المسلسل التركي ''حريم السلطان''...جنس كثير وبطولات قليلة
بمزيج من العشق والكراهية والدسائس وفي حلقته الثمانين التي عُرِضَت مؤخراً ما زال المسلسل الناجح حول "العصر العثماني الذهبي" يسحر الجمهور التركي كما كان منذ نحو عامين، وهو المسلسل الذي يُعرَض على الشاشات العربية بعنوان "حريم السلطان".
السلطان الوسيم ووزيره الذي ليس بأقل منه جاذبية، وأيضاً الكثير من النساء والعاشقات وغيرهن من المتنافسات على إرضاء السلطان، هي الشخصيات الرئيسية في هذا المسلسل التاريخي.
المسلسل طويل ويُعرَض أسبوعياً وتبلغ مدة كلِّ واحدة من حلقاته نحو ثلاث ساعات، وعنوانه بالتركية "Muhtesem Yüzyil" (القرن الرائع) أو "العصر الذهبي" إلى الحقبة الزمنية الممتدة من عام 1520 وحتى نهاية القرن السادس عشر، أي إلى تلك الحقبة التي حكم فيها السلطان سليمان القانوني الدولة العثمانية وتمكَّن فيها من توسيع حدود دولته إلى أقصى أبعادها.
مثَّلت هذه الحقبة العصر الذهبي من عمر الدولة العثمانية، ولهذا السبب فإنَّ هذا المسلسل في الواقع يتلاءم تمامًا مع نظرة تمجيد الشخصيات التاريخية، المنتشرة في تركيا منذ وقت طويل، وهي شخصيات تجسّد الأسلاف الناجحين للعثمانيين الجدد، وهذا يعتبر من أهم مواضيع الساعة في تركيا.
من وجهة نظر الحريم
ورغم ذلك يتعرَّض هذا المسلسل الذي يعدّ من أنجح المسلسلات التركية لهجمة من قبل أوساط المحافظين والمتديِّنين. وعلى الأرجح أنَّ السبب الرئيسي لهذه الهجمة يعود إلى كون بطله ليس السلطان نفسه، بل زوجته الرئيسية السلطانة خُرّم (هورَّم) التي تعرف في الأدب الأوروبي باسم روكسيلانة.
ولذلك فإنَّ هذا "العصر الذهبي" المشهور لا يتم عرضه في مسلسل "حريم السلطان" من وجهة نظر القائد العسكري الذي اشتهر بصنع الانتصارات، بل من وجهة نظر الحريم.
لا يركِّز هذا المسلسل كثيرًا على السلطان بقدر تركيزه على واحدة من النساء الأكثر أهمية في التاريخ العثماني؛ ومن خلال ذكائها وقسوتها وكذلك أدائها المقنع في سرير السلطان تمكَّنت هذه المرأة من التحوّل من مجرَّد جارية لدى السلطان إلى زوجته الرئيسية الشرعية التي باتت تتمتَّع بنفوذ كبير في بلاط السلطان.
تم إخراج هذا المسلسل بكامله مثلما يتم إخراج الأعمال المسرحية وهو لذلك بعيد كلَّ البعد عن أعمال الدراما التاريخية الأخرى التي تبدو أقرب إلى أفلام الأكشن السينمائية. ولا تُشاهد فيه بالكاد أية مشاهد تظهر فيها السيوف والخناجر، وكذلك لا يتم التلميح فيه سوى مرة واحدة على أكبر تقدير إلى مشاهد المعارك الكبيرة.
في المقابل تدور معظم الأحداث في داخل القصر، وكذلك لا يعرض المسلسل الكثير مما يجري في الديوان السلطاني، مقر السلطان، بقدر ما يعرض ما يدور من أحداث داخل قسم الحريم، حيث تتنافس النساء على إرضاء السلطان.
جارية تؤثِّر على السلطان سليمان
تمكَّنت الجارية خُرَّم ذات الشعر الأحمر، التي يعني اسمها باللغة التركية الباسمة أو الضاحكة وتعود أصولها إلى منطقة البلقان من التأثير على زوجها السلطان سليمان وجعله مثل الخاتم في أصبعها، كما استطاعت بقسوتها الكبيرة إبعاد منافساتها.
وبما أنَّ السلطان سليمان قد حكم البلاد طيلة ستة وأربعين عامًا وبما أنَّه كان يجب على روكسيلانة في البداية التغلّب على العديد من المنافسين لكي تهتم فيما بعد بجعل أحد أبنائها وليًا مباشرًا للعرش، فهناك ما يكفي من المواد لتصوير العديد من الحلقات التي يمكن تسويقها بسهولة بسبب الدعايات التي تتخللها.
وبالإضافة إلى ذلك يُحقِّق هذا المسلسل نجاحًا كبيرًا خارج تركيا. وسواء كان ذلك من باب الصدفة أم لا فإنَّ مسلسل "حريم السلطان" يحطِّم حاليًا كلَّ الأرقام القياسية في البلدان التي تقع ضمن الحدود السابقة للدولة العثمانية.
