الجاز منادياً بالحرية من سجن العبودية
شهدت ولاية نيو أورليانز ميلاد موسيقى الجاز، بعد إلغاء نظام الرق وتحرر "العبيد" الأفارقة عام 1863، والذي تبعه انتهاء الحرب الأهلية الأمريكية بعد عامين. وفي صالات الرقص الأوروبي التي اشتهرت بها الولاية، اختلطت الموسيقى الأوروبية بتلك الألحان الأفريقية التي توارثها "العبيد"، وسبق أن رددوها أثناء عملهم في حقول القطن وفي ليالي السمر.
كما امتزجت بألحان المعاناة التي تصور ما تحملوه من ألم العبودية، والتي ظهر بها تأثر الأفارقة بتراتيل الكنائس وموسيقى البلوز. وأخذت النساء أيضاً يعزفن على آلات الجاز الموسيقية مطلع عام 1920.
الانتقال إلى شيكاغو
بدأ الموسيقيون ينافسون "البيض"، فانتقلت زعامة موسيقى الجاز إلى ولاية شيكاغو، بعد أن طوروا نوعاً من الجاز عرف باسم: "ديكسي لاند"، وتم استخدامه في الأفلام السينمائية والأسطوانات أثناء الحرب العالمية الأولى.
الستينيات ونقطة التحول
مر الجاز بتطورات عديدة من مضاعفة عدد العازفين والتقليل من فواصل الارتجال وتحريك أرجل الراقصين، واستخدام الإيقاع البطيء لتقوية التعبير العاطفي، إلى أن بلغ ذروة مجده في الستينيات مع أشخاص مثل عازف البيانو Cecil Taylor، وعازف الساكسفون John Coltrane وعازف الترومبات
Dizzy Gillespie. كما ساعد ظهور التليفزيون على انتشاره، وغلب الطابع المحلي على الجاز في بلاد مختلفة، أبرزها الجاز اللاتيني والياباني والشرقي.
أما أشهر الأسماء اللامعة في الجاز، فهم Louis Armstrong وFrank Sinatra و Duke Ellington وNina Simone والفرنسي Charles Aznavour.
كما أن هناك العديد من الأفلام السينمائية التي ركزت على موسيقى الجاز، بينها (The Jazz Singer 1927) و(Breathless 1960) و (Chicago 2002)، و Whiplash 2015)، وأخيراً ( (La La Land 2016.
الأمريكي Lloyd Miller من أوائل من عزفوا الجاز الشرقي في فترة الستينيات والسبعينيات من القرن العشرين، وهو صاحب أسطوانة: A Lifetime in Oriental Jazz.
يحيى خليل
وشهد العالم العربي تجارب مختلفة للجاز، منها تلك التي تبناها الأب الروحي للجاز الشرقي، يحيى خليل، الذي كون أول فرقة لعزف الجاز في تاريخ مصر باسم "كايرو جاز كوارتيت"، عندما كان عمره 14 عاماً.
وحققت الفرقة نجاحاً كبيراً، ليسافر يحيى بعدها إلى أمريكا من أجل الدراسة، ويتعلم على أيدي عمالقة الجاز، وعزف في أكثر من عشرين دولة.
إلى جانب فتحي سلامة، عازف البيانو ومؤسس فرقة شرقيات المصرية، التي تقدم الجاز بلون عربي، من خلال عزف المقامات الراقصة، تدمج بين الفولكلور والجاز، ومن أشهر ألبوماتها: "رقص الجمل"، الذي صنف كأحد أفضل الألبومات في Top World.
كما اشتهرت من مصر فرقة افتكاسات بموسيقاها التي تجمع بين الجاز والمزيكا المصرية والصوفية.
يقول الشاعر خليل عز الدين إن في مصر بعد حرب 1973، وتحديداً من عام 1974 حتى منتصف الثمانينيات، خاضت الفرق المصرية المستقلة تجربة موازية، وأهمها فرقة Les Petit Chats، التي عزف عمر خيرت فيها على الدرامز، وعزت أبو عوف على الأورغ. وتعتبر أعمال تلك الفرقة من أهم تجارب الجاز.
ولكن لم تلق تلك التجربة نجاحاً في المجتمع المصري المائل للاستهلاكية بطبعه، ويرغب في سماع ما يعبر عنه، فاقتصر نجاح أغاني الفرقة على دائرة المجتمع الارستقراطي فقط، خصوصاً مع رواج أغاني نجم الأغنية الشعبية أحمد عدوية التي لاقت إعجاباً كبيراً من قبل جميع طبقات المجتمع.
ويضيف عز الدين أن تامر كروان أحيا تجربة الجاز مجدداً في أول الألفية الثالثة، من خلال الموسيقى التصويرية والأغاني في أفلامه السينمائية؛ مثل "الحياة لو لعبة" للشيخ زين محمود من فيلم "جنينة الأسماك"، إنتاج عام 2008.
وبخلاف ذلك، يرى عز الدين أن تجربة الجاز في الأفلام السينمائية المصرية قليلة للغاية، منها فيلم "ليه خلتني أحبك"، إنتاج عام 2000.
بالإضافة إلى محمد عدوية، الذي أصدر ألبومين: "من كلمتين" و"الطيب أحسن" على طريقة الجاز.
أما عن أهم تجربة لموسيقى الجاز في العالم العربي كما يراها عز الدين، فكانت لزياد الرحباني الذي تعاون مع مغنّين لبنانيين في أكثر من ألبوم، بينهم سلمى مصفي ورشا رزق وجوزيف صقر، ليصبح الهدف الأكبر من الجاز هو المواطنة والإخاء. واتضح ذلك في أغاني مثل "بصراحة" و"حضرتنا من الرأي العام"، و"دورها دور".
ويضيف عز الدين أنه عقب الحرب اللبنانية، في أواخر السبعينيات وأوائل الثمانينات، كان الجاز الشرقي من أكثر أنواع الموسيقى المقبولة في الوسط اللبناني لأنه مجتمع منفتح على العالم الخارجي. كما كان للجاز محبوه في لبنان، ما ساعده على الاستمرار.
نأتي إلى مؤلف جاز لبناني آخر، عازف الساكسفون توفيق فروخ، وهو اشتهر بمزج موسيقى الطرب العربية بموسيقى الجاز.
وفي سوريا، تعد لينا شاماميان من أبرز مغنيات الجاز، وصدر لها ثلاثة ألبومات هي: "هالأسمر اللون" و"شامات" و"غزل البنات".
وفي السودان، لمع اسم "أميرة خير" الشهيرة بـ"ديفا الصحراء السودانية"، وهي التي قدمت أسلوباً مميزاً لموسيقى الجاز السودانية، يغلب عليه الشجن والميلودراما الصحراوية، والموسيقى الصوفية.
أما في المغرب، فاستطاعت مليكة زارا أن تحقق نجاحاً كبيراً من خلال دمج موسيقى الكناوة الأفريقية مع موسيقى الأمازيع، والموسيقى الشعبية المغربية مع الجاز.
أماني عماد
حقوق النشر: رصيف 22 – 2017