لماذا تقع الجزائر في بؤرة اهتمام أوروبا؟
ازداد اهتمام أوروبا، أي اهتمام الاتِّحاد الأوروبي وبعض الدول الأعضاء في الاتِّحاد الأوروبي، بتكثيف التعاون مع الجزائر منذ أزمة اللاجئين على أبعد تقدير. لقد بات الاتِّحاد الأوروبي يرجو أكثر من ذي قبل أن تعمل الجزائر وكذلك دول شمال أفريقيا الأخرى على إيقاف موجات الهجرة من منطقة أفريقيا جنوب الصحراء إلى أوروبا.
اللاجئون والمهاجرون، الباحثون عن طريق الوصول إلى الاتِّحاد الأوروبي، غالبًا ما يأتون في البداية عبر الطريق الخطير من خلال الصحراء وثم ينتظرون في الجزائر فرصة مناسبة للوصول إلى أوروبا عبر المغرب أو تونس أو ليبيا. وبسبب تشديد مراقبة السواحل في ليبيا، فقد اضطر الكثيرون منهم للعودة إلى الجزائر، حيث لا يجازف بالعبور المباشر من الجزائر إلى الاتِّحاد الأوروبي سوى عدد قليل من المهاجرين، وذلك لأنَّ خفر السواحل الجزائري يراقب الحدود البحرية الجزائرية عن كثب.
يواجه المهاجرون المضطرون للبقاء في الجزائر حياةً صعبة للغاية: فنادرًا ما يجدون عملًا هناك، كما أنَّهم لا يتمتَّعون بأية حماية وحقوق، ويتعرَّضون لعنصرية متزايدة. وفي شوارع الجزائر يزداد عدد النساء الشابات المتسوِّلات القادمات من جنوب الصحراء مع أطفال صغار. ولا يوجد في الجزائر سوى القليل فقط من جمعيات المجتمع المدني التي تعمل لصالح اللاجئين.
منذ انهيار أسعار النفط في عام 2014 بات الكثيرون من المواطنين الجزائريين يعانون بأنفسهم من صعوبات الحياة اليومية المتزايدة، حيث أدَّت الأزمة الاقتصادية إلى زيادة التضخم وزيادة حدة الأزمة الاجتماعية والبطالة بين الشباب. وبسبب ضغط الاتِّحاد الأوروبي من أجل جعل الهجرة إلى أوروبا أكثر صعوبة، تتفاقم المشكلات الاجتماعية في دول العبور الشمال أفريقية مثل الجزائر.
كثيرًا ما تحدث أيضًا في الجزائر - وعلى الرغم من ثروة النفط والغاز - احتجاجات اجتماعية، تصل حتى إلى إقدام بعض المحتجين على حرق أنفسهم، لكن نادرًا ما يتم الحديث حولها في وسائل الإعلام الأوروبية. وتسيطر الحكومة الجزائرية بشدة على كلِّ حدود البلاد بقدر ما يمكنها ذلك من الناحية الجغرافية، وتتعامل بقسوة متزايدة مع المهاجرين. وفي الأعوام الأخيرة حدثت في الجزائر العديد من عمليات الترحيل الجماعية.
ومنذ الهجوم الذي شهدته برلين في شهر كانون الأوَّل/ديسمبر 2016، تطالب الحكومة الألمانية الجزائر - وكذلك الدول المغاربية الأخرى - باسترداد أعداد أكبر من المهاجرين "الخطرين" المحتملين والمتورِّطين في أعمال جنائية. ومن وجهة النظر الجزائرية فقد أصبح هؤلاء الأشخاص متطرِّفين في أوروبا، ولذلك يجب أن تتم محاكمتهم في أوروبا أيضًا. ونتيجة لذلك فقد ارتفع عدد حالات الترحيل من سبع وخمسين حالة ترحيل في عام 2015 إلى أربعمائة وخمسين في عام 2017.
بيد أنَّ أزمة اللاجئين ليست العامل الوحيد الذي زاد من اهتمام أوروبا بتوثيق التعاون أكثر مع الجزائر. فحتى في المسائل الأمنية يرى الاتِّحاد الأوروبي الجزائر في دور "الشرطي المغاربي": إذ يفترض بالجزائر أن تمنع استمرار الإسلامويين الراديكاليين في الانتشار أكثر في منطقة الساحل وتوسيع خلاياهم في شمال أفريقيا.
والجزائر في الواقع تؤدِّي هذا الدور بطريقة ما في المغرب العربي وفي منطقة الساحل المجاورة؛ ولكن ليس لأنَّ أوروبا تريد ذلك، بل بسبب مصالحها الأمنية الخاصة. فنتيجة للجروح العميقة، التي خلفتها الحرب الأهلية في الفترة بين عامي 1991 و2002 وكانت حصيلتها أكثر من مائتي ألف قتيل، يسعى النظام الجزائري إلى منع تجدُّد العنف الإسلاموي الراديكالي بأي ثمن والحفاظ على الأمن الداخلي.
