بطء قطر المؤلم في تنفيذ إصلاحاتها الموعودة
ما من شكّ في أنَّ المَنْح المثير للجدل لحقوق استضافة مباريات بطولة كأس العالم قد ساهم داخل دولة قطر في زيادة الانفتاح في النقاش حول موضوعات كانت تُعَدُّ قبل ذلك من المحرَّمات، مثل حقوق العمَّال الوافدين، الذين يشكِّلون الغالبية العظمى من السكَّان في هذه الدولة الخليجية الصغيرة، ولكن الغنية بمصادر الطاقة. أو حول تعريف هوية قطر وما هي الحقوق التي يجب أن يتمَّع بها المهاجرون للحصول على الجنسية القطرية. ناهيك عن الحقوق والوضع الاجتماعي للمرأة أو الفئات المهمَّشة، مثل المثليين جنسيًا في قطر. الموضوعات التي كانت في السابق طيَّ الكتمان بسبب الخصوصية أو شرف العائلة، باتت الآن مُدرجة على جدول الأعمال العام. ففي بداية شهر تشرين الثاني/نوفمبر 2016 كتب شابٌ قطري عمره ثمانية وعشرين عامًا على موقع الدوحة نيوز، أنَّ الحكومة القطرية تعمل من خلال سياستها على حرمان الشباب والشابات القطريين من حقِّ الزواج من الشخص الذي يختارونه. وباسمه المستعار "يوسف" يصف هذا الشاب القطري، كيف تم إجباره على الانفصال عن زوجته المنحدرة من أوروبا الشرقية، بعد أن رفضت الحكومة القطرية الاعتراف بالزواج ومنح الزوجة الإقامة بحجة أنَّ زوجته ليست مسلمة - على الرغم من أنَّها قد اعتنقت الإسلام. اللعب بحياة الناس وكتب يوسف: "زواجنا جعل مني شخصًا مختلفًا. لقد خرجت من بيتي الزجاجي واستطعت لأوَّل مرة وضع قيمنا الثقافية موضع سؤال. فأنا على سبيل المثال لا أفهم لماذا يُسمح لنا نحن الرجال في دولة قطر بالذهاب إلى نوادٍ، يتم فيها تقديم المشروبات الكحولية، غير أنَّ اللجنة المختصة قد أخبرتني بأنَّ ثقافة زوجتي وتقاليدها لا تتناسبان مع ثقافتنا وتقاليدنا. وهذا ليس له بالنسبة لي أي معنى".
"أعتقد أنَّ حكومة قطر تلعب بحياة الناس. من المؤلم أن أرى مع الآخرين، كيف يتحدَّث بلدي على المسارح العالمية حول حقوق الإنسان، ولكنه يحرم مواطنيه من حقِّ الزواج من الأشخاص الذين يختارونهم. أنا أريد أن أعرف لماذا تم رفض طلبي. وهل يعود سبب الرفض إلى كون عائلتي لا يوجد لديها نفوذ بما فيه الكفاية؟ أم أنَّنا لا توجد لدينا العلاقات الصحيحة؟" "أنا أعرف الكثير من القطريين المتزوِّجين من نساء أجنبيات وقد حصلوا خلال أقل من شهر على موافقة، لمجرَّد أنَّهم كانوا يعرفون شخصًا ما من الحكومة. ولماذا يُسمح لشخص بالزواج من زوجة ثانية أو ثالثة، بينما لا يسمح لشخص آخر بالزواج حتى بزوجة واحدة فقط؟"، مثلما كتب يوسف، وأضاف مستنتجًا: "سأضطر إلى مغادرة قطر والعيش في الخارج عندما أريد أن أكون متزوجًا من زوجة أجنبية. وهذا يُغضبني. لأنَّني أحبُّ بلدي. أنا لا أريد أن أضطر إلى الرحيل عن قطر أو عن عائلتي. ولكن هل يبقى أمامي خيارٌ آخر؟" ومحنة يوسف يكمن سببها في نفس المشكلة التي يعاني منها العمَّال المهاجرون، الذين يعيشون في ظلِّ نظام الكفيل، الذي يضعهم تحت رحمة أرباب عملهم: حيث يتعلق الأمر هنا بالمحافظة على نظام ديموغرافي، لا يُشكِّل ضمنه مواطنو دولة قطر سوى اثني عشر في المائة فقط من عدد السكَّان. وكذلك يتعلق الأمر بالخوف من أنَّ أي تغيير يمكن