ضدّ سخرية واستهتار سياسة التصعيد

تم في إسرائيل تنظيم احتجاجات على العمليات الحربية التي يقوم بها الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة. ويبدو أنَّ الحرَّاس القدماء في حركة السلام الآن باتوا منهكي القوى، ولكن يخرج الآن جيل جديد من نشطاء السلام. يوسف كرواتورو يرصد ملامح هذه المظاهر الاحتجاجية.

لقد احتاج معارضو الحرب في إسرائيل لعدّة أيَّام من أجل الخروج إلى الشوارع محتجين على العمليات العسكرية التي يقوم بها الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة. وأقيم أول نشاط احتجاجي في السابع والعشرين من شهر كانون الأول/ديسمبر في يافا التي تعتبر الحي العربي في تل أبيب. ولكن كان المشاركون في هذه المظاهرة قليلي العدد، كما أنَّها لم تكد تلفت الانتباه. وكذلك أقيمت المظاهرة الثانية قبل أربعة أيَّام بشكل خاص من قبل أشخاص عرب إسرائيليين.

ودعا إلى ذلك الاحتجاج رئيس بلدية مدينة سخنين العربية، وفي هذه المرَّة كان الجزء الأكبر من الذين استجابوا لهذه الدعوة من المواطنين العرب. ويقدَّر عدد المشاركين في هذه الفعالية الاحتجاجية بأكثر من مائة ألف مواطن إسرائيلي عربي ينتمون لجميع المعسكرات السياسية. وكذلك نقلت قناة "الجزيرة" العربية الدولية هذه المظاهرة الشعبية الحاشدة التي تم فيها وصف الحكومة الإسرائيلية بأنَّها إرهابية ومتعطِّشة لسفك الدماء - وحتى أنَّه تم نقل ذلك نقلاً حيًا.

مظاهرة معادية لمظاهرة السلام

وأقيمت مظاهرة أخرى متواضعة في مساء يوم السبت الماضي في ساحة رابين المركزية في تل أبيب. وكان معظم معارضي الحرب الذين بلغ عددهم نحو ألف شخص خرجوا في هذه المظاهرة من الإسرائيليين اليهود المحسوبين على الأوساط اليسارية. ولكن لقد تحتَّم عليهم تقاسم هذه الساحة مع متظاهرين يهود معادين لمظاهرة السلام من المعسكر اليميني، جاءوا أيضًا بنية إيقاف المظاهرة المعارضة للحرب والتي أقامها اليساريون.

وتمركزت الشرطة الإسرائيلية بين كلا المجموعتين. وقد حضَّر اليساريون نشاطهم تحضيرًا جيدًا؛ حيث ظهر نصفهم حاملين أعلامًا إسرائيلية وحمل نصفهم الآخر أعلامًا فلسطينية، وذلك لكي لا يثيرون منذ بداية مظاهرتهم انطباعًا بأنَّهم يؤيِّدون فقط الفلسطينيين. غير أنَّ رجال الشرطة اعتقدوا أنَّ جميع حاملي الأعلام الإسرائيلية هم من المتظاهرين اليمينيين ولذلك لم يدعوهم يعبرون. وهكذا أقيمت في آخر المطاف المظاهرة المعارضة للحرب تقريبًا فقط تحت الراية الفلسطينية - ولكن لم يكن أي من المتظاهرين يريد ذلك.

تبلور حركة سلام جديدة

وكان المحرِّك لهذه الفعالية المعارضة للحرب والتي لا تمتّ بشيء إلى حركة السلام الآن الإسرائيلية التي بدأ نجمها منذ فترة طويلة بالزوال من المثقَّفين الشباب الذين ينتسبون إلى أوساط بعض الصحف والمجلات اليسارية التي تعتبر توجهاتها أحيانًا اشتراكية وأحيانًا مؤيِّدة للفلسطينيين.

ودعت أسر تحرير هذه الصحف والمجلات قبل قيام هذه المظاهرة على شبكة الإنترنت إلى تقديم آراء فنية ضدّ العمليات العسكرية الإسرائيلية - وحصلت على فيض من الأجوبة. وصدرت الآن مختارات من هذه المساهمات في كرَّاسة تمت طباعتها في آخر الأمر في مطبعة عربية وذلك بسبب امتناع المطابع في تل أبيب عن طباعتها. وهذه الكرَّاسة تحمل عنوان "أخرجوا" - أي أنَّ عنوانها جاء كنداء لا يمكن إساءة فهمه موجَّه إلى الجيش الإسرائيلي لكي ينسحب من قطاع غزة.