وهكذا فقد عملت الحكومة الجزائرية باستمرار - وخاصة منذ اندلاع الأزمة الليبية - على توسيع سيطرتها السياسية الأمنية في البلاد أكثر، وزادت من وجودها العسكري في المناطق الحدودية مع كلّ من تونس وليبيا والنيجر ومالي وموريتانيا وكثَّفت التعاون الدبلوماسي والأمني مع دول الجوار.
وفي الوقت نفسه تحسَّنت الأوضاع الأمنية على المستوى الوطني إلى حدّ كبير. ولكن مع ذلك لا يزال الجيش وقوَّات الأمن الجزائرية يداهما بعض مخازن الأسلحة ويقبضان على "الخلايا النائمة". وكذلك تحدث حالات متفرِّقة من هجمات أصغر ومحاولات تنفيذ هجمات واشتباكات عنيفة بين قوَّات الأمن والإسلامويين الراديكاليين في مختلف أنحاء الجزائر.
وعلى العكس من ذلك لا يزال التعاون الإقليمي أقل نجاحًا في محاربة السوق السوداء في منطقة المغرب والساحل، حيث لا تزال تجارة المخدِّرات وتجارة الأسلحة والاتِّجار بالبشر مزدهرة.
والجزائر مهمة اقتصاديًا من وجهة نظر الاتِّحاد الأوروبي خاصةً باعتبارها مورِّدًا للطاقة وسوقًا لتصريف البضائع الأوروبية. وهكذا فإنَّ العلاقات الثنائية بين الاتِّحاد الأوروبي والجزائر ضمن إطار اتِّفاقية الشراكة المتنازع عليها (التي دخلت حيِّز التنفيذ منذ عام 2005، وتم تحديثها في عامي 2010 و2017)، بهدف إقامة منطقة تجارة حرّة، تركِّز قبل كلِّ شيء على التعاون الاقتصادي والتقني. ولكن بما أنَّ الجزائر تكاد لا توجد فيها شركات صغيرة ومتوسطة قادرة على المنافسة أو الصمود، فإنَّ الاتِّحاد الأوروبي هو المستفيد بشكل خاص حتى الآن من هذه الاتِّفاقية.
ومن ناحية أخرى فإنَّ أوروبا تمثِّل بالنسبة للجزائر في الوقت نفسه شريكًا تجاريًا رئيسيًا وكذلك مستوردًا للنفط والغاز الجزائريين. من المعروف أنَّ الرئيس الجزائري بوتفليقة أصبح ضعيفًا بسبب مرضه الشديد؛ كما أنَّ حكومة أحمد أويحيى تفتقر إلى الرؤية للإصلاحات الضرورية وفتح النظام الاقتصادي.
وبالنسبة للجزائر لا يزال الاتِّحاد الأوروبي تشكيلًا مجرَّدًا. فالجزائر تُفضِّل التفاوض مع الدول الأعضاء في الاتِّحاد الأوروبي على حدة، وخاصة مع فرنسا وإيطاليا وإسبانيا وأحيانًا مع ألمانيا أيضًا. والجزائر تُبدي قدرًا قليلًا من الاهتمام بأشكال السياسة الأوروبية - مثل سياسة الجوار الأوروبية (ENP) أو الاتِّحاد من أجل المتوسط (UfM) - كما أنَّها تتعامل دائمًا بتحفُّظ.
وفي المقابل تسعى الجزائر إلى التعاون البنَّاء كوسيط في النزاع في مالي وفي الحرب الأهلية الليبية أو حتى في عملية نواكشوط التابعة للاتِّحاد الأفريقي.
من المفهوم أنَّ انعدام ثقة الجزائر بأوروبا كبير لأسباب تاريخية. وبالتالي فإنَّ الطلبات المقدَّمة من جانب أوروبا يتم اعتبارها بسرعة كتدخُّل أو كتجاوز للسيادة الجزائرية ويتم رفضها؛ وبناءً على ذلك فإنَّ تأثير الاتِّحاد الأوروبي السياسي على الجزائر ضئيل.
ولكن بالإضافة إلى مصالحه الأمنية والاقتصادية، يجب على الاتِّحاد الأوروبي ألَّا يُهمل أبعاد التعاون الخاصة بالمجتمع المدني والسياسات التنموية الداعمة للديمقراطية. وذلك لأنَّ القيود المفروضة في الجزائر على سيادة القانون والحرِّيات السياسية وحقوق الإنسان يتم تعزيزها أكثر من تخفيفها بموجب التعاون الأمني والضغوط المضادة للهجرة، التي يمارسها الاتِّحاد الأوروبي. ومن جهة أخرى يمكن للمزيد من الانفتاح من الجانب الجزائري من أجل خلق تعاون مكثَّف أكثر على مستوى المجتمع المدني أن يُعزِّز الثقة المتبادلة بين الاتِّحاد الأوروبي والجزائر بشكل مستدام.
إيزابيل شيفَر ترجمة: رائد الباشحقوق النشر: موقع قنطرة 2018ar.Qantara.de
إيزابيل شيفَر باحثة سياسية ألمانية وأستاذة للعلوم السياسية بجامعة هومبولت في برلين.