حاجة إلى تعاطف غير منقوص مع كل الضحايا
بقيَتْ الصدمة من هجوم حماس عميقة بعد أن اخترق مقاتلوها في فجر يوم السبت السابع من تشرين الأوَّل/أكتوبر 2023 الحدود الإسرائيلية مع قطاع غزة وقتلوا أكثر من ألف وأربعمائة شخص - جنودًا ومدنيين ومنهم مئات الأشخاص كانوا حاضرين في مهرجان موسيقي وكذلك سكَّان بلدات ومناطق مجاورة.
وكان من بين الضحايا عائلات بأكملها والعديد من النساء والأطفال وحتى الأطفال الرضَّع. وأخذ الإرهابيون أكثر من مائتي شخص كرهائن واختطفوهم إلى داخل قطاع غزة. وحتى الآن أُفرج عن أربعة منهم. ويوجد من بين الرهائن العديد من الشباب الذين توجد لديهم علاقات عائلية فيجميع أنحاء العالم. ومن الممكن أن يكون من بينهم أصدقاء أو أقارب لنا - هذا ما يُفكِّر ويشعر به في ألمانيا الكثيرون، وأنا أيضًا.
وهذا العمل يجب وصف بأنَّه إرهابًا لأنَّه ينشر الخوف والرعب، كما أنَّ اقتراف قتل جماعي بحقّ المدنيين يعتبر جريمة حرب. وحتى مَنْ يعتقد أنَّ للفلسطينيين الحقَّ في مقاومة قمعهم المتواصل - يجب عليه أيضًا الاعتراف بذلك. وذلك لأنَّ قواعد القانون الدولي تنطبق أيضًا على المقاومة.
ولكن حتى أولئك الذين يجب عليهم الردّ على مثل هذا الإرهاب يجب عليهم أيضًا الالتزام بهذه القواعد. ويجب على الحكومات أن تتعامل بشكلمتناسب. ومع ذلك لا بدّ من الشكّ في اِلتزم الحكومة الإسرائيلية بذلك. فبعد أقل من يومين من هجوم حماس، أعلن وزير الدفاع الإسرائيلي يوآفغالانت عن فرض حصار شامل على قطاع غزة - "لا كهرباء ولا غذاء ولا ماء ولا بنزين".
عقاب جماعي للناس في غزة
وقال مبرِّرًا هذا الإجراء إنَّ بلاده تحارب "حيوانات بشرية". وهذه لغة خطيرة كما أنَّ الحصار الشامل (الذي خفَّفته الضغوط الأمريكية بشكل جزئي فقط) يعتبر بمثابة عقاب جماعي لأهالي غزة.
ألقى الجيش الإسرائيلي في الأسبوع الأوَّل من هذه الحرب - بحسب بياناته - أكثر من ستة آلاف قنبلة على غزة، علمًا بأنَّ هذا العدد أكثر بكثير مما قصف به غزة في السابق خلال مثل هذه الفترة القصيرة، ودمَّر أماكن منها حي الرمال التجاري الذي يُعَدُّ قلب غزة. فقد كانت توجد فيه مراكز تسوُّق ومقرَّات الوزارات ومكاتب وسائل الإعلام الدولية ومنظمات الإغاثة؛ أمَّا الآن فقد أصبحت هذه المنطقة أشبه بمنظر من القمر.
ومنذ الهجمات الإسرائيلية، قُتل -بحسب مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية- أكثر من خمسة آلاف شخص (حتى الرابع والعشرين من تشرين الأوَّل/أكتوبر)، من بينهم 2360 طفلًا ومراهقًا - وذلك بحسب منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)، وهذا العدد أكبر من عدد الأشخاص الذين قتلوا خلال حرب غزة الكبرى فيصيف عام 2014، والتي استمرت على أية حال خمسين يومًا. [أفادت وزارة الصحة في غزة يوم الإثنين 30 / 10 / 2023 بارتفاع إجمالي عدد القتلى الفلسطينيين إلى 8306 جراء هجمات إسرائيل المتواصلة منذ 24 يوما. وذكر الناطق باسم الوزارة أشرف القدرة -في مؤتمر صحفي في مجمع الشفاء الطبي في غزة- أن من بين إجمالي القتلى 3457 طفلا و2136 امرأة بالإضافة إلى 21048 مصابًا].
