جيل فلسطيني جديد يرفض الإذعان والانخداع بوعود كاذبة
بعد اندلاع الانتفاضة الثانية في ظل اتفاق أوسلو الفاشل، ترعرع في الأراضي الفلسطينيَّة جيلٌ جديدٌ من الفلسطينيين، جيلٌ يرفض الإذعان والانخداع بوعودٍ كاذبةٍ، وتشغلُه نفس القضية التي شغلت جيل آبائه وأمهاته، فهو يطالب بحقه في تقرير المصير والعيش بحريَّةٍ وكرامةٍ، ويريد التخلُّص من حكم الاحتلال الإسرائيلي.
ارتفعت وتيرة المواجهات بين الإسرائيليين والفلسطينيين مجددًا، وكذلك المظاهرات والهجمات – بأسلحة حادة هذه المرَّة، بينما يواجه رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو إزاء التصعيد المتجدّد مصاعبَ في العثور على إجاباتٍ يمكنها المساهمة في تهدئة الوضع. وحتى الآن لا يجري توجيه المحتجِّين والمهاجمين لا من قِبَلِ حركة فتح التي تحكم في الضفة الغربيَّة ولا من قِبَلِ حركة حماس، على عكس حال الانتفاضات السابقة.
صبُّ الزيت على النار
لذا من الصعب السيطرة على المهاجمين والنشطاء أو مواجهتهم. أما التدابير التي اتخذها نتنياهو، فلا تسهم في تهدئة الأوضاع، بل تدفع في الاتجاه المعاكس، فقد أدى استخدام الذخيرة الحيَّة ضد الفلسطينيين الذين يتظاهرون عند الجدار ونقاط التفتيش في الضفة الغربيَّة وعلى حدود قطاع غزة ويرمون الحجارة والزجاجات الحارقة، إلى قتلِ المزيدِ من المتظاهرين وإلى الاستمرار في تأجيج الوضع.
لماذا لا يعمَّ الهدوء في إسرائيل وفلسطين؟ أحد الأسباب يكمن في أنَّ الصراع الإسرائيلي الفلسطيني لم تجرِ سوى إدارته على مدى عقودٍ من الزمن وقلَّما كانت هناك مساعٍ جادة نحو الحلِّ منذ مفاوضات أوسلو. والفلسطينيون من ناحيتهم يشكِّكون بنيَّة إسرائيل أصلاً بالتوصل إلى حلٍّ للصراع من خلال اتفاقية أوسلو.
وهناك قناعةٌ لدى الكثيرين بأنَّ الحكومة الإسرائيليَّة لم توافق على إقامة السلطة الفلسطينيَّة إلا لكي تتخلص بصفتها سلطة احتلال من عبء مسؤوليتها عن الخدمات العامة في الأراضي الفلسطينيَّة المحتلة. وعبارات كالتي قالها نائب وزير الدفاع إيلي بن دهان يوم السبت الماضي: "يجب على الفلسطينيين أنْ يفهموا أنَّه لن تكون لهم دولةٌ وأنَّ إسرائيل سوف تهيمن عليهم"، عبارات تأتي لتؤكد على آراء كل أولئك الذين لم يثقوا يومًا بإقرار السياسيين الإسرائيليين بحلِّ الدولتين.
تسليط الضوء على الصراع غير المحلول في الشرق الأوسط
يبدو وكأن سبب الصراع الحالي صار في طي النسيان: عدم التوصل لحلِّ الصراع في الشرق الأوسط. كما أنَّ تأسيس دولة إسرائيل في سنة 1948 كان قد قام على طرد الشعب الفلسطيني ومصادرة أملاكه، ولم يلقَ هذا الأمر حتى يومنا هذا أي قبولٍ بتحمُّل المسؤوليَّة أو حتى بالتعويض. وحركة حماس ما زالت لا تعترف بحق إسرائيل بالوجود. بينما يشعر الفلسطينيون بشكلٍ متزايدٍ بأنَّ استمرار الاحتلال الإسرائيلي يشكل تهديدًا لوجودهم، حيث أنَّ بناء المستوطنات في الضفة الغربيَّة يستمر مترافقًا مع المزيد من التشريد ومصادرة الأراضي من قِبَلِ الدولة الإسرائيليَّة والمستوطنين، ويحوُلُ دون نشوء دولةٍ فلسطينيَّةٍ في المستقبل على منطقةٍ مترابطةٍ.
يُحْرَمُ الكثير من الفلسطينيين من الشروط الأساسيَّة للحياة. ويضيِّق المستوطنون الخناق على حياة الفلسطينيين، وذلك من خلال حرق حقولهم على سبيل المثال، بينما يتفرَّج الجيش الإسرائيلي مكتوف الأيدي في معظم الحالات أو حتى أنه يحمي المستوطنين أثناء ارتكابهم هذه الجرائم.
حتى الجرائم الخطيرة التي يرتكبها المستوطنون، كالحرق المتعمد لأسرة دوابشة في قرية دوما الذي قُتل فيه العديد من أفراد العائلة، تظل دون ملاحقة. وعلى الرغم من أنَّ المجتمع الدولي لا يكلّ من التأكيد على أنَّ توطين الإسرائيليين على الأراضي المحتلة غير قانونيٍ بموجب القانون الدولي، إلا أنَّ هذه التحذيرات يتم تجاهلها من قِبَلِ الحكومة الإسرائيليَّة إلى حدٍّ كبيرٍ.
