تحرير التفسيرات القرآنية من قفص التأثر بالعادات الثقافية
السيدة مها القيسي فريموت، كيف تنظرين إلى وظيفتك في جامعة ألمانية كباحثة مسلمة في الفقه الإسلامي؟
مها القيسي فريموت: نحن لدينا بفضل توفر وظائف جديدة في ألمانيا للأساتذة الجامعيين المتخصصين في تدريس الفقه وأصول الدين الإسلامي فرصة كبيرة من أجل تأسيس إسلام بتوجهات إصلاحية. وبطبيعة الحال هذا ليس مشروعًا جديدًا ونحن لا نريد أيضًا وضع أسس الإسلام المعيارية من جديد. ولكننا في أمس الحاجة اليوم إلى إصلاح في داخل الإسلام، بغية تمكين الإسلام من التعبير عن ذاته في عالمنا المعاصر بكلّ مشكلاته الراهنة.
ماذا تقصدين بذلك؟
مها القيسي فريموت: أقصد بإصلاح الإسلام عملية مشابهة لعملية الإصلاح التي شهدتها الديانة المسيحية. وعلى هذا النحو نفهم عملنا العلمي في قسم الدراسات الإسلامية DIRS في جامعة إيرلانغن. كما أنَّنا لا نرفض ما كتبه العلماء، أي الفقهاء التقليديين، على مرّ قرون من الزمن حول القرآن الكريم والإسلام، بيد أنَّنا بالإضافة إلى ذلك نحاول التفكير وصياغة مقولات جديدة ملائمة لعصرنا هذا.
بإمكاننا الاستشهاد في ذلك بعملية بدأت في الدول الإسلامية منذ مطلع القرن العشرين. لقد مضى الكثيرون من علماء الدين والمفكرين الإسلاميين بكلّ قوة وعزم في هذا الاتّجاه من قبل - مثل المفكرين الإسلاميين الإيرانيين علي شريعتي وعبد الكريم سروش، وكذلك نصر حامد أبو زيد في مصر، ومحمد أركون ضمن السياق الأوروبي، بالإضافة إلى فريد إسحق في جنوب أفريقيا. وجميعهم -وكذلك الكثيرون من المفكرين المسلمين الآخرين- يحاولون إيجاد فهم جديد للإسلام وصياغته من جديد. وهم يعالجون في ذلك محاور مختلفة، ويمثّل وضع المرأة في الإسلام جزءًا من محور أبحاثي.
ما هو المسلك الذي تسلكينه في أبحاثك؟
مها القيسي فريموت: سؤالي هو: كيف يمكننا اليوم فهم مكانة المرأة في الإسلام نظرًا إلى المقولات المتناقضة في القرآن. وكيف يمكننا التعامل مع الآيات المعقّدة، من دون رفضها، بل من خلال تفسيرنا إياها بصورة مفهومة لعصرنا الحاضر. على سبيل المثال، الآية الثالثة من سورة النساء: "وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُوا فِي اليَتَامَى فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ". فالقرآن يتحدّث هنا ضمن سياق القرن السابع الميلادي، عندما كانت العلاقات بين الجنسين مختلفة تمام الاختلاف عما هي عليه في يومنا هذا. يجب علينا احترام هذه المقولات، ولكن كيف نستطيع جعلها لا تحدّ من فرص المرأة في يومنا هذا؟
ولكن هناك بعض المقولات التي لم تعد ببساطة مقبولة في وقتنا الحاضر؟
مها القيسي فريموت: يمكننا أن نجعل النص نفسه يتحدّث بمدلول مختلف. يحاول العديد من الباحثات والباحثين في مجال الفقه الإسلامي النسوي التفكير بهذه الطريقة حول القرآن. على سبيل المثال من خلال النظر عن كثب إلى السياق التاريخي. لقد أُنزل القرآن في حقبة التحوّل من المجتمع الأمومي إلى المجتمع الأبوي. وفي فترة ما قبل الإسلام كان الناس في مكة يعبدون آلهة مؤنثة أيضًا، وحتى أنَّ الآلهة الرئيسية كانت مؤنثة. وهذا يدل على أنَّ التقاليد القديمة في مكة كانت وبكلّ تأكيد أمومية. ولكن كانت توجد أيضًا في شبه الجزيرة العربية قبائل تغلب عليها الطبيعة الأبوية، تمكّنت بشكل تدريجي من فرض إرادتها، وذلك لأنَّها استطاعت الحفاظ على مكانتها القوية في التجارة.
