ايران: لا صوت يعلو فوق صوت البروباغندا!
من المؤكد أن اغتيال الولايات المتحدة الامريكية لقاسم سليماني، قائد قوة القدس الايرانية، يعتبر تصعيدا كبيرا ضمن الصراع الممتد منذ زمن طويل بين واشنطن وطهران ولكن ليس من الضروري ان يؤدي ذلك التصعيد إلى حرب عالمية ثالثة، كما يتوقع بالفعل بعد المراقبين. وبينما قد تكون الولايات المتحدة الامريكية قد حققت انتصارا تكتيكيا قصير المدى بقتل سليماني، إلا أنه من الممكن ان يستفيد النظام الايراني من التطورات الأخيرة.
لقد اتخذت ايران مؤخرا خطوات يائسة لمواجهة التحديات الاقليمية والمحلية الكبيرة، التي تواجهها حاليا فعلى سبيل المثال واجهت ايران مؤخرا ارتفاعا مفاجئا لحمى المشاعر الوطنية العراقية ضد النفوذ الايراني بالعراق حيث تم اشعال النار ببعثاتها الدبلوماسية في العراق ومقاطعة بضائعها وحتى آية الله علي السيستاني وهو أرفع عالم دين شيعي في العراق والمولود في ايران انتقد التدخلات الاجنبية (يعني الايرانية) في الشؤون العراقية.
لقد بذل حلفاء سليماني في ايران- وخاصة صحيفة كيهان، لسان حال القائد الاعلى لإيران آية الله خامئني – جهودا واضحة لصرف الانتباه بعيدا عن المشاعر المعادية لإيران حيث اقترحوا في أكتوبر الماضي أن يحتل العراقيون السفارة الامريكية في بغداد.
جنرال الانقلابات وحارس النفوذ الإيراني
لقد احتاجت ايران لتغيير المسار في العراق وذلك من خلال اعادة توجيه المشاعر الحماسية الوطنية في اتجاه معادي للولايات المتحدة الامريكية، والذي حصل ان النقاش في العراق قد تغير بالفعل بعد هجمة الطائرة بدون طيار على سليماني والعديد من العراقيين لا يتساءلون الآن متى ستغادر ايران بل متى ستغادر الولايات المتحدة الأمريكية.
في الوقت نفسه كانت ايران تواجه تحدي محلي كبير فلقد تحرك النظام بوحشية صادمة من اجل قمع مظاهرات حاشدة ضد الاوضاع الاقتصادية المتدهورة مما أدى لمقتل مئات الاشخاص واعتقال آلاف اخرين ومنذ ذلك الوقت كان خامئني محاصر حيث كان يتلقى الانتقادات حتى من قاعدته التقليدية وذلك بسبب سوء تعامله مع الموقف وكما هو الحال بعد تفجر مشاعر السخط في العراق كان خامئني بحاجة لوسيلة لتغيير القصة ويبدو ان الولايات المتحدة قد استجابت الان وبشكل مؤقت لمساعيه من أجل تغيير مثل هذه القصة.
بالنسبة للعالم الخارجي كان سليماني العقل المدبر للنشاطات الارهابية للنظام خارج ايران والمتحكم بوكلاء ايران في المنطقة بما في ذلك حزب الله في لبنان ولكن بالنسبة للإيرانيين كان سليماني شخصية معقدة فبينما اعتبره متشددو النظام بطلا ، كانت هناك نظرة مختلفة له لدى العديد من الايرانيين الذين خسروا احباءهم في المظاهرات السلمية او اعترضوا على هجمات النظام على المنشقين الايرانيين في الشتات.
مهما يكن من أمر وخلال السنوات القليلة الماضية ، نجح النظام في اطلاق حملة علاقات عامة ذكية كانت تصور سليماني على أنه شاعر محارب يشبه نابليون أو قيصر ونظرا لكونه أحد قادة الحرس الثوري الاسلامي القلائل الذين لم تتلطخ سمعتهم بتهم الفساد ، كان يتم طرح اسمه كمرشح رئاسي محتمل للانتخابات القادمة وهكذا وبسبب وجود تعاطف عام بالنسبة لسليماني فإن هذا التعاطف سيمتد الان للنظام ، على أقل تقدير لفترة قصيرة.
