ما لا يفهمه السُنّة عن الشيعة
جدران عالية انتصبت لتفصل بين الشيعة والسنة، والسبب الأساسي سوء فهم عدد من المصطلحات والممارسات الشيعية التي لا يفهمها عامة السنة. وساهم الفهم الشائع والمغلوط لها في زيادة حدة الصراع المذهبي في دول مختلفة.
في الكثير من الأحيان يتبادر إلى أسماع السنة مصطلح مصحف فاطمة. أول ما يحضر في ذهن السني أن المصحف المقصود، هو قرآن آخر يعتقد به الشيعة ومختلف عن القرآن الكريم.
الحقيقة أن هناك فارقاً كبيراً بين مصحف فاطمة والقرآن، ومنشأ اللغط والالتباس هو الفهم الخاطئ لكلمة مصحف.
فالمصحف في اللغة تعني "الجامع للصحف المكتوبة بين الدفتين"، وذلك بحسب ما ورد في كتاب لسان العرب لابن منظور.
وبهذا التعريف يكون كل كتاب قد جُمعت وضُمّت أوراقه بعضها إلى بعض مصحفاً، ولا يقتصر هذا المسمّى على وصف القرآن.
ولكن ما هو مصحف فاطمة؟
يفسر السيد كمال الحيدري هذا المصطلح، بأنه بعد وفاة الرسول، نزل جبريل على فاطمة الزهراء ليواسيها ويعزيها في وفاة أبيها.
واستمر نزوله عليها لعدد من الليالي، وكان في كل ليلة يخبرها ببعض الأخبار عن أبنائها وذريتها وما سيحدث لهم في المستقبل، وكان علي بن أبي طالب يسمع تلك الأحاديث فيدونها في أوراق، وفي النهاية جمع تلك الأوراق فتكوَّن ما يعرف باسم مصحف فاطمة.
وتوارث الأئمة الشيعة هذا المصحف حتى آلَ إلى الإمام الثاني عشر الذي يعتقد الشيعة أنه سيخرج ومعه هذا المصحف في آخر الزمان.
الكثير من السنة يعتقدون أن الحسينيات هي مساجد خاصة بالشيعة، وأن الإمامية يقيمون بها الصلاة.
في الحقيقة، الأمر مختلف تماماً، فالحسينيات ما هي إلا أماكن ومقرات لاجتماع الشيعة وهي تختلف عن مساجدهم، فهي أقرب للأندية الاجتماعية والثقافية.
يقول عالم الاجتماع الشيعي إبراهيم الحيدري في كتابه "تراجيديا كربلاء" إنه "في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، بدأ شيعة العراق ببناء الحسينيات كمؤسسات دينية ثقافيه لإقامة الشعائر والطقوس الدينية وبخاصة العزاء الحسيني، ولذلك اتخذت اسم الحسين شعاراً لها".
وكثيراً ما تكون هذه الأندية التي قد تستقبل ندوات ثقافية أو تحتضن تجمعات لمناقشة شأن عام أو يمكن أن يستخدمها الناس لتلقي العزاء بميت، كثيراً ما تشيّد بالقرب من المساجد، ومن هنا أتى الخلط بين الأمرين عند غير الشيعة.
3. التربة الحسينية
الكثير من أهل السنة يتعجبون من طريقة صلاة الشيعة الإمامية، وبالأخص مسألة السجود على قطعة صغيرة من الحجر. السنة عموماً لا يفهمون هذا الفعل، ويعتبرونه نوعاً من تجليات الجاهلية القديمة.
ولكن لماذا يقوم الشيعة بالسجود على هذا الحجر، الذي اعتادوا أن يسموه بالتربة الحسينية؟
يعتقد الشيعة أن المسلمين في عهد الرسول، كانوا يسجدون أثناء صلاتهم على التراب، وكان من غير المسموح أن يجعلوا بين جباههم وبين تراب الأرض حائلاً.
وبعد مقتل الحسين في كربلاء في عام 61 للهجرة، بدأ الشيعة في تحويل بعض من تراب أرض كربلاء إلى قطع طينية مجففة بالشمس، واعتادوا السجود عليها، لأنها وبحسب ما يوضح الشيخ أحمد الوائلي "تربة طاهرة لها مكانة عظيمة، حيث مُثلت فوق أرضها أروع سبل التضحية والفداء".
وعلى الرغم من مكانة التربة الحسينية عند الشيعة الإمامية، فإن السجود عليها ليس من الفرض المحتّم، ولا من واجب الشرع والدين، ولا مما ألزمه المذهب، ولا فرق بينها وبين غيرها من تراب الأرض في جواز السجود عليه، وذلك بحسب ما أورد العلامة عبد الحسين الأميني في كتابه السجود على التربة الحسينية.
يتعجب الكثير من السنة عندما يسمعون الأذان الشيعي الذي ترد فيه عبارة "أشهد أن علياً ولي الله". ورغم ورود هذه الجملة في العديد من المصادر الشيعية، إلا أن الشيعة لا يعتبرونها شرطاً واجباً من شروط الأذان أو الإقامة.
يقول المرجع الأعلى آية الله السيستاني في كتابه منهاج الصالحين إن "الشهادة للإمام أمير المؤمنين بالولاية في الأذان، عند أكثر علمائنا، مكمّلة للشهادة الثانية بالرسالة ومستحبة في نفسها وإن لم تكن من أجزاء الأذان".
