا العملاقة المنحوتة في الصخر والتي تعود إلى القرن السادس. تعتبر التماثيل مركزية في ثقافة الهزارة، الذين على الرغم من كونهم أغلبية مسلمة، إلا أن لديهم أساطيرهم الخاصة فيما يتعلق بالتماثيل التي لا علاقة لها بالبوذية. بحسب الأسطورة المتداولة، فإن التماثيل تعود إلى عشيقين متقاطعين وهما صلصال وشهماما، اللذان انتهى حبهما بشكل مأساوي وظلا منفصلين إلى الأبد، محتجزين في الحجر، وينظران نحو وادي باميان. دمرت حركة طالبان هذه المعالم التاريخية في أوائل عام 2001.
في حين أنه قد يرسم صورة مزعجة للبلد الذي تركه خلفه، فإنه يصفها بأنها ممارسة شافية تسمح له بمعالجة المشاهد الصعبة التي شهدها. منذ وصوله، استمر أيضاً في الرسم على جهازه اللوحي - على الرغم من انتقاله عبر البلدان، إلا أن هذا لا يزال ثابتاً في حياته، كما يقول: "إذا لم أرسم لبضعة أسابيع أو أكثر، أشعر أنني فقدت جزءاً من نفسي".
نتاشا ميليرش
حقوق النشر: مهاجر نيوز 2022