عزلة إيران وحرب اقتصادية أمريكية
قبل تلك التطورات الأخيرة ، كانت ايران التي تعاني من عزلة متزايدة دوليا تبحث عن اساليب لاستعراض عضلاتها على المسرح العالمي ففي ديسمبر أجرت وللأول مرة عمليات بحرية مشتركة مع روسيا والصين كما أعلن المسؤولون خططا لتأجير ميناء بوشهر على الخليج الفارسي لروسيا.
[embed:render:embedded:node:38600]
إن من الصعب المبالغة فيما يتعلق بالأبعاد الاستراتيجية لوجود بحري روسي وصيني قوي على الخليج الفارسي وذلك نظرا لإن هذين البلدين هما البلدان الأكثر قابلية لتحدي الولايات المتحدة الأمريكية في السنوات والعقود القادمة ومع التغيير في المزاج بعد وفاة سليماني ، فإن لدى النظام الايراني نافذه يعزز من خلالها علاقاته مع هاتين الدولتين .
في واقع الأمر فإن من الواضح ان النظام الايراني قد أخطأ في التقييم عندما حرّض وكلاءه العراقيين على اقتحام السفارة الامريكية واستخف برغبة الرئيس الامريكي دونالد ترامب بالرد مستخدما القوة.
ولكن باستهداف سليماني فإن الولايات المتحدة الأمريكية كذلك قد تكون قد أخطأت التقدير وذلك من خلال استخفافها بقدرة ايران ورغبتها بالرد علما انه نظرا لحالة الاقتصاد ومستوى السخط في ايران فإنه يتوجب على خامئني أن يبقي الحرس الثوري الايراني والميليشيات الموالية الى جانبه وفي هذه اللحظة فإن تلك القوى تدفع باتجاه الانتقام وبالنسبة لخامئني فإن الموضوع المهم هو ايجاد رد قوي لدرجة إرضاء قاعدته ولكن ليس مستفزا لدرجة ان يؤدي لتصعيد على نطاق واسع.
إن إدارة ترامب بدورها كانت تعمل على أساس افتراض مفاده ان النظام الايراني مجرد من الشرعية وضعيف بسبب السخط المحلي ولدرجة انه لا يستطيع على الاطلاق السماح بحرب كبيرة مع الولايات المتحدة الامريكية وهذا الافتراض الخطير تعزز باعتقاد ترامب الدائم ان الحرب مع ايران ستكون قصيرة جدا ولكن في واقع الأمر فإن النظام الايراني لديه علاقات ثقافية واقتصادية واستخبارية عميقة في طول المنطقة وعرضها وخاصة في العراق وهذا النظام قد اتقن فن الحرب غير النظامية والان ليس لديه خيار سوى الرد بطريقة ما على موت سليماني .
إن المرء ليأمل أن تجعل المتاعب المحلية والرغبة العميقة في الحفاظ على الذات خامنئي وحكومته يتبنون أعمالا رمزية للانتقام عوضا عن اجراءات تصعيدية بالإضافة الى الأمل ان تتصرف الولايات المتحدة الامريكية كذلك بحصافة استراتيجية في الرد على الخطوة القادمة لإيران وإلا فإنه قد ينتهي بنا المطاف لحرب لا يريدها أحد تقريبا ولا يمكن على الاطلاق التنبؤ بنهايتها.
عباس ميلاني
حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت 2020
عباس ميلاني مؤرخ أمريكي إيراني ومتخصص في الدراسات الإيرانية وكاتب يعمل أستاذا زائرا للعلوم السياسية ومديرا لبرنامج الدراسات الإيرانية في جامعة ستانفورد.