أن يعرِّض تأثير هذه الأقلية على المجتمع والثقافة والدولة للخطر. بعد ستة أعوام من التحضير لنهائيات بطولة كأس العالم 2022، لم يعد هناك سوى عدد قليل فقط من المشاركين الذين يعتقدون أنَّ بطء قطر المؤلم في تنفيذ الإصلاحات أو حتى إلغاء نظام الرعاية المعروف باسم الكفالة يعود إلى الواقع الديموغرافي الصارم في البلاد. نظام الكفالة متجذِّر بعمق[embed:render:embedded:node:20303]ونتيجة لمنحها الموافقة على استضافة مباريات كأس العالم لكرة القدم لديها وعلى العكس من دول الخليج الأخرى، تعاونت قطر في البداية مع منتقديها، الذين كانوا يحذِّرون من تغيُّرات في ظروف عمل ومعيشة عمَّال البناء العاملين في بناء البنى التحتية لبطولة كأس العالم. واللجنة المنظمة لبطولة كأس العالم لكرة القدم 2022 في قطر وكذلك غيرها من المنظمات القطرية الكبيرة اعتمدت المعايير والعقود النموذجية بالتعاون مع منظمات مثل منظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش. وكان من المقرَّر بحسب الخطة الموضوعة أن هناك إجراءات جديدة ضدَّ سوء استخدام نظام الكفالة سيتم إدخالها إلى حيِّز التنفيذ قبل نهاية هذا العام. غير أنَّ هذه الإجراءات تبقى قليلة وغير كافية عندما يتعلق الأمر بحقوق العمَّال الأساسية. وعلى خلفية تقرير صدر مؤخرًا عن منظمة العفو الدولية، يعارض ادِّعاءات اللجنة القطرية المنظمة لبطولة كأس العالم لكرة القدم، بأنَّ هذه اللجنة تطبِّق المعايير جيدًا، ولكنها لا تستطيع تطبيقها لدى المقاولين، الذين لا يعملون لمشاريع بطولة كأس العالم - يمكننا أن نفترض أنَّ الاتِّحاد الدولي لكرة القديم (الفيفا) يجب أن يتحمَّل المزيد من المسؤولية المباشرة عن هذه المسألة، لا سيما وأنَّه تعرَّض لضغوطات متزايدة بسبب الفشل الذريع في ظروف العمل. وبسبب ظروف العمل في هذه الدولة الخليجية فقد تقدَّم الآن اتِّحاد النقابات المهنية الهولندي بشكوى ضدَّ الفيفا إلى محكمة سويسرية. وإثر ذلك أعلن الاتِّحاد الدولي لكرة القديم أنَّه سيتم مع بداية مباريات بطولة كأس العالم في قطر إلغاء اللجنة المحلية المشرفة على تنظيم نهائيات كأس العالم للمباريات الكبرى.
ويشير التقرير الصادر في اثنين وخمسين صفحة عن منظمة العفو الدولة إلى أنَّ العمَّال العاملين في بناء استاد خليفة الدولي لا يزالون عرضة لسوء المعاملة والاستغلال في ثمانية مجالات. فعلى الرغم من جميع الجهود المبذولة فإنَّ العمَّال لا يزالون يدفعون رسوم توظيف باهظة جدًا، ويعيشون في ظلِّ ظروف مروعة، ويتم جذبهم إلى قطر بوعود عمل وأجور كاذبة، ولا يحصلون على رواتبهم في الوقت المحدَّد، ولا يمكنهم مغادرة قطر بحرية أو تغيير مكان عملهم، وعندما يشتكون يتعرَّضون للتهديد من قبل أرباب العمل. وفي تصريح لها أكَّدت اللجنة القطرية العليا للمشاريع والإرث على أنَّ الظروف السيِّئة المحدَّدة في بداية عام 2015 من قبل منظمة العفو الدولية، قد تمت معالجتها بالفعل في شهر حزيران/يونيو من العام نفسه. وذكرت أنَّ المشكلات قد شملت أربع شركات من أصل أربعين شركة عاملة في موقع بناء استاد خليفة الدولي. وأنَّ اثنتين من هذه الشركات قد تم استبعادهما.
