حياة نساء المعارضة الإيرانية في إيران وأمريكا
شابة في طهران تجلس أمام المرآة في الصباح الباكر وتنظر إلى جسدها معجبة بنفسها، ليس بسبب نرجسيَّتها بل لكي ترى ما تريد بعد قليل تغطيته قطعةً قطعة امتثالًا لقواعد اللباس التي يفرضها نظام جمهورية إيران الإسلامية، وتتواعد بجانب ذلك مع شابات أخريات للقاء مبكرًا بعد الظهر.
سيلتقين في حديقة لاليه بارك بوسط المدينة ويخلعن حجابهن ويصوِّرن فيلمًا من دون حجاب. وسيقمن ببث هذا العمل مباشرة عبر الإنترنت على أمل ألَّا يُقبَض عليهن من قِبَل شرطة الآداب المنتشرين في كلِّ مكان - كما حدث قبل بضعة أشهر مع مهسا أميني التي قتلها أفراد الشرطة.
تعتمد المؤلفة سوزي احتشام زاده في هذه القصة القصيرة على مادة حقيقية: فمَنْ تابع عبر الإنترنت نشاطات المتظاهرين والمتظاهرات في بداية الاحتجاجات المتعددة الأوجه تحت شعار "زن، زندجي، آزادي" ("المرأة، الحياة، الحرية") سيتذكِّر هذه المشاهد التي حدثت في الواقع تمامًا كما وصفتها المؤلفة هنا:
الشتائم التي يوجِّهها عابرو السبيل الرجال - ولكن كذلك التصفيق والدعم من قِبَل أشخاص آخرين في الحديقة ونظرات الدهشة من أطفال يلعبون ولم يشاهدوا -حتى ذلك الحين من قبل- أية امرأة تخلع حجابها خارج جدران بيتها الأربعة.
قد نعتقد أنَّ مجموعة قصص سوزي احتشام زاده القصيرة هذه جاءت كرد فعل على الأحداث الأخيرة في إيران، التي نشأت فيها الكاتبة سوزي احتشام زاده قبل أن تنتقل إلى الولايات المتحدة الأمريكية من أجل دراسة اللغة الإنكليزية والكتابة الإبداعية. لقد نُشرت هذه القصص في شهر حزيران/يونيو 2023 تحت عنوان "زن" لدى منشورات دزانك Dzanc Books في الولايات المتحدة الأمريكية، وذلك بعد أن نشرت المؤلفة لأعوام عديدة نصوصًا في العديد من المجلات والمختارات.
وفي الواقع لقد كُتِب في العام الماضي 2023 جزء صغير فقط من القصص الست عشرة بينما كانت الكاتبة ألفت معظم القصص في وقت سابق. ولكن جميع القصص تحمل في داخلها الأحداث التي تلت وفاة جينا مهسا أميني في أيلول/سبتمبر 2022 - وكان هذا بمثابة غليان تحت السطح كان لا بدّ من اندلاعه فيما قد يكون أكبر ثوران حتى الآن ضدَّ نظام يتكوَّن من رجال مسنين يتمسَّكون بالسلطة ويعارضهم بحسب استطلاعات الرأي أكثر من ثمانين بالمائة من المواطنين.
وُلِدَت الكاتبة سوزي احتشام زاده في واشنطن قبل أن تنتقل عائلتها إلى إيران عندما كانت ما زالت صغيرة. وقضت طفولتها في طهران وأكملت الدراسة في ستانفورد وبوسطن - وفي خضم كلِّ هذا جاءت الثورة الإسلامية: عادت مثل الكثيرين في ذلك الوقت إلى إيران بعد إسقاط الشاه، على أمل قيام نهضة ديمقراطية (أو اشتراكية باتت تعتبر اليوم خيارًا بالنسبة لقطاعات كبيرة من المعارضة الإيرانية).
على أرض غير ثابتة
ولكن كما نعلم اليوم فقد بدأ قمع جديد بدلًا من من قيام النهضة الجديدة. فقد ظهر آية الله الخميني كطاغية بعد أسابيع قليلة من عودته من منفاه في باريس في عام 1979. وكان من الممكن أن يعرف الناس ذلك لو أنَّهم قرؤوا كتبه وأخذوها على محمل الجد، ولكن كما يحدث كثيرًا فقد كان الأمل يحجب تلك الغمامات.
وتلا ذلك البرنامج المعروف الآن: رقابة ومصادرات ونهاية الحقوق الأساسية واضطهاد النساء والأقليات والمعارضين واعتقالات جماعية وتعذيب. وتصف سوزي احتشام زاده هذه الفترة وصفًا دقيقًا ومن وجهة نظر امرأة شابة يعيش أهلها في منطقة شمال طهران الغنية. وهم لا يشاركون في مظاهرات إسقاط بالشاه، وبعد ذلك يتابعون التطوُّرات برعب حتى تغادر ابنتهم البلاد إلى الولايات المتحدة الأمريكية بعد أن قُبض على عشيقها ونُقل إلى سجن إيفين المعروف حتى يومنا هذا بسمعته السيِّئة.
