اليقظة المتأخرة للنيويوركي عمر متين!
تلقي مقولة الشاعر الإنكليزي روديارد كبلنغ «الشرق شرق والغرب غرب ولن يلتقيا» بحمولة كثيفة من اليأس على أكتاف اللحظة الراهنة في أعقاب الحادث الإجرامي الذي حصل في ملهى ليلي في مدينة أورلاندو بولاية فلوريدا الأميركية.
ومن تأمّل وراقب ردود أفعال مستخدمي منصات التواصل الاجتماعي سيصيبه الإعياء، فحجم التضامن مع القاتل كبير، لأنه «وضع حداً للمعاصي»، و «علّم المثليين درساً لن ينسوه» و «أعاد للإسلام هيبته» و «انتصر للأخلاق ولفطرة الإنسان الطبيعية».
وإن تجرأ أحد وانتقد هذا الغثاء، ودافع عن الضحايا الذين قضوا غدراً في عمل جبان، فإنّ «أبو ذر العراقي» وهذا اسمه على حسابه على «تويتر» يردّ عليه: «كل من تعاطف ونافح عن الصليبيين المثليين الذين نفقوا في ملهى #اورلاندو... أبشركم بالحشر معهم يوم الدين. (يحشر المرء مع من أحب)».
ويستدعي الحادث، الذي نفّذ عن تخطيط مسبق ومحكم، ما ظنّ العالم أنه أضحى إرثاً من الماضي، أي الصراع الطاحن على أسس دينية، حيث إنّ المتشددين من جماعات الإرهاب الإسلاموية ومؤازريهم المتناسلين كالفطر البريّ، يرغبون في جرّ الحياة المدنيّة إلى قيعان الماضي، ويحنّون إلى أزمنة الكهوف، مدفوعين، بحقد مركّب بعقد اجتماعية ودينية وهلوسات نفسية، للانتقام من كل ما يخدش الصورة القابعة في الذهن لما ينبغي أن يكون عليه العالم.
مجتمعات شرقية أمام غرب علماني منفتح
الشرق ههنا يتجلى باعتباره موقف بعض الإسلاميين المتشدّدين في مقابل الغرب العلماني المنفتح على الفن والحضارة والتطور، والمتبني أفكاراً لا تتطابق مع نواميس التزمت الديني لدى بعض الجماعات المتشدّدة التي تحلم في إقامة دولة الخلافة الإسلامية بحدّ السيف!
لا التقاءَ أبداً بين هذين الفسطاطين، ولا تصالح أو حتى تقارب. هذا ما تثبته الوقائع التي كان آخرها، ونأمل أن يكون آخرها حقاً، حادث أورلاندو، وربما تحمل إلينا الأيام المقبلة ردوداً انتقامية من متزمتين دينيين على الضفة الأخرى من المشهد، لا سيما أن السُّعار الانتخابي في الولايات المتحدة الآن في أكثر محطاته اشتعالاً، ويتغذى كثيرون من أفكار الثأر، وتراودهم محركّات الانتقام بأن يردّوا الصاعَ صاعين، ما يعني مزيداً من النزف، ومزيداً من الضحايا الأبرياء الذين يذهبون وقوداً لهذه الحرب العبثية المجنونة.
هل اكتشف عمر متين، الأفغاني الأصل، المولود في نيويورك فجأة أن المثلية تخدش حياءه وحياء زوجته التي يضربها وأطفاله، وهو الذي، كما تفيد التقارير الإخبارية، كان يتردّد على الملهى ذاته الذي نفّذ فيه جريمته، وشوهد يحتسي الخمر أكثر من اثنتي عشرة مرة؟
هل يئس من الحياة، وحلم بـ «الحور العين» بغتة، فأعلن تأييده لمنظمات متطرفة طمعاً في حياة خُلّبية في عالم جَنّوي لا يفنى ولا يتبدّد؟
مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي (اف بي آي) جيمس كومي أعرب عن اقتناعه بأن متين، «اعتنق التطرف» عبر الإنترنت وتأثر بمنظمات متطرفة مختلفة، ولكن من دون أن تتولى «قيادته»، فماذا يعني ذلك سوى أنه «تسويغ» لم يقصده «كومي» لأن يتحوّل أي شخص إلى «متين» محتمل، ما دام أنّ كلّ ما يلزم لتكرار الجريمة متوفّر: الغرب الصليبي الكافر.
الأسلحة التي تباع وتشترى بسهولة المواد الغذائية. الترسانة الدينية المدجّجة بالنصوص التي تحض على قتال الكفار والمشركين «حيث ثقفتموهم». الجمهور المهلّل على وسائل التواصل الاجتماعي الذي يصف «متين» بأنه «شهيد» و»بطل». العطالة الفقهية التي لم تقوَ حتى اللحظة في التغلغل داخل دهاليز العقل الإسلامي وتحريرها من الأوهام. الكراهية المتفاقمة للحياة الغربية، والرغبة في الانقضاض عليها. النزعات الغربية المتغطرسة الرافضة لإدماج المسلمين في المجتمعات وإعادة تأهليهم بحيث يتقبّلون رؤية شخصين يقبّل أحدهما الآخر.
يتعيــّن تقديم تنازلات، من الطرفين اللذين لا يلتقيان، لمصلحة تغليب المبادئ الكلية على التفاصيل الجزئية، من دون الانتقاص من قيم الحرية، وتلك لعمري، معادلة صعبة وشائكة، لكنها علقم لا بد من تجرعه كيلا يقع الجميع في حفرة اليأس الذي لا قرار لها!
موسى برهومة
حقوق النشر: موقع قنطرة 2016
موسى برهومة كاتب وأكاديمي أردني.