"داعش والأسد واحد"...لا سلام مع الأسد والقاعدة
ما هذا الذي نقرأه عن سوريا هذه الأيام؟! "إسلاميون" يقاتلون "إسلاميين" والأسد تحول إلى "أخفّ الضررين" والأولوية باتت "محاربة الإرهاب" – إرهاب تنظيم القاعدة بالطبع وليس إرهاب بشار الأسد. لقد حان الوقت لتذكر حقيقة الصراع في سوريا وما يتم الحديث عنه في مونترو بسويسرا، ألا وهو الإطاحة بنظام قاتل، ليس لأننا في الغرب نريد ذلك، بل لأن السوريين طالبوا بذلك بشكل سلمي وتم تعذيبهم وقتلهم وتجويعهم بسببه.
الأمور، بالطبع، أكثر تعقيداً من ذلك. فالثورة تحولت إلى صراع إقليمي بالوكالة، والمتظاهرون تحولوا إلى مقاتلين، بينما بات الناشطون السياسيون عمال إغاثة. لذلك، لن يكون هناك سلام في نهاية مؤتمر السلام في مونترو وجنيف.
انفصال عن الواقع
المشكلة الرئيسية هي أن عملية التفاوض الحالية تجري بشكل منفصل تماماً عن الأحداث في سوريا. فبينما يطالب جانب بوضع حد للحرب، لا يستطيع الجانب الآخر وقفها. والنظام يتظاهر بأنه ما زال مصراً على محاربة "الإرهاب"، وهذا يعني أنه سيستمر في قصف الأحياء التي يتمركز فيها معارضوه وتعذيب منتقديه حتى الموت.
أما الائتلاف الوطني لقوى المعارضة والثورة السورية، فهو لا يمتلك النفوذ الكافي لدى المقاومة المسلحة وهو ضعيف للغاية حتى بصحبة الثوار المتحالفين معه والمنضوين تحت لواء الجيش السوري الحر. هذا يعني أن ما يتم التوصل إليه في مونترو وجنيف – بغض النظر عن طبيعته – لن يؤثر على ما يحدث في البلاد.
يضاف إلى ذلك التباين الكبير في المواقف. فبشار الأسد لا يرى أي سبب للتخلي عن السلطة، خاصة أن إيران وروسيا وحزب الله يقفون إلى جانبه عسكرياً واقتصادياً. كما أنه تمكن من إعادة فرض نفسه كطرف مفاوض من خلال الموافقة على اتفاقية تدمير الأسلحة الكيماوية. ومع زحف تنظيم القاعدة على سوريا، يبدو الأسد لعدد من ساسة الغرب بأنه "أخف الضررين".
لامبالاة قاتلة
المعارضة، من جهتها، تعتمد بشكل كلي على المفاوضات الرامية إلى تشكيل حكومة انتقالية بدون الأسد. أي حل آخر غير ذلك سيكون بمثابة انتحار سياسي، إذ كيف يمكن لمعارض سوري تبرير مفاوضات مع نظام يقوم في الوقت نفسه بإلقاء براميل من المتفجرات على المدنيين وتجويع الأطفال في عدد من أحياء المدن السورية، وسيستمر في ذلك أيضاً؟
من يحذر من تنحّ عاجل للأسد بسبب الخوف من ملء الجهاديين لفراغ السلطة الناجم عن رحيله يجهل الواقع في سوريا. فالإطاحة بالنظام لن تكون سبب صعود القاعدة، وإنما استمرار القتل من قبل النظام والسكوت عليه من قبل الغرب وتجاهل العالم للموت في سوريا. كل هذا يساهم في تعاظم نفوذ القاعدة.
كما أن الأسد نفسه ساعد على نشر نفوذ الجماعات المتطرفة في المنطقة، فقد دمّر سوريا لدرجة تمكن فيها الجهاديون من تثبيت أقدامهم وسط الفوضى. وهو يستفيد من وجودهم في البلاد أيضاً، لأنهم يؤكدون ادعاءاته بأنه يحارب الإرهاب وينشرون الفتنة بين معارضيه.
من السخف النظر إلى الأسد على أنه حليف في الحرب ضد القاعدة، لأن "الإرهابيين" الذين يدعي محاربتهم ليسوا أعضاء فرع القاعدة في سوريا (الدولة الإسلامية في العراق والشام "داعش")، بل هم المواطنين السوريين الذين لا يلينون في ضواحي دمشق وحلب وحمص.