من أجل إنهاء سفك الدماء

وعلى الرغم من أنَّه يتم في مقدِّمة هذه الكرَّاسة اتِّهام المسؤولين بالسخرية والاستهتار وجنون السلطة وأنَّ هذا يعكس بوضوح الموقف المنقسم من العمليات العسكرية في داخل إسرائيل اليهودية. إلاَّ أنَّ مؤلفي الكرَّاسة ينتقدون بكلِّ شدة في الوقت نفسه أيضًا "تضحية" المواطنين اليهود الذين يصابون أيضًا بآثار الحرب في جنوب إسرائيل.

ويطالب مؤلفو الكرَّاسة بإنهاء هذه المذبحة والقتل، كما أنَّهم يدعون كلا الطرفين إلى التفاوض من أجل التوصّل إلى هدنة. ويبلغ مجموع مساهمات اليهود في هذه الكراسة سبعًا وستين مساهمة ولكن لقد جمعت فيها مساهمات من بعض الفنانين العرب، كما أنَّ نحو ثلثي مساهماتهم قصائد.

منطق الحرب الساخر

وعلى سبيل المثال قام الرسام إدو بار إيل Ido Bar-El بتخصيص ورقة بيضاء بكاملها فقط لكلمة "هدنة"، وتمت طباعتها بحجم عادي لكي يكون تأثيرها أكثر دويًا. وفي قصيدة للشاعر العربي الإسرائيلي سلمان مصالحة تدوس دبابة إسرائيلية على أحلام بنت فلسطينية. وتكشف الإسرائيلية تسيلا كاتس Zeela Katz في قصيدتها عن منطق الحرب الساخر، وذلك من خلال وصفها الكاريكاتوري لحساب عدد ضحايا الجيش ووسائل الإعلام.

وزميلتها الشاعرة أوسنات سكوفلينسكي Osnat Skovlinski تخلق شرق أوسط جديد لا تستخدم فيه الأنفاق لصالح قيادة الحرب، بل لصالح أطفال الشعبين كباحات مشتركة من أجل اللعب. وتمت في مظاهرة احتجاجية أخرى أقيمت في تل أبيب قراءة هذه المختارات الشعرية المعارضة للحرب والتي كتبت عنها على كلِّ حال بعض الصحف الإسرائيلية. وأقيمت هذه الفعالية أمام عمارة عالية يسكن فيها وزير الدفاع الإسرائيلي إيهود براك. ويبقى من المشكوك فيه إن كان قد شغل باله بذلك.

يوسف كرواتورو
ترجمة: رائد الباش
حقوق الطبع: قنطرة 2009

ولد الدكتور يوسف كرواتورو عام 1960 في حيفا ويعتبر خبيرًا بشؤون الإسلام السياسي. وبدأ العمل منذ عام 1988 صحفيًا حرًا في إسرائيل، ومنذ عام 1992 لصالح صحف ألمانية. وصدر له في عام 2007 كتاب "حماس - الكفاح الإسلامي من أجل فلسطين"، عن دار نشر C. H. Beck.

قنطرة

المواجهة العسكرية في قطاع غزة
طريق السلام يمر عبر القدس
يرى الخبير المعروف في الشؤون الشرق أوسطية البروفيسور فولكر بيرتيس أن المواجهة العسكرية في قطاع غزة تؤكد مرة أخرى أنه لا يمكن إضعاف حركة حماس وتقليل نفوذ إيران المتصاعد في المنطقة إلا بقيام دولة فلسطينية مستقلة تملك مقومات الحياة.

التصعيد العسكري في قطاع غزة
مطلوب تحرك دولي لوقف دوامة العنف
يرى خبير الشؤون الشرق الأوسطية بيتر فيليب أن على المجتمع الدولي عدم الاكتفاء بالكلمات والشعارات الرنانة، بل العمل على وضع حد للتصعيد العسكري بين الفلسطينيين والإسرائيليين، خاصة وأن طرفي الصراع يكرران أخطاء ارتكبت أكثر من مرة.

حوار مع فولكر بيرتيس:
رياح السلام رياح السلام تهب على الشرق الأوسط
الانفراج في الأزمة اللبنانية من خلال التوافق على رئيس والعمل على تشكيل حكومة جديدة والإعلان عن انطلاق مفاوضات غير مباشرة بين إسرائيل وسوريا برعاية تركية يحمل إشارات إيجابية لمنطقة الشرق الأوسط. عبد الرحمن عثمان حاور فولكر بيرتيس، مدير المعهد الألماني للدراسات الدولية والأمنية حول هذه المزاج الجديد في الشرق الأوسط.