البحرين...الإصلاحيون في موقف الدفاع
مع استمرار الأزمة السياسية في البحرين، بدا وكأن بريق أمل قد لاح في الأسابيع الأخيرة. فبعد بقاء المعارضة والحكومة في مواجهة مستمرة منذ بداية الاحتجاجات، التي تم إخمادها بالقوة في مطلع سنة 2011، بدأت الشائعات تنتشر في المنامة حول تغير في الموقف السعودي.
وبحسب تلك الشائعات، طالبت الحكومة السعودية حليفتها البحرينية بالعمل على تهدئة أوضاعها السياسية الداخلية بعد حوالي عامين. كما قام موفد سعودي لم يتم ذكر اسمه بالاجتماع مع أكبر أحزاب المعارضة البحرينية (جمعية الوفاق)، وذلك من أجل حثه على الجلوس إلى طاولة المفاوضات.
ويبدو أن هذه المبادرة تكللت بالنجاح، إذ قامت الحكومة بتقديم عرض للمعارضة في منتصف يناير/ كانون الثاني 2013 من أجل إجراء محادثات جديدة، وهو ما قبلته جمعية الوفاق.
ومنذ مارس 2011، برز صراع في البحرين بين نظام عائلة آل خليفة والمعارضة ذات الأغلبية الشيعية، إذ يشكل الشيعة في البحرين ما بين 50 و70 في المئة من إجمالي السكان ويطالبون منذ عقود بمساواة اجتماعية واقتصادية وسياسية كاملة مع السُّنّة في البلاد.
إصلاحات سطحية
بعد توليه العرش سنة 1999، أيقظ الملك الحالي حمد بن عيسى آل خليفة آمالاً كبيرة، حين أعلن عن إجراء إصلاحات ديمقراطية والسماح بإقامة "جمعيات" شبيهة بالأحزاب السياسية. وبالرغم من ظهور أحزاب معارضة مثل جمعية الوفاق، ظلت التغيرات في النظام السياسي البحريني تجميلية.
وعلى الرغم من إجراء انتخابات عدة مرات، إلا أن المعارضة الشيعية اعترضت مراراً وتكراراً على السلطة التشريعية المحدودة للمجالس النيابية المنتخبة وعلى التخطيط العشوائي للدوائر الانتخابية، التي جاءت بحسب رأيهم لصالح المرشحين السنة، إضافة إلى الاحتجاج على منح الجنسية للسنة من الدول العربية وباكستان. وقد أدت التوترات الناجمة عن هذه الاعتراضات إلى الاحتجاجات التي اندلعت في مطلع سنة 2011.
وعندما خشيت قوات الأمن البحرينية في مارس 2011 من فقدان السيطرة على الاحتجاجات، طلبت البحرين المساعدة من حليفتها السعودية، التي قامت بإرسال جنود بالتعاون مع الإمارات العربية المتحدة لحماية نقاط ومنشآت ذات أهمية استراتيجية، وذلك كي يتفرغ الأمن البحريني لقمع الاحتجاجات.
وفي الأسابيع التي أعقبت ذلك، قُتل نحو 30 شخصاً، أغلبهم من المتظاهرين. وتبعت ذلك موجة من الاعتقالات شملت الآلاف، فيما حُكم على من قادوا هذه الاحتجاجات بالسجن لفترات طويلة.
على خط المواجهة
وخلال الأشهر التي تلت تلك الأحداث، بقيت البلاد في حالة من الاستقطاب السياسي. فمن ناحية النظام، تحول الإصلاحيون بقيادة ولي العهد الأمير سلمان بن حمد آل خليفة إلى موقف الدفاع، وتولى القيادة بدلاً منهم أولئك الذين يدعمون سياسة لا تهاون فيها حيال المعارضة، والذين يقودهم عم الملك ورئيس الوزراء على مدى سنوات طويلة: خليفة بن سلمان آل خليفة (المولود سنة 1935)، والذي يدير شؤون الحكومة منذ سنة 1971 ويعتبر أحد مؤيدي مفهوم الدولة الاستبدادية الأمنية.
وإلى ذلك، يعتبر "وزير الديوان الملكي" خالد بن أحمد آل خليفة وأخوه القائد العام للقوات البحرينية، خليفة بن أحمد آل خليفة، من كارهي الشيعة، ويستفيدان على الأقل من تمتعهما بدعم الحكومة السعودية، التي تَعتبِر، مثلهما، السعي إلى إحداث توازن سياسي مع المعارضة الشيعية علامة ضعف خطيرة.
وعلى جانب المعارضة أيضاً، يتعرض مؤيدو التسوية مع الحكومة إلى ضغوط من قبل المجموعات الشيعية المتطرفة، وأهمها تلك التي تطلق على نفسها اسم "الحق"، والتي انشقت عن الوفاق سنة 2005 بسبب رفضها مشاركتها في الانتخابات البرلمانية.
هذه المشكلة بدأت تزداد حدة منذ سنة 2011، لأن النهج الذي سارت عليه الوفاق لم يؤدِّ إلى نجاحات. ولذلك أعرض الكثير من الشباب عن هؤلاء الإسلاميين المعتدلين ونظموا أنفسهم في "حركة 14 فبراير".