حرب على جبهتين
النظام لا يحارب "داعش" في حقيقة الأمر، بل الثوار، الذين يواجهون الإرهابيين في المناطق "المحررة" وأعلنوا الحرب عليهم مؤخراً. وبدلاً من السعي سوياً لإسقاط النظام، يحارب الثوار على جبهتين – ضد الأسد وضد القاعدة.
من لم يرغب في أن تصبح سوريا ملاذاً للإرهاب الدولي فعليه المساعدة في إنهاء الحرب ضد الأسد بأسرع وقت ممكن، فالحكومة الانتقالية المبنية على إجماع وطني هي الوحيدة القادرة على توحيد السوريين في الحرب على الإرهاب.
صحيح أن الثوار السوريين عبارة عن مجموعة معقدة من الكتائب المختلفة ـ وبعضها لا يمكن تمييزه من حيث المظهر والخطاب كثيراً عن تنظيم القاعدة، لاسيما مقاتلي "الجبهة الإسلامية"، التي تعتبر التنظيم الإسلامي المحلي في سوريا، والذين يظهرون بنفس تشدد مقاتلي "داعش"، لكن هناك اختلاف حاسم بين الاثنين.
فــ"داعش" تريد إقامة خلافة إسلامية في المنطقة وتسعى لفرض الإسلام في العالم كله. أما "الجبهة الإسلامية، فهي تريد تحرير سوريا من سيطرة الأسد ومن ثم السعي لإقامة دولة إسلامية في سوريا. إذاً، بينما تقف "داعش" وراء إرهاب عابر للحدود، يقاتل ثوار "الجبهة الإسلامية" من أجل حق تقرير المصير في بلادهم.
أما عن لهجة "الجبهة الإسلامية" الشبيهة بلهجة السلفيين المتشددين، فهذا أمر مرتبط بمن يموّلونها. فالسعودية وقطر وتركيا ودول خليجية أخرى تدعم الإسلاميين السنة وتختار الكتائب التي تريد دعمها بناءاً على ذلك. وكلما زادت "إسلامية" المجموعة، زادت المبالغ والأسلحة التي تحصل عليها. هذه هي المعادلة بكل بساطة.
وبما أن الغرب لا يزال غير راغب في دعم الصراع المسلح حتى الآن، فإن اللحية الطويلة وعصابات الرأس السوداء التي تحمل الشهادتين ستظل أفضل من الوجوه الحليقة والزي العسكري الأخضر. كما أن استعراض الأيديولوجيات في الوقت الراهن ليس تعبيراً عن قناعات سياسية راسخة بقدر ما هو طريقة للحصول على المزيد من التمويل.
"الأسد وداعش واحد"
لقد أثبت في مطلع يناير الثمانية عشر مليون سوري المتبقون أنهم لا يريدون الأسد أو القاعدة، وذلك حين جرت مظاهرات منسقة ضد "داعش" تحت شعار "الأسد وداعش واحد"، بالتزامن مع هجوم عسكري على "داعش" في عدد من المناطق في شمال البلاد. هذا الحشد يثبت أن المجتمع السوري قادر على تطوير وعي سياسي وشجاعة لاتخاذ قراره بنفسه، وهو أمر لم يكن بالإمكان تصديقه قبل ثلاث سنوات.
لقد أصبح السوريون يرفضون أن يملي عليهم أحد كيف يعيشون، سواء كان "داعش" أو أي طاغية ديني وعلماني. وحتى في ظل أسوأ الظروف، سيصرّون على أن يكونوا طرفاً في الحوار واتخاذ القرار. لقد بقي المجتمع المدني السوري موجودا رغم الأسد و"داعش"، وهذا يجعله غير قابل للتدمير.
لذلك، لا يجب أن يكون الهدف هو منح السوريين حياة حرة وكريمة وحسب، بل وتمكينهم من تقرير مصيرهم سياسياً، دون أن تقف نخبة سياسية سلطوية في وجه ذلك أو يعطله جهاديون مسلحون. وستكون الخطوة الأولى على هذا الطريق، الذي سيكون وعراً ومليئاً بالعقبات، هي تنحي الأسد.
إن أي حل بوجود الأسد ليس حلاً، لأنه لن ينهي المعارك الدائرة. وبعد الفظائع التي يعيشها السوريون منذ ثلاثة أعوام، لن يرتاح لهم بال حتى رحيله.
