سياسة أوروبا تجاه اللاجئين...إفلاس أخلاقي وسياسي فاضح
أحياناً لا تمُتُّ السياسة إلى الواقع بصلة، وهذا ينطبق على مأساة اللاجئين قبالة سواحل جزيرة لامبيدوزا. في ذلك تضاد لا يمكن احتماله، فبينما تزداد حصيلة اللاجئين الذين يموتون غرقاً قبالة سواحل أوروبا، إذ تم في مأساة لامبيدوزا وحدها انتشال جثث أكثر من 270 غريقاً حتى الآن، يجتمع الساسة في غرفهم المكيّفة ببروكسل ويتركون الأمر يمرّ دون اتخاذ أي قرار.
هذا جُبن وعمل لا أخلاقي وبه قصر نظر، فعند جزيرة لامبيدوزا لا يفصل أوروبا عن إفريقيا سوى 100 كيلومتر تقريباً، وهذا يعني أن الكارثة المقبلة قد تحصل غداً بينما تظل أوروبا تراقب ما يحدث.
الهجرة نتيجة للفقر والحرب والإرهاب
يجب التذكير بأن الفقر الذي يفرّ منه أولئك اللاجئون ليس من صنعهم أو باختيارهم، بل هو نتيجة الفساد والحرب والإرهاب. كما أن سببه أيضاً القيود التجارية والجمارك التي فرضتها أوروبا وأنماطها الاستهلاكية.
من شاهد الأفارقة، القادمين من نيجيريا أو السنغال والعالقين في المغرب أو ليبيا بشكل "غير قانوني"، يدرك أنهم يريدون شيئاً واحداً فقط ألا وهو ركوب القارب المتجه إلى أوروبا بأي ثمن، ويدرك أيضاً حجم اليأس في وجوه أولئك الذين يغرقون قبالة سواحل أوروبا دون اسم أو هوية. أحد هؤلاء اللاجئين سأل صحفية ألمانية: "هل تعتقدين بأن أياً منا كان سيتجه إلى أوروبا إذا رأينا بأن لنا ولعائلاتنا مستقبلاً في وطننا؟" بالطبع لا. لن يتجه أي منهم إلى أوروبا.
لهذا يجب أن يكون ثمة نقاش. لكن من السخرية أن يكون القرار الوحيد لوزراء الداخلية الأوروبيين هو إرسال قوارب هيئة حماية الحدود الأوروبية "فرونتكس" إلى مسافة أبعد في البحر المتوسط، أي قبل الحدود الإيطالية. نحن، الأوروبيين، نتصرف بذلك وكأننا نحاول حماية أنفسنا من مجرمين أو قراصنة.
هؤلاء الأشخاص يستحقون منا أن نراجع سياسة الهجرة واللجوء. لكن لا أحد في أوروبا، حتى في إيطاليا وألمانيا، يريد التفكير جدياً في استخلاص العبر من هذه المأساة. وحتى الآن، كان اقتراح وزير الداخلية الألماني، هانز-بيتر فريدريش، هو ملاحقة مهربي البشر بشكل أشد وتحسين الأوضاع في الدول الإفريقية.
ولكن بدلاً من الإصرار على هذه النقاط تحاول ألمانيا تشتيت الانتباه عنها. وبينما تغرق يومياً قوارب مهترئة وقوارب صيادين في المحيط الأطلسي يتحدث فريدريش عن الهجرة بسبب الفقر داخل الاتحاد الأوروبي. "انظروا إلى الأعباء التي تتحملها ألمانيا. لا نستطيع تحمل المزيد!" هذه هي الرسالة التي يريد الوزير إرسالها.
عجز في أغنى دول أوروبا
في العام الماضي قدم 70 ألف شخص طلبات لجوء في ألمانيا، أكبر دول أوروبا. ورغم أن هذا رقم يزيد عنه في الكثير من الدول الأعضاء إلا أنه بالقياس إلى تعداد السكان في ألمانيا، الذي يزيد عن 80 مليون نسمة، يجعل بلادنا في مركز متوسط على صعيد أوروبا.
أما السويد فهي تتحمل مسؤوليتها الإنسانية بكل شجاعة وحزم، إذ تبلغ نسبة طالبي اللجوء فيها 4625 شخصاً لكل مليون نسمة. بالمقابل، فإن النسبة في ألمانيا، التي تكافح بشدة ضد تغيير قوانين اللجوء، تبلغ 945 طالب لجوء لكل مليون نسمة. وبالنهاية فإن النسبة في إيطاليا، التي شكت مؤخراً من تحمل عبء أكبر من اللازم فيما يتعلق بسياسة اللاجئين، تصل إلى 260 طالب لجوء لكل مليون نسمة فقط. الكل يبحث عن مصلحته الشخصية.
لكن لا أحد يتجرأ على اتباع سياسة لجوء أكثر مسؤولية وإنسانية. حتى ألمانيا، أكبر اقتصاد في أوروبا والدولة ذات أقل نسبة بطالة بين الشباب، ليست مستعدة، بالنظر إلى الأوضاع الحالية قبالة سواحل إيطاليا أو في سوريا، لتقديم لفتة فريدة وكريمة تتمثل في استقبال المزيد من اللاجئين. يا له من عجز لدى ألمانيا الغنية.
أوته شيفر
ترجمة: ياسر أبو معيلق
تحرير: علي المخلافي
حقوق النشر: قنطرة 2013
أوته شيفر صحافية ألمانية مختصة بالشؤون الإفريقية ومديرة تحرير مؤسسة دويتشه فيله الإعلامية الألمانية.