ومثلما هي الحال مع غيره من المسلسلات التركية الأخرى التي تنقل صورة عصرية نسبيًا عن المرأة، فإنَّ المعجبين بزوجة السلطان ونجاحها هم في المقام الأوَّل من النساء العربيات.
ولكن كذلك في منطقة البلقان أيضًا بات مسلسل "نساء السلطان" يحتل مكان الصدارة. حيث يُحقِّق من كرواتيا إلى مقدونيا نجاحًا كبيرًا، زد على ذلك أنَّه تم مؤخرًا إعداد مسابقة في البوسنة تنافس فيها الجمهور على اختيار رجال ونساء يشبهون السلطانة والسلطان.
وكانت الجائزة التي فاز بها المتسابقان الفائزان عبارة عن رحلة إلى اسطنبول أثناء احتفالات رأس السنة للالتقاء بالممثِّلين الأصليين.
وبعد تعرّضه عند البدء في بثه لانتقادات غاضبة من قبل المحافظين، ما لبثت أن هدأت تدريجيًا بالنطر إلى النجاح الجماهيري الكبير الذي حقَّقه، خرج قبل مؤخراً رئيس الوزراء التركي رجب طيب إردوغان ليدلي برأيه في هذا المسلسل.
إذ انتقده بشدة وقال عنه إنَّه استخفاف لا يمكن احتماله في التاريخ العثماني العظيم. وأضاف أنَّه لا بد من تقديم المسؤولين عن هذا المسلسل للمحاكمة بسبب التحريض، كما أعرب عن أمله في متابعة النيابة العامة قريبًا لهذا الأمر.
السلطان رجب طيب إردوغان
وفي العادة لا تمضي انتقادات إردوغان بمثل هذه الطريقة اللاذغة من دون عواقب. ولذلك على الأرجح أنَّ منتجي هذا المسلسل وكذلك أيضًا وقبل كل شيء فريد شاهين صاحب قناة "ستار" التلفزيونية التي تبث هذا المسلسل قد أصيبوا بصدمة حقيقية.
لا سيما وأنَّ قناة ستار اشترت المسلسل قبل عام واحد فقط بمبلغ كبير من قناة "كنال دي" التلفزيونية التركية ولذلك من المحتمل أن يشكِّل هذا استثمارًا فاشلاً.
وإردوغان الذي صار على ما يبدو ينظر إلى نفسه الآن باعتباره سلطانًا أكثر من كونه سياسيًا منتخبًا لفترة محدَّدة، لم يعد مستعدًا للقبول بتصوير قدوته الأكثر نجاحًا، أي السلطان سليمان القانون بهذه الصورة "غير الصحيحة تمامًا من الناحية التاريخية"، مثلما يقول، على أنَّه لعبة في أيدي امرأة تسود في بلاطه جرائم القتل والاغتيالات وبدلاً من تصوير حكمة السلطان سليمان وانتصاراته.
وقد أدَّى كلّ ذلك بطبيعة الحال إلى حشد المعلقين من جميع أنحاء البلاد للتحرّك. وهم يهتمون الآن من ناحية بمناقشة الحقيقة التاريخية في عهد العثمانيين وكذلك ينتقدون من ناحية أخرى وفي الوقت نفسه محاولات الرقابة التي يقوم بها رئيس الوزراء رجب طيب إردوغان.
وعلى الرغم من أنَّ ردود الفعل العنيفة على تصريحات إردوغان قد حالت حتى الآن دون بدء النائب العام التحقيقات بحقّ المسؤولين عن هذا المسلسل، إلاَّ أنَّ مسلسل "حريم السلطان" لم ينجُ بعد.
ونتيجة رضوخها وفرضها على نفسها نوعًا من الرقابة الذاتية أعلنت قناة "ستار" التلفزيونية عن نيَّتها إنهاء المسلسل قبل وقت مبكِّر من موعده المقرَّر أصلاً. وبالإضافة إلى ذلك تم في هذه الأثناء أيضًا حذف بعض المشاهد التي تحتوي إيحاءات جنسية، وذلك بناءًا على طلب من الهيئة الرسمية التركية المشرفة على مراقبة الأفلام والبرامج التلفزيونية RTÜK.
وكذلك من المفترض الآن أن تظهر السلطانة خُرَّم في المستقبل وهي مرتدية الحجاب أكثر مما كانت عليه الحال في السابق.
ولكن على الأرجح أنَّ المسؤولين عن مسلسل "حريم السلطان" سوف ينزعجون الآن كثيرًا من إيران. وذلك بعد أن حكمت قبل أسبوعين المحكمة الإسلامية في إيران حسب معلومات بعض الصحف التركية باعتقال جميع الممثِّلين الذين شاركوا في دبلجة المسلسل.
يورغين غوتشليشت
ترجمة: رائد الباش
تحرير: علي المخلافي
حقوق النشر: قنطرة 2013