مسيحي عراقي: أخشى العودة لداري حتى بعد تحريرها
يسحب يوسف خريطة ويضعها على الطاولة. يقول محركاً رأسه "أنا لن أعود". الأشخاص الجالسون قربه يحركون رؤوسهم أيضاَ مشيرين إلى أنهم يتقاسمون معه نفس الموقف. فهم لا يريدون مغادرة مخيم "مريم العذراء" في العاصمة بغداد، والعودة إلى قرقوش التي أصبحت محررة من الإرهابيين.
قرقوش التي تعد واحدة من أكبر المدن المسيحية في العراق، استولت عليها مليشيات "داعش" في أغسطس / آب 2014، ما دفع بعشرات الآلاف من المسيحيين إلى الفرار. وفي نهاية أكتوبر/ تشرين الأول من العام الحالي 2016 استرجع الجيش العراقي المدينة.
لاجئون عراقيون: لا نريد العودة إلى منازلنا!
في مقهى المخيم هناك توافق في الرأي على أن "العيش في قرقوش لم يعد ممكناً". فرغم عودتهم لزيارة منازلهم بعد تحرير المدينة إلا أنهم رجعوا من جديد إلى بغداد. وهم يتواصلون عبر هواتفهم الذكية مشاهدين فيها فيديوهات الدمار الذي لحق بالمدينة بسبب المعارك. ويعلق يوسف وزملاؤه على الأمر بالقول: "قرقوش كانت بمثابة كنز بالنسبة لنا، لكننا خسرناه إلى الأبد". وهم يتهمون في ذلك "متوحشي داعش" الذين "دنسوا المكان".
يقع مخيم "مريم العذراء" وسط العاصمة بغداد وهو مخصص للمسيحيين فقط. ومنذ ارتفاع عدد المسيحيين الفارين من الإرهابيين استأجر النائب المسيحي في البرلمان العراقي، يونادم كنا، مكانا قرب مقر حزبه الآشوري، وخصصه لتشييد المخيم.
منذ أبريل/ نيسان 2015 يُؤوي المخيم 150 عائلة، تتضمن حوالي 800 شخص، من بينهم 100 طفل في سن المدرسة. وتشرف أيلين التي تقترب من عقدها الرابع، على إدارة المخيم. وبحسب إيلين يصل عدد اللاجئين المسيحيين في بغداد إلى 550 عائلة، أكثرهم يقطنون لدى أصدقاء، وأقارب، أو معارف. ويبدو المخيم نظيفاً وفي حالة جيدة، حيث لا مجال للمقارنة مع مخيمات أخرى، تتوفر فقط على الخيام، وتتحول بعد سقوط المطر إلى أوحال. في "مخيم العذراء" تتوفر كل عائلة على كارافان باللونين الأبيض والأزرق، وتحتوي على غرفتين للنوم، ومطبخ، وحمام.
نهلة (41 عاماً) لاجئة مسيحية تعيش في هذا المخيم مع ابنتها مريم. تقف مع ابنتها البالغة عشر سنوات في المطبخ الصغير لإعداد وجبة الغداء. باب مسكنهما مفتوح على مصراعيه. حرارة الشمس في فصل الشتاء تجعل الكارافان دافئة خاصة وقت الظهر، مما يساعد شيئا ما على مواجهة البرد القارس خصوصا بالليل. قبل التحاق نهلة بمخيم اللاجئين "مريم العذراء" مع عائلتها، كان زوجها يعمل في ورشة لتصليح السيارات في كمب سارة، وهي منطقة تقع في الجهة الجنوبية داخل بغداد.
المسيحيون وسط الصراع السني الشيعي
عندما اشتعلت الحرب الأهلية بين الشيعة والسنة عام 2006، صار المسيحيون وسط مرمى النيران، فاضطر زوج نهلة للتخلي عن عمله وفسخ عقد الشقة التي كان قد استأجرها. وبعدها انتقلت العائلة إلى قرقوش في محافظة نينوى. هذه المدينة الصغيرة التي تقع في منتصف الطريق بين عاصمة الأكراد إربيل والموصل، كانت وقتها مكانا آمنا للمسيحيين.
وخلال فترة قصيرة تضاعف عدد سكان قرقوش إلى 25 ألف نسمة. وتم تشييد خط عازل في المدينة، إضافة إلى إحداث نقطة تفتيش يشرف عليها جنود البشمركة الكردية. وبدأت نهلة وعائلتها يشعران بالأمان هناك، فبنى زوجها بيتا بسيطا، وبدأ مزاولة عمله القديم في إصلاح السيارات، لتتحسن حياة العائلة بشكل أفضل. لكن مقاتلي "تنظيم الدولة الإسلامية" استولوا على المدينة وأدخلوا الذعر إلى سكانها، فوجب عليهم مغادرتها قبل بداية هجوم المليشيات الإرهابية عليها، فكانت شبه فارغة عندما دخلها "الجهاديون" .
تراجع المساعدات وتزايد المعاناة
بسبب الأعداد الكثيرة من اللاجئين داخل العراق لم تعد المساعدات المخصصة للناس في أوضاع صعبة كافية، كما توضح أيلين، المشرفة على المخيم. وفي البداية كانت كبريات المنظمات الإنسانية نشطة، وتمد اللاجئين في المخيم بالكهرباء وألعاب الأطفال وما يحتاجونه. لكن المساعدات الآن أصبحت تركز على الموصل، كما تضيف أيلين.
نهلة وابنتها تعدان الكبة العراقية التي يتم تحضيرها بأرز محشو باللحم والخضر. أما الزوج فقد وجد عملاً جديداً كسائق لدى تاجر كحول بالجملة. فمثل هذه الأنشطة التجارية لا يقوم بها سوى المسيحيين.
المسلمون في العراق لا يحصلون على تصريح لتصنيع أو استيراد أو بيع المشروبات الكحولية. وفي مطلع نوفمبر/ شهر تشرين الثاني من العالم الجاري، صوت النواب المسلمون والشيعة بأغلبية كبيرة داخل البرلمان العراقي على حظر الكحول في عموم البلاد. وبعد هذا الحظر بدأت مخاوف مسيحيين من فقدان مصدر رزقهم. ولذلك يسعى السياسي المسيحي يونادم الطعن في هذا القرار أمام المحكمة العليا.
بيرغيت سفينسون
ترجمة: عبد الرحمان عمار
حقوق النشر: دويتشه فيله 2016