برلماني ألماني: شعب إيران محاصر بفساد النظام وضغط أمريكا وتقاعس أوروبا
السيِّد نوريبور، اندلعت الاحتجاجات في إيران بسبب رفع أسعار البنزين. كم من هذه الاحتجاجات يعود إلى الأزمة الاقتصادية الناجمة عن العقوبات الأمريكية؟
أوميد نوريبور: الناس في إيران محاصرون بين الفساد وسوء إدارة نظامهم من جهة وأقصى الضغوط الأمريكية من جهة أخرى. وهذا يقودهم إلى اليأس والخروج إلى الشوارع.
أَلا يثبت ذلك أيضًا العجز التام من جانب الأوروبيين، الذين لم يتمكَّنوا من الحفاظ على الاتِّفاق النووي؟
أوميد نوريبور: الأوروبيون ليسوا عاجزين، بل لا يملكون الشجاعة. لقد وعدوا بإنشاء آلية فعَّالة للمعاملات المالية، وكان ذلك في شهر أيلول/سبتمبر من العام الماضي (2018). ولكن هذا لم يحدث حتى الآن، لأنَّهم لا يملكون الشجاعة. ولكنهم لا يمكنهم بهذا الشكل إنقاذ الاتِّفاق النووي أو حتى إنقاذ مصالحهم الأمنية الخاصة. وهم لا يفعلون أيضًا أي شيء حيال محنة الناس الذين يعانون في إيران من حقيقة أنَّ مواد الإسعافات الأولية والضمَّادات لم تعد موجودة في الصيدليات، ناهيك عن وجود أدوية السرطان للأطفال.
هل يمكنك رجاءً أن تشرح لنا مرة أخرى كيف تعمل آلية الأوروبيين المالية لدعم التبادل التجاري مع إيران "إينستكس"؟
أوميد نوريبور: لقد وعد الأوروبيون بتقديم تمويل بالوساطة للمعاملات التجارية من خلال آلية الـ "إينستكس". توجد (على سبيل المثال) في دائرتي الانتخابية شركة متوسِّطة الحجم تُنتِج أجهزةً ومعدات طبية وتتاجر مع إيران منذ سنين. وهذه الشركة بمفردها يبلغ حجم تداولها التجاري مع إيران ستين مليون يورو. وعندما أريد العمل كوسيط تمويل، فهذا يعني أنَّ أحدًا ما يأتي إليَّ ويعطيني المال، وأنا بدوري أعطي المال للإيرانيين، وبالعكس. هكذا يجري التمويل بالوساطة.
بيد أنَّ مجموع الأموال التي أتاحتها حتى الآن آلية دعم التبادل التجاري "إينستكس" من أجل المعاملات المالية مع إيران، بما في ذلك تجارة النفط، هو خمسة ملايين يورو. لكن - ومع كلِّ الاحترام - هذا مبلغ تافه. ولهذا السبب فهذه الآلية لا تعمل.
هل يعني هذا أنَّها لا تعمل لأنَّ الأوروبيين لا يريدون إتاحة أموال كافية؟
أوميد نوريبور: هذا صحيح، مع أنَّه من المهم في الاحتجاجات الإشارة إلى أنَّ الأمريكيين يمثِّلون نصف المشكلة. أمَّا نصف المشكلة الآخر فيمثِّله الفسادُ في إيران نفسها. الناس لا يخرجون إلى الشوارع بسبب أسعار البنزين وحدها، بل أيضًا بسبب غياب الحرِّية السياسية.
ما هو الدور الذي يجب أن تلعبه ألمانيا والاتِّحاد الأوروبي الآن؟
أوميد نوريبور: أوَّلًا، يجب علينا أن نبذل كلَّ ما في وسعنا من أجل إنقاذ الاتِّفاق النووي، وهذا الأمر لا يمكن القيام به إلَّا بشجاعة. هذه هي مصلحتنا العليا، لأنَّ امتلاك إيران الأسلحة النووية سيكون بمثابة انتشار الأسلحة النووية في الشرق الأوسط - مع عواقب لا حصر لها بالنسبة للدول المجاورة لنا مباشرة.
هل يعني هذا أنَّ الأوروبيين يجب عليهم أن يضغطوا على الأمريكيين حتى يعودوا إلى المشاركة في الاتِّفاق النووي؟
أوميد نوريبور: لا، فأنا لا أعتقد أنَّ ذلك سينجح. لأنَّ هذا الموضوع مشحون جدًا على مستوى السياسية الداخلية. ولكن يجب عليهم أن يفعلوا شيئًا من أجل أنفسهم، للحدّ من تأثير السياسة الأمريكية. إذا كانت توجد آلية للمعاملات المالية يمكن لإيران أن تمارس التجارة معها - وأعني رجال الأعمال الإيرانيين، الطبقة الوسطى الإيرانية، فأنا لا أتحدَّثُ عن النظام - فعندئذٍ سنكون قد تقدَّمنا خطوة كبيرة.
وثانيًا، يجب علينا أن نتحَّدث حول حقوق الإنسان في إيران وحول القمع الاجتماعي، من دون استخدام هذا الموضوع كذريعة. وثالثًا، يجب علينا أن نوضِّح للأمريكيين أن سياسة أقصى الضغوط -التي ينتهجونها وتعتبر في هذه الحالة بمثابة تغيير النظام من خلال إفقار الشعب الإيراني كله- لا تعمل ببساطة ونحن لن نسمح بذلك أيضًا.
وأخيرًا: بعد أن قام النظام الإيراني بقطع خدمة الإنترنت إلى حدّ ما، عرض الأمريكيون الآن تقديم المساعدة للمواطنين الإيرانيين في استخدام الإنترنت. لا عجب من أنَّ هذا العرض يبدو مسمومًا للبعض في إيران، لأنَّ الأمريكيين بالذات جزء من المشكلة. ولكن أين تبقى مساهمة الأوروبيين في تمكين الإيرانيين من البقاء على الإنترنت؟ لا أرى في هذا الصدد أي شيء من جانب الأوروبيين.
عندما تقوم الحكومات الأجنبية، على سبيل المثال الحكومة الألمانية، بدعم الأهالي في الاحتجاجات السلمية، فهل يساعدهم هذا أم يأتي بنتائج عكسية؟
أوميد نوريبور: أوَّلًا، يجب أن يكون من الواضح هنا أنَّ هذا الدعم لا يتعلَّق بتغيير النظام. وثانيًا، لا يتعلق الدعم بدعم الاحتجاجات ضدَّ الحكومة، بل يتعلق برغبة هؤلاء الناس. ورغبتهم هي الحرِّيات السياسية ومنحهم فرصة عدم إفقارهم. وإذا لم نفعل ذلك، فلن نكسب ثقة هؤلاء الناس أيضًا.
حاوره: كريستوف هازِلباخ
ترجمة: رائد الباش
حقوق النشر: دويتشه فيله / موقع قنطرة 2019
أوميد نوريبور عضو في البرلمان الاتِّحادي الألماني (البوندستاغ) منذ عام 2006 عن حزب الخضر. وهو المتحدِّث باسم السياسة الخارجية لحزب الخضر في البرلمان وعضو لجنة الشؤون الخارجية وكذلك لجنة حقوق الإنسان والمساعدات الإنسانية.