5. المراقد الشيعية
في موسم الحج السابق، تناقلت بعض وسائل الإعلام ما مفاده أن إيران قد عزمت تحويل حجيجها لزيارة المراقد المقدسة في العراق بدلاً من الحرمين الشريفين في الحجاز، وهو الأمر الذي أثار استهجاناً كبيراً في الأوساط السنية، رغم نفي السلطات الإيرانية له.
هذا الاستهجان السني مرده إلى نقطتين، الأولى هي عدم وضوح معنى المرقد، والثانية عدم تقبل وصف القداسة لتلك المزارات.
بالنسبة للنقطة الأولى، يوضح رجل الدين الشيعي محمد صادق الكرباسي، معنى المرقد في كتابه تاريخ المراقد، بكونه "اسم مكان من الرقاد وهو النوم باعتبار أن الميت يوضع على جنبه في القبر فقيل له راقد".
وبحسب ذلك التعريف، فإن استخدام لفظ المرقد من الممكن أن يُطلق على أي قبر أو مدفن، شيعياً كان أو سنياً.
أما بالنسبة للنقطة الثانية والمتعلقة بالقداسة، فالسبب فيها أن تلك المراقد تحوي قبور الأئمة الذين يعتقد الشيعة الإمامية بعصمتهم، وأنهم واسطة بين الله وعباده، بمعنى أن لهم شفاعة عند الله، تماماً كما يعتقد سنّة كثيرون بأن بعض الأولياء الصالحين لهم شفاعة عند الله.
6. زواج المتعة
أحد أهم الاختلافات الفقهية بين المذاهب السنية والمذهب الشيعي الجعفري، تتمثل في رفض السنة إباحة زواج المتعة، في الوقت الذي يبيحه الشيعة ويعتبرونه زواجاً مكتمل الأركان.
فقد اعتاد عامة السنة أن يصفوا الشيعة بأنهم أولاد متعة، تعريضاً بذلك النوع من الزواج، وإشارة إلى تشابهه مع الزنا والعلاقات الجنسية المحرمة.
أغلب أهل السنة لا يعرفون أن المصادر الإسلامية السنية والشيعية تتفق في أن زواج المتعة كان مباحاً في بدايات الإسلام، وأن العديد من الصحابة كانوا يمارسونه.
ما الاختلاف إذن؟
يرد الشيخ الراحل أحمد الوائلي على هذا السؤال: "في حين يؤكد أهل السنة أن حكم المتعة قد نُسِخ وأنه قد تم تحريمها بعد غزوة خيبر، فإن الشيعة لم تثبت لديهم أخبار النسخ، وبقيت المتعة حلالاً عندهم".
وهو ما يعني أن الخلاف بين الطرفين، خلاف فقهي حول مسألة نسخ الحكم ليس إلا، ولا يستوجب كل ذلك العداء والتشاحن المثار حول هذه القضية.
7. الحوزات العلمية
اعتاد السني على أن أماكن دراسة العلوم الدينية، تتمركز في الحرم المكي والأزهر والقيروان والزيتونة والعديد من المدارس العلمية المنتشرة في أنحاء العالم الإسلامي، ولم يعرف أن تلك الأماكن من الممكن أن تُعرف بالحوزات.
الحوزة العلمية هو مصطلح شيعي يعني المدرسة الفقهية العلمية التي يتم فيها تدريس العلوم الشرعية الشيعية.
في العصر الحالي، هنالك عدد من الحوزات العلمية في البلاد العربية والإسلامية التي يقيم فيها الشيعة، ويمكن اعتبار أن أهم تلك الحوزات تلك التي تقع في قم والنجف.
ورغم البعد الجغرافي لكل من المدرستين عن الأخرى، ورغم عدم خضوع كل منهما لإدارة أو لإشراف من جهة واحدة، فإن نظام التدريس فيهما يتقارب إلى حد كبير، إذ يمر التعليم بعدد من المراحل المتتالية، كل منها تؤهل للمرحلة التي تليها، وهو ما يتشابه كثيراً مع طريقة التعليم في المعاهد والكليات التقليدية.
يحتفل السني بعيدين دينيين، هما عيد الفطر وعيد الأضحى، ولا يعرف لهما ثالثاً، ولذلك يأتي مسمى عيد الغدير مثيراً لتعجب عامة أهل السنة ولدهشتهم.
ما هو عيد الغدير؟
هو العيد الذي يحتفل به الشيعة في 18 من ذي الحجة في كل عام، لاعتبارهم أنه في أثناء الرجوع من حجة الوداع عام 10 للهجرة، أمر الرسول المسلمين بالتوقف في مكان يعرف بغدير خم، وقام بإلقاء بعض الوصايا على المسلمين، ومنها "مَن كنت مولاه، فهذا علي مولاه".
ويرى الشيعة أن في ذلك القول إعلاناً لولاية وإمامة علي بن أبي طالب على جميع المسلمين، مما يستوجب أن يكون ذلك اليوم عيداً يحتفل به الشيعة في كل عام.
محمد يسري
حقوق النشر: رصيف 22 - 2017
محمد يسري باحث في التاريخ الإسلامي والحركات السياسية والمذهبية، صدر له عدد من الدراسات والكتب المنشورة، منها الحشيشية والمهدية التومرتية، وثورة الأمصار: قراءة تحليلية في الروايات التاريخية. محمد يكتب بشكل مستمر لرصيف 22.