الشبكات الاجتماعية لتحقيق أهداف سياسية
وكما هو الحال في مصر، يستخدم أعضاء هذه الحركة الشبكات الاجتماعية من أجل التخطيط لاحتجاجاتهم، ويخوضون كل يوم تقريباً حرب شوارع يلقي فيها الشباب من القرى الشيعية الزجاجات الحارقة والحجارة على قوات الأمن البحرينية.
إن الحركة الشبابية مهمة في هذا الصدد، لأنها تصعّب على جمعية الوفاق قبول دعوة الحكومة إلى طاولة الحوار.
وفي مطلع فبراير 2013 تخلت الجمعية عن موقفها الدفاعي دون أن تقتنع بذلك. فالتقارير الواردة حول المبادرة السعودية تبيّن أن أي حل للصراع في البحرين غير ممكن دون جارتها الكبيرة، وقد بات سراً معروفاً للجميع أن القيادة في الرياض فرضت قيوداً مشددة على البرنامج الإصلاحي للملك حمد.
إن العائلة السعودية المالكة لا تريد أن تصبح الملكية الدستورية في البحرين نموذجاً للمعارضة داخل السعودية وحسب، بل وتعتبر مساواة الشيعة تهديداً لها، لأنها تضطهد الشيعة في السعودية بشكل أكبر أيضاً، لاسيما دينياً وثقافياً.
الشباب الشيعي الثائر
وقد أدى هذا الاضطهاد منذ سنة 2011 إلى اضطرابات ومواجهات متكررة مع قوات الأمن السعودية في المحافظة الشرقية، التي يقطنها معظم الشيعة في السعودية البالغ عددهم مليوني شخص، والتي يكون سببها ردود فعل الشباب المتظاهر على ما كان يحدث في البحرين.
وبالأخص منذ يوليو 2012، سار الشباب الشيعي السعودي على نهج رفاقهم في البحرين، وهاجموا المؤسسات الحكومية ودوريات الشرطة بالزجاجات الحارقة.
كما قاموا بإحراق الإطارات ليلاً في الشوارع المكتظة بالمارة. الحكومة السعودية ردت بإجراءات قمعية عنيفة جزئياً ومارست ضغوطات كبيرة على المعارضة الشيعية المعتدلة كي تسيطر على الشباب الثائر.
وبناءً على ذلك، من الصعب تصوّر أن تحثّ الرياض على مساواة الشيعة أو على تطبيق ملكية دستورية في البحرين. وقد ذهب الكثير ممن حاورهم كاتب هذا المقال بالمنامة في إبريل/ نيسان 2013 إلى أن الرياض طلبت من حليفتها إعادة الهدوء إلى البلاد دون تقديم أي مشروع سياسي.
ويرى ممثلو الوفاق أن العائلة المالكة البحرينية قدمت عرض الحوار الأخير كرد فعل على الضغط السعودي المفروض عليها، إلا أنها ليست مهتمة بنجاح هذا الحوار، فهي تحاول استفزاز المعارضة لقطع المحادثات من أجل التأكيد فيما بعد على أنها بذلت قصارى جهدها وأن الوفاق هي من لا ترغب في تقديم تنازلات.
مؤشرات على سياسة سعودية براغماتية
كما تدل المؤشرات على أن المبادرة السعودية لن تؤدي إلى حل للصراع، إذ إن هدفها بالأساس هو إبقاء الواجهة نظيفة في خضم الأزمات التي تعصف بالمنطقة. لكن ما يبقى مجهولاً هو إمكانية التوصل إلى ذلك عبر البحث عن تسويات أو عبر إجراءات قمعية أكثر فعالية أو كلاهما.
وعلى كل حال، تتحدث الأخبار في البحرين عن سياسة سعودية أكثر براغماتية، يرجع السبب في ظهورها لوزير الداخلية السعودي الجديد محمد بن نايف، الذي شغل والده نايف منصب وزير الداخلية منذ سنة 1975 وحتى وفاته في يونيو 2012، وكان يعتبر من أبرز عناوين الصقور البحرينية في السعودية ويشاطرهم موقفهم الرافض للشيعة.
وعلى النقيض من والده، يعتبر محمد بن نايف إدراياً براغماتياً، لدرجة أن العديد من المعارضين في السعودية والبحرين علق آمالاً حذرة على تعيينه للمنصب.
وإذا ما كانت المبادرة البحرينية مرتبطة فعلاً باسمه، فإنها ستكون، على الرغم من القصور التي يعتريها، أول دليل على تغييرات ملحة وضرورية في سياسة السعودية تجاه البحرين.
غيدو شتاينبيرغ
ترجمة: ياسر أبو معيلق
تحرير: علي المخلافي
حقوق النشر: قنطرة 2013
الدكتور غيدو شتاينبيرغ باحث في علوم الاستشراق ويعمل في المؤسسة الألمانية للدراسات الدولية والأمنية ببرلين (SWP).