دون أملٍ في الحصول على فرص التعليم والعمل بكرامة
تبرز في القدس صورةٌ قاتمةٌ مشابهةٌ: ضمَّت إسرائيل في سنة 1980 شرق المدينة الذي يسكنه الفلسطينيون. ومُنِحَ السكَّان حق الإقامة في المدينة، ولكنْ لم يُمنحوا الجنسيَّة الإسرائيليَّة. وتشكّلت هناك بسبب الإهمال الذي امتد لعقودٍ من الزمن مناطق فقيرةٍ ينمو الأطفال فيها في ظلِّ شبه غياب فرص التعليم ودون أملٍ في التمكُّن من العمل بكرامةٍ.
بعد الاحتلال تمَّ بناء مستوطناتٍ في المنطقة الشرقيَّة من المدينة، الأمر الذي يجعل تقسيم العاصمة إلى جزءٍ إسرائيلي وآخر فلسطينيٍ شبه مستحيلٍ في حال توقيع معاهدة سلام في المستقبل. كما يأخذ إسرائيليون يهود منازل فرديَّة أو يبنون مجمعات سكنيَّة كبيرة في أحياء القدس الشرقيَّة لكي يؤكدوا من خلال وجودهم على مطالبتهم بكامل مدينة القدس باعتبارها عاصمةً أبديَّةً لإسرائيل لا يمكن تقسيمها. وتَكْثُرُ في هذه الأماكن المواجهات مع الأطفال والشبان الفلسطينيين الذين تُفرض عليهم عقوباتٌ قاسيةٌ إن رموا الحجارة أو الزجاجات الحارقة، وتبلغ هذه العقوبات منذ شهر أيلول/سبتمبر الماضي السجن أربع سنوات على الأقل وغراماتٍ ماليَّةً باهظةً تُفرض على أولياء أمور الأطفال.
تشكك غالبيَّة المجتمع الفلسطيني في النهج السياسي الذي يتَّبعه الرئيس محمود عباس إزاء كل هذه التطورات. وبقدر ما تنخفض الثقة به وبحركة فتح التي يتزعمها، يرتفع منسوب المبادرة الذاتيَّة لدى المجموعات الشعبيَّة التي ترفض أنْ تُحْسَبَ على أحدٍ أو أن تخضع لأحدٍ، لذا يقوم حاليًا شبابٌ ونساءٌ على وجه الخصوص بهجمات بدافع اليأس. ويبدو أنَّ الجيل الأكبر سنًا، غير الراضي عن نهج عباس لا يعارضهم فيما يفعلونه.
تشكك غالبيَّة المجتمع الفلسطيني في النهج السياسي الذي يتَّبعه الرئيس محمود عباس إزاء كل هذه التطورات. وبقدر ما تنخفض الثقة به وبحركة فتح التي يتزعمها، يرتفع منسوب المبادرة الذاتيَّة لدى المجموعات الشعبيَّة التي ترفض أنْ تُحْسَبَ على أحدٍ أو أن تخضع لأحدٍ، لذا يقوم حاليًا شبابٌ ونساءٌ على وجه الخصوص بهجمات بدافع اليأس. ويبدو أنَّ الجيل الأكبر سنًا، غير الراضي عن نهج عباس لا يعارضهم فيما يفعلونه.
حتى وإنْ لم يرِد أعضاء الحكومة الإسرائيليَّة الاعتراف بالأمر: لا بد على أيَّة حالٍ من الأحوال من الشروع بمحاولة أخرى لإنهاء الاحتلال وتنفيذ حل الدولتين، من أجل التوصل إلى تهدئةٍ دائمةٍ للوضع. وقد أظهر فشل مبادرة كيري في مطلع هذا العام، الحاجة إلى إيجاد شكلٍ بديلٍ عن المحادثات الثنائيَّة المباشرة بين سلطة الاحتلال وأولئك الخاضعين تحت الاحتلال.
لا تزال الولايات المتحدة الأمريكيَّة تُعتبر الوسيط الرئيس في الصراع. ومن دونها لن يشرع الاتحاد الأوروبي أو اللجنة الرباعيَّة الدوليَّة في إطلاق أية مبادرةٍ تفاوضيَّةٍ جديدةٍ، إلا أنَّ واشنطن تبدو مترقّبة حاليًا وتقوم بإجراء ما يسمى "مراجعةً سياسيَّةً". أما الأزمة الحاليَّة فينبغي أنْ تكون دافعًا لبذل جهودٍ جديدةٍ من قِبَلِ المجتمع الدولي. فالاحتجاجات الأخيرة تُظهر أنَّ الجيل الفلسطيني الشاب ليس مستعدًا للقبول بالوضع الراهن.
إنغريد روس
ترجمة: يوسف حجازي
حقوق النشر: قنطرة 2015 ar.qantara.de
تدير إنغريد روس مكتب مؤسسة فريدريش إيبرت الألمانية في القدس الشرقيَّة. وكانت قبل عملها في الأراضي الفلسطينيَّة مسؤولةً عن قسم الشرق الأوسط والأدنى في مؤسسة فريدريش إيبرت في برلين، كما عملت في مكتب مؤسسة فريدريش إيبرت في هرتسليا بصفتها "خبيرةً شابةً".