الحلم بالحرية في سوريا
في شهر آذار/مارس 2011 اجتاح "تسونامي من الغضب" أجزاء كبيرة من العالم العربي: في تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا يحتج الشباب في شوارع المدن الرئيسية في بلادهم، متحدِّين النظام. انضمّ إليهم يوسف -الذي يمثّلُ المؤلفَ في الرواية- في دمشق محتجاً في المظاهرات ضدّ نظام الأسد.
ويوسف -طالب في دمشق- ليس متعصباً بل إنه شابٌ مثقّف يسمح لنفسه بالانجراف وراء الاضطرابات العامة، وفي الوقت ذاته كان حذراً بما يكفي لينقل منزله إلى مدينة حمص الأصغر حين اندلعت الحرب الأهلية. ومنذ ذلك الحين كان يتنقّلُ بين المدينتين ويجتمع سراً بأعضاء مجموعة من النشطاء.
نتعرّف على بعض هؤلاء النشطاء في الرواية. جوزفين -على سبيل المثال- مؤسِّسة المجموعة "ضو"، اختارت اسمها بسبب إعجابها بالراقصة والمغنية والممثلة الأمريكية جوزفين بيكر. لا أحد يعرف اسمها الحقيقي. وهي روح المجموعة. بالنسبة لجوزفين من الطبيعي جداً أن تفتح منزلها لأعضاء المجموعة وتمنحهم مكاناً للقاء والنوم.
بينما خليل عضو نشط للغاية في المجموعة تتحوّل شجاعته أحياناً إلى تهوّر ومجازفة. ويبدو مُقتنِعاً بأنه يمكن التغلّب على النظام. كما يعتقد أنّ الثورةَ ستنتصرُ ويتخيّلُ "جنوداً يفرّون ويبنون جيشاً جديداً لدعم الثورة".
ورغم انتقاله إلى ما يفترضُ أنّه شقة آمنة في ضواحي دمشق تعثرُ عليه المخابرات وتعتقله.
الرغبة في الحرية الشخصية أيضاً
جوزفين أكثر واقعيةً وأفضل في تقييم الوضع كذلك. تقول: "يكرهنا الإسلاميون لأننا علمانيون، ويكرهنا النظامُ لأننا ثوّار، ويكرهنا السياسيون لأنّنا صادقون".
"إنّهم يسموننا خونة وكفاراً وزنادقة لأنهم لا يعرفون إلى الآن معنى أن تكون حُرَّاً".
ولا تقتصرُ هذه الرغبة في الحرية على الإصلاحات السياسية فحسب، بل تتعلّقُ كذلك باختيار الشريك الجنسي، مثل الحب بين رجلين، لا يمكنهما الالتقاء إلا من وقت لآخر، أو إرسال رسائل بريد إلكتروني لبعضهما.
والمقاطعُ التي تتحدث عن محمد ويوسف (الذي تربطه علاقة وثيقة مع جوزفين كذلك) هي من أكثر أجزاء الرواية تأثيراً عاطفياً.
يديرُ محمد متجراً للملابس في دمشق وهو متزوج، ولكن زواجه صوري ومجرد خدعة لإسعاد والديه، بينما يوسف هو شغفه الوحيد الذي يتوقُ شوقاً إليه، حتى أنه يقترب أحياناً بشكل خطير من التخلّي عن كل الحذر من أجله. في بعض الأحيان يخشى القرّاءُ أن تكتشف الدولةُ أو القوى الإسلامية علاقتهما الغرامية، مما يمكن أن يؤدي إلى عقاب شديد وسجن.
بشكل عام يخلقُ الطابعُ السياسي للرواية حاجزاً معيَّناً للأبطال، مما يعني أنّه لن يتسنّى للقرّاء معرفتهم بشكل جيد كأفراد. غير أنّ المقاطع التي تدور حول العلاقة بين محمد ويوسف هي الاستثناء الوحيد من هذه القاعدة.
جسر للديمقراطية؟
تتخلّلُ الرواية تفاصيل مثيرة للاهتمام. على سبيل المثال نعرف أنه حين كان يوسف صبياً كان مولعاً بارتداء ملابس والدته وشقيقاته والتقاط صورته.
بينما محمد -من الناحية الأخرى- لا يحب الأشخاص الذين يرتدون النظارات الشمسية: "لا يعرف ما الذي ينظرون إليه أو حقيقة مشاعرهم ونواياهم. تمنحه النظارات انطباعاً بأنه يتعامل مع شبح". تُخفِّفُ مثل هذه الملاحظات العرضية من الأجواء الواقعية الرصينة التي تسودُ النصَّ، وتجعلُ القرّاء على معرفةٍ بمشاعر الشخصيات الرئيسية.
في منتصف الرواية تقريباً تأخذ الأحداث منعطفاً دراماتيكياً: تطلق الشرطةُ النارَ على أحد الأصدقاء في الشارع بدون سبب وجيه. ومع تقدّم القصةِ، يتّضح بشكل متزايد أنّ المخابرات تُضيِّقُ الخناق على النشطاء. يُعتقل أشخاص، ويُعذّبون في السجن، وهي مشاهد موصوفة بوضوحٍ وصراحةٍ في الرواية.
يزداد الجو قتامةً بين الأبطال بصورة كبيرة. ويتلاشى بسرعة الأمل في حركتهم، ويخشون أن يُقبض عليهم في أي وقت: "إنهم يقبضون علينا، واحداً تلو الآخر، مثل الأرانب، ولن يتوقفوا قبل أن يمسكوا آخر واحد فينا!".
في هذا الوضع من المهم للغاية عدم اليأس والتركيز على الإيجابيات، كما يفعل محمد حين يشاهد زوجين مسنين يعامل بعضهما البعض بحنان: "يعيد أشخاص مثلهم إيماني بالمستقبل. نحن أحياء، على الرغم من الخراب الذي يحيط بنا".
إنها رواية مؤلمة، ولكنها مُشوِّقة كذلك، ترفضُ التخلّي عن الأمل اليائس في أنّ الجيل الحالي سيكون "جسراً" يمكن للجيل القادم عبوره "للوصول إلى ... الديمقراطية".
ترجمة: يسرى مرعي
حقوق النشر: موقع قنطرة 2023
عمر يوسف سليمان، "السوري الأخير"، نُشِرت بالفرنسية من قِبَل دار نشر فلاماريون، وتُرجِمت للألمانية من قِبَل دار النشر لينوس.