وتدور أحداث مجموعة "زن" القصصية أيضًا حول نساء يعشن في المنفى في الولايات المتحدة الأمريكية. وقصص سوزي احتشام زاده تكون أقوى وذلك عندما تأخذنا إلى حياة أشخاصها الداخلية الذين على الرغم من أنَّهم معتادون على الحياة والحرِّيات في بلد ديمقراطي ولكنهم ما يزالون يتصارعون مع أنفسهم: لأنَّهم يُرَبُّون أطفالهم تربية أمريكية للغاية ولأنهم بدؤوا هم أنفسهم ينسون استخدام لغتهم الفارسية بشكل صحيح ولأنَّهم يفقدون اتصالهم بأقاربهم وأصدقائهم ولأنَّ محيطهم الأمريكي لديه صورة مشوَّهة تمامًا عن إيران تنقلها وسائل الإعلام ولأنَّ شركاءهم يجعلونهم غريبين من دون أي اهتمام بخلفياتهم - ولأسباب كثيرة جدًا. وهؤلاء نساء قويات من ناحية، ولكنهن من ناحية أخرى أشخاص يبحثون باستمرار عن أنفسهم وعن هوية مستقرة يبدو أنَّها ضاعت.
مبهمة وغامضة
تدور قصة "خروج ونزول" Coming Out، Going Under حول طالبة إيرانية تتزوج من شريكة حياتها في الولايات المتحدة الأمريكية ولا تعرف كيف تشرح ذلك لعائلتها المحافظة في وطنها. وتصف قصة أخرى الوضع المنهك الذي تعيشه شابة أفغانية هربت من إيران إلى اليونان وتصوِّر حياتها اليومية المميَّزة بخوف مستمر في أحد المخيمات البائسة على حدود الاتحاد الأوروبي الخارجية. وتقدِّم أيضًا نظرة ثاقبة على وضع الأقليات الصعب في إيران الذين يُعتبرون دائمًا بمثابة كرة تلعب بها المصالح السياسية الشعبوية.
وتسافر -في قصة "البابون"- البطلةُ مع شريك حياتها الأمريكي إلى طهران لزيارة عائلتها، حيث يروي الجد قصة رمزية لا تجعل شخصيات القصة وحدهم بل وحتى القرَّاء أيضًا يشعرون بالتناقض: ما الذي يريد قوله هذا الرجل العجوز؟ فهل يقصد أنَّ هذا الشاب الأمريكي لا يساوي شيئًا؟ أنَّ الحياة يمكن أن تكون قاسية؟ أو شيئًا مختلفًا تمامًا؟ ولماذا قدَّم للشاب آبي غليون الأفيون من باب الترحيب به في الأسرة؟
العديد من القصص المعروضة في هذه المجموعة مبهمة وغامضة. ومع ذلك فقد نجحت سوزي احتشام زاده في إعادة الحياة إلى شخصياتها وجعل محيطها مرئيًا بخفة أسلوبها النثري ولغتها الواضحة. غير أنَّ الكاتبة ترفض في الوقت نفسه الوضوح وتُصوِّر النساء في قصصها بطريقة إنسانية نادرة الوجود لدى الشخصيات الأدبية.
خسران الوطن وجع أليم
كاتبة ومخرجة ألمانية إيرانية وُلدت في طهران تتناول كتبها الأصل والماضي. حاورها شايان رياض لموقع قنطرة عن إحدى رواياتها وعن الوطن والدين وجدل ألمانيا حول الهوية.
ويشعر القارئ أحيانًا أنَّ بعض الفقرات تشبه المقالات تقريبًا وأنَّها تحاول كثيرًا أن تأخذ القرَّاء الذين لا يعرفون شيئًا عن إيران من حيث يقفون. فهي تشرح التطوُّرات التاريخية والسياسية وكذلك الخصائص والطبائع الثقافية أو القوانين والقواعد في إيران الحالية. ولكن لا يمكننا تفسير ذلك على أنَّه نقطة ضعف في هذا الكتاب.
وذلك لأنَّ الأدب الإيراني كثيرًا ما يتطلب قدرًا كبيرًا من المعرفة، مثلًا عند التطرُّق إلى أحداث تاريخية - من المفترض أن يعرف القارئ ما الذي تدور حوله. وهذا يزيد بطبيعة الحال من صعوبة وصول القرَّاء الأقل معرفة بإيران إلى هذه الكتب. وهنا العكس هو الصحيح: فالبدء سهل جدًا لأنَّ القارئ يفهم على الفور المواقف والسياقات والخلفيات - وهذا من دون أية سطحيات أو تعميمات. فجميع التفاصيل المهمة مضاءة بوضوح. ولهذا السبب أيضًا فإنَّ هذا الكتاب يستحق القراءة وهو بالتأكيد جدير بالترجمة إلى الألمانية (وهذا ما أنصح به هنا).
وهذا الكتاب مناسب وصحيح لكلِّ مَنْ يريد فهم ما يحدث حاليًا في إيران وما هي أسباب الوضع السياسي والاجتماعي وخلفياته ولكل مَنْ يريد استيعاب ما يفعله هذا كله لدى الأشخاص المتضرِّرين ولكل مَنْ يريد علاوة على ذلك قراءة نص نثري ممتاز.
غيريت فوستمان
ترجمة: رائد الباش
حقوق النشر: موقع قنطرة 2024
سوزي احتشام زاده Suzi Ehtesham-Zadeh، "زن" Zan، منشورات دزانك Dzanc Books، حزيران/يونيو 2023.