ماذا يعني هذا بالنسبة لفهم القرآن الكريم فهمًا معاصرًا في يومنا هذا؟
مها القيسي فريموت: هذا يُفسّر سبب تأرجح القرآن الكريم بين النزعات الأمومية والنزعات الأبوية. على سبيل المثال: لقد تزوّج النبي من عدة نساء. ومن المعروف أنَّ زوجات النبي كن يشاركن مشاركة فعّالة للغاية وبنشاط في بناء المجتمع الإسلامي. وعندما وصل النبي وأصحابه إلى المدينة المنورة، التي كان يغلب عليها الطابع الأبوي، كانت توجد هناك أصوات قوية، طالبت ببقاء زوجات النبي في الخلفية. لقد انعكس ذلك في آيات القرآن الكريم، على سبيل المثال في الآية الثالثة والخمسين من سورة الأحزاب. وفي هذه الآية يدور الحديث حول تصرف المؤمنين داخل بيوت النبي. ويرد في نهاية هذه الآية: "وَإِذَا سَألـْتُمُوهُنَّ (أي نساء النبي) مَتَاعًا فَاسْألـُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ".
هل تتمتّع هذه الآية بأهمية محورية من أجل المطالبة بفرض الحجاب على النساء وتعاملهن بتحفّظ في الأماكن العامة؟
مها القيسي فريموت: غالبًا ما يتم فهم هذه الآية بمعنى أنَّ النساء يجب أن يغطين أنفسهن بالنقاب. ولكن علاوة على ذلك توجد آيات، مثلما هي الحال في الآيات 28 إلى 31 من سورة النساء، يتحدّث فيها القرآن الكريم حول نساء يكسبن المال ويعتبرن متساويات مع الرجل. وعندما يقارن المرء هذه الآيات ببعضها، سيقول: ما هذا التناقض! ومن أجل فهم ذلك، يجب على المرء معرفة السياق. وهذا بحث جيد.
وكيف يمكن حلّ هذه التناقضات؟
مها القيسي فريموت: يجب على المرء في البداية أن يحدّد إن كانت هذه الأحكام أصلاً من القرآن الكريم بالذات أو من أحد المفسّرين المتأثرين في العادة بثقافتهم الخاصة. إذا كان أصل هذا التقييم من أحد المفسّرين، فعندئذ يجب على المرء أن ينظر إلى سياق هذه الآية. وأن يتساءل: هل يتعلق الأمر بتقييم أساسي؟ أم أنَّه يشير إلى حالة محدّدة؟
يدور الحديث في الآية الثالثة والخمسين من سورة الأحزاب حول كيفية تصرف المؤمنين عندما تتم دعوتهم إلى الطعام لدى النبي. وبالنسبة لي فإنَّ هذه الآية لا تحتوي على أي حكم حول سلوك النساء، بل تحتوي على إرشادات للضيوف وأدب الضيافة. لقد كانت أسباب نزول هذه الآية بدء اندماج قبائل مختلفة ذات تقاليد وآداب ضيافة متباينة في داخل المجتمع الإسلامي.
هل يعتبر هذا الشكل من الفقه الإسلامي ممكنًا فقط في الغرب الآن؟
مها القيسي فريموت: في معظم بلدان العالم الإسلامي، باستثناء تركيا، يعتبر هذا النوع من الفقه في الوقت الراهن أمرًا صعبًا. ولكن يوجد عدد لا يستهان به من العلماء المسلمين التقدّميين، على سبيل المثال، في إيران والمغرب، يستندون إلى المدارس العقلانية في الإسلام. وهناك أدلة كثيرة لا يستهان بها حول ذلك في التقاليد الإسلامية. وهي كذلك مهمة بالنسبة لنا، بيد أنَّها ليست نهاية النقاش. فنحن نعمل على تطوير هذه التقاليد، ونرجع إلى الآراء التي قيلت في السابق ونناقشها من جديد.
بمَنْ تقتدين ومَنْ تعتبرين قدوتك الشخصية؟
مها القيسي فريموت: تعتبر، بالنسبة لي، على سبيل المثال باحثة الدين الإسلامي في المجال النسوي ليلى أحمد -المولودة في القاهرة والتي تُدرِّس في الولايات المتّحدة الأمريكية- شخصية مهمة. وهي تهتم خاصة بموضوعات الجنسين. نحن نريد في جامعة إيرلانغن دعم مختلف أشكال الإسلام الإصلاحي. ولكن من الممكن أن تأتي هذه المناهج الجديدة من المدارس التقليدية أو العقلانية أيضًا. إذ إنَّ تاريخنا الأكاديمي الطويل غني جدًا بمختلف الاتّجاهات والمذاهب الفقهية.
حاورتها: كلاوديا مينده
ترجمة: رائد الباش
حقوق النشر: موقع قنطرة 2015 ar.qantara.de
تعمل الأستاذة مها القيسي فريموت منذ عام 2012 مدرسة جامعية في قسم الدراسات الإسلامية في جامعة إيرلانغن نورمبرغ الألمانية.