ومهما علا صوت الراغبين في بقاء الأسد بمن فيهم المجتمع الدولي، فإن ثوار سوريا – من المنشقين العلمانيين وحتى الجهاديين المتطرفين – لن يضعوا أسلحتهم حتى الإطاحة بالنظام. وما عدا ذلك أوهام يستخدمها الدبلوماسيون في واشنطن وموسكو وبروكسل ونيويورك لتضييع الوقت.
آفاق سياسية
ما الذي يجب فعله؟ الشرط الأول لإيجاد حل عن طريق المفاوضات هو أن يكون للمتفاوضين تأثير على المقاتلين في البلاد. وطالما شارك الأسد في المفاوضات بشكل مباشر أو غير مباشر، سيصرّ المتطرفون من بين الثوار على رفض المشاركة. لهذا يبقى فقط تقوية الائتلاف الوطني والمجلس العسكري الأعلى المتحالف معه.
وبمجرد حصول الجيش السوري الحر على أكثر الأسلحة فاعلية ميدانياً وبرهنة سيطرته على مجريات القتال، فإنه سيتمكن من كسب ألوية "الجبهة الإسلامية" لقضيته ودفعها للموافقة على وقف لإطلاق النار في حال التوصل إلى اتفاق سياسي.
مثل هذا الاتفاق يجب أن يشمل تسليماً تدريجياً للسلطات وتنازلات ملموسة، مثل حرية الحركة التامة لمنظمات الإغاثة الدولية والإفراج عن المعتقلين السياسيين.
إن الاستراتيجية الراهنة لمجموعة "أصدقاء سوريا"، التي تعترف بالائتلاف الوطني ممثلاً شرعياً للشعب السوري وتتركه في الوقت نفسه عاجزاً ودون أي نفوذ، تقوّي حجة الأسد بأن المعارضين ما هم سوى "أتباع الغرب". لذلك، يجب علينا تزويد كافة النشطاء والثوار، الذين يعملون مع الائتلاف الوطني ويعتبرون جزءاً من الحل السياسي، بكل ما يحتاجونه للانتصار على النظام وتنظيم القاعدة.
الأمر لا يتعلق بقوات على الأرض أو مناورة عسكرية كبيرة لحلف شمال الأطلسي ولا يتعلق بإسقاط النظام بالطريقة التي حصلت في ليبيا. كما أن الأمر لا يتعلق أيضاً بخوض حرب مدفوعة بمصالح إمبريالية مثلما كان في العراق.
مسؤولية الحماية في سوريا
الأمر يتعلق بالمساعدة على إنهاء حرب فُرضت على السوريين من قبل النظام الحاكم وتهدد بإبادة الشعب بأكمله. هذا ما يسمى بمسؤولية الحماية، وهو مبدأ جديد في القانون الدولي، إن لم يطبق في سوريا فأي مكان آخر أحق بتطبيقه فيه منها يا ترى؟
قد تساعد شحنات الأسلحة إلى الجهات "المناسبة" في صفوف المقاومة وفرض مناطق لحظر الطيران على قلب الأمور بشكل حاسم. لكن الأوروبيين والأمريكيين ليسوا مستعدين للتدخل عسكرياً دون تفويض من الأمم المتحدة.
هذا التحفظ صحيح للغاية بالمفهوم العام، إلا أنه بالنسبة للوضع في سوريا يدلّ على قصر نظر ويؤدي إلى نتائج معاكسة، وذلك لأن القوى المعتدلة، الذين نشكل نحن الحلفاء الطبيعيين لهم، تتلاشى، فيما تتجه المقاومة إلى التطرف أكثر وأكثر بسبب من يموّلونها ولأن القاعدة بدأت في التجذر داخل سوريا المنهارة.
إن الإشارة التي يرسلها الغرب إلى سوريا تقول: ما يقوم به الأسد فظيع وما تقوم به القاعدة فظيع. لكن عليكم تدبير أمركم معهم لوحدكم! وما الدرس الذي تعلمه السوريون بعد ثلاث سنوات؟ لا يمكن الاعتماد على أوروبا وأمريكا، الذين يدّعون نشر قيم الحرية وحقوق الإنسان والديمقراطية.
كريستين هيلبرغ
ترجمة: ياسر أبو معيلق
تحرير: علي المخلافي
حقوق النشر: قنطرة 2014