وفي تلك الحرب أيضًا شنت إسرائيل هجومًا بريًا، وهي تستعد الآن للقيام بهجوم بري آخر. ومع ذلك فإنَّ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يهدِّد بأنَّ هذه ستكونالبداية فقط. وقد أعلن أنَّ ما ستفعله إسرائيل للرد على هجوم حماس "سيتردَّد صداه لأجيال".
تتهم إسرائيل حماس باستخدام الناس "دروعًا بشرية" والاختباء بين الأهالي المدنيين وكذلك بتخزين أسلحتها بينهم. وربَّما يكون هذا صحيحًا - ولكنه لا يعفي الجيش الإسرائيلي من مسؤوليته عن عدم التعرُّض للمدنيين. ولكنه بدلًا عن ذلك طلب عدة مرات من نحو مليون ومائة ألف شخص مدني مغادرة شمال غزة – وهو طلب وصفه الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس بأنَّه "خطير للغاية".
يتذكَّر اليهود في جميع أنحاء العالم -من خلال صور لعائلات تم قتلها بأكملها مع أطفال على يد عصابات حماس- المذابح والإبادة الجماعية التي ارتكبها الألمان بحقِّهم وسقط ضحيتها نحو ستة ملايين يهودي. بينما يتذكَّر الفلسطينيون -بسبب القصف ومطالبة الجيش الإسرائيلي لهم بمغادرة وطنهم- أهوال النكبة، أي التشريد العنيف ولجوء نحو سبعمائة ألف فلسطيني نتيجة تأسيس دولة إسرائيل في عام 1947. والمشاعر لا جدال فيها.
ومَنْ يعتقد أنَّ السلام سيحل في غزة من دون حماس فهو ساذج أو لا يعرف هذا الصراع. من المفهوم أن يشعر العديد من الألمان بالتعاطف مع اليهود الإسرائيليين وجيرانهم اليهود في ألمانيا. وفي المقابل من غير المفهوم كثيرًا كيف يقلِّل البعض هنا في ألمانيا من حجم العنف ضدَّ الفلسطينيين ويُبرِّرونه.
فكيف تريد الحكومة الألمانية الاتحادية الإصرار بكلِّ مصداقية على احترام القانون الدولي في صراعات أخرى بينما تردُّ الآن بهز كتفيها وكأنَّ الناس في غزة هم نفسهم المسؤولون -على نحو ما- عن مصيرهم؟ وهذا فشل سياسي. فالناس في إسرائيل وكذلك في المناطق الفلسطينية يستحقُّون تعاطفنا الكامل وغير المنقوص ومساعدتنا.
ومن المفترض أنَّ حماس ما يزال لديها أكثر من مائتي رهينة. وإذا استمر الجيش الإسرائيلي في قصف قطاع غزة واجتاحه برِّيًا فإنَّ حياتهم أيضًا ستكون في خطر.
لن يوجد حلٌّ عسكري
مَنْ يعتقد أنَّ السلام سيحل في غزة من دون حماس فهو ساذج أو لا يعرف السنوات الخمس وسبعين الماضية من هذا الصراع. وإذا تم "القضاء على حماس"، كما يُقال الآن، فستحلُّ محلها مجموعةٌ أخرى - طالما لم تتغيَّر على أية حال الظروف التي أدَّت إلى ظهور مثل هذه المنظمة القاتلة والانتحارية وترسيخ وجودها في قطاع غزة.
بإمكان إسرائيل إضعاف حماس عسكريًا ولكن الثمن سيكون حياة آلاف المدنيين. وسيثبت -كما حدث كثيرًا في السابق- أنَّ الاعتقاد بأنَّ هذا سيقضي على المشكلة هو مجرَّد وهم. لن يكون هناك حلُّ عسكري.
وسيكون من الأفضل للحكومة الألمانية أن تعمل من أجل وقف إطلاق النار والتوصل إلى حلّ سياسي دائم بدلًا من تقديمها الدعم غير المشروط للحكومة الإسرائيلية. ونظرًا إلى وقوع هجمات على معابد يهودية ووجود شعارات معادية للسامية في الشوارع الألمانية، فمن الطبيعي أن يعمل السياسيون الألمان على حماية اليهود في ألمانيا وأن يدينوا هذه الجرائم.
ولكن كلمة تعاطف تجاه فلسطينيي ألمانيا -الخائفين على الأهالي في قطاع غزة والذين يقعون في الوقت نفسه تحت اشتباه عام- لن تضر أيضًا ويمكنها أن تبدِّد مخاوفهم.
دانيال باكس
ترجمة: رائد الباش
حقوق النشر: موقع قنطرة 2023
Qantara.de/ar