ما مدى جدية قطر؟
وذكرت اللجنة العليا في بيان رسمي أنَّ "النبرة التي صاغت بها المنظمة (العفو الدولية) تصريحاتها الأخيرة، ترسم صورة مضللة لا تُسهم إلاَّ في تعقيد الأمور بدلاً من الإسهام في الوصول إلى حلول تعزِّز التغيير الإيجابي الذي نحققه… مُؤكِّدين على أنَّ هذه البطولة لن تكون مبنية بحالٍ من الأحوال على استغلال العمالة، بل على العكس تمامًا: فهي ستُسهم في تحسين ظروف العمَّال وستكون كما وعدنا حافزًا لتحقيق التغيير الإيجابي. كما نرفض تمامًا وبشكل قاطع أي إشارة إلى كون دولة قطر غير مؤهلة لاستضافة بطولة كأس العالم لكرة القدم". وبالإضافة إلى ذلك فقد ردَّت اللجنة العليا على إشارة آخرى تشير إلى أنَّ قطر تراجعت عن وعودها، بالقول سنتمسَّك بالقيود الحالية الخاصة بتناول الكحول حتى خلال بطولة كأس العالم. ولكن لقد أعلنت قطر قبل ذلك أنَّ تناول الكحول لن يقتصر على البارات في الفنادق وحدها، بل سيمتد أيضًا إلى أماكن محدَّدة في البلاد خلال بطولة كاس العالم.
يجب ألاَّ تتحوَّل حرِّية شرب البيرة أو المشروبات الكحولية الأخرى إلى اختبار لنجاح بطولة كأس العالم في قطر. فهذه البطولة يمكن أن تجذب من الناحية الديموغرافية تشكيلة مختلفة جدًا وبعدد أكبر بكثير من المشجِّعين القادمين من منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والعالم الإسلامي، الذين لا يهتمون كثيرًا بالكحول مثل نظرائهم الغربيين. ومع ذلك فإنَّ قضية التراجع عن السماح بتناول الكحول بالإضافة إلى علاقات قطر المتوتِّرة بشكل متزايد مع منظمات حقوق الإنسان والنقابات المهنية وكذلك وتيرة العمل البطيئة في تنفيذ إصلاحات سوق العمل - تلقي بظلالها على جدية جهود قطر الرسمية. ومن الممكن أن تستخدم قطر صعود الزعماء الشعبويين في جميع أنحاء العالم كفرصة من أجل الحفاظ على الكرة داخل ملعبها فيما يتعلق بتنفيذ إصلاحاتها الخاصة. وهذا الأمر ممكن جدًا. ولكن من الممكن أيضًا أن يركب هؤلاء الزعماء الشعبويون موجة القومية بشكل أقوى من ذي قبل ليظهروا كمدافعين عن حقوق مواطنيهم في الخارج. جيمس م. دورسيعن الألمانية ترجمة: رائد الباشحقوق النشر: موقع قنطرة 2016ar.Qantara.de جيمس م. دورسي هو زميل أوَّل في "معهد س. راجاراتنام للدراسات الدولية" في جامعة نانيانغ التقنية في سنغافورة، والمدير المساعد لمعهد ثقافة المشجِّعين في جامعة فورتسبورغ الألمانية. وهو مؤلف مدوَّنة "العالم المتقلب لكرة القدم في الشرق الأوسط"، وسيصدر له قريبًا كتابٌ يحمل العنوان نفسه. وكذلك نشر مؤخرًا بالتعاون مع الدكتور تيريسيتا كروز ديل روزاريو كتابًا يحمل عنوان "التحوُّلات السياسية المقارنة بين جنوب شرق آسيا والشرق الأوسط وشمال أفريقيا".