إسرائيل أكثر المستفيدين من عودة "صانع الصفقات"

ترامب يرفع أحد الأوامر التنفيذية التي وقعها في أول يوم من تنصيبه.
رفع ترامب العقوبات المفروضة على المستوطنين الإسرائيليين في أول يوم من تنصيبه. (Photo: picture alliance/AP Photo/M. Rourke)

يترقب العالم العربي موقف ترامب من الحروب والأزمات التي تغطي الشرق الأوسط لا سيما في فلسطين وسوريا ولبنان. فيما قد يواصل الرئيس الأمريكي العائد منح إسرائيل حرية أكبر لتحقيق طموحاتها الإقليمية والسياسية في المنطقة.

الكاتب، الكاتبة : هشام هيليير

عندما فاز دونالد ترامب بولايته الأولى عام 2016، تمنّى الكثيرون أن يكون هذا الحدث مجرد صدفة أو إعادة توازن مؤقتة للنظام الأمريكي، حيث أصابت الشعبوية الجسد السياسي للولايات المتحدة الأمريكية بنوبة قلبية.

ولفترة من الوقت، بدت الأحداث التاريخية وكأنها تعزز هذه الرواية. فقد تعافت الولايات المتحدة من كبوتها وسلمت البيت الأبيض في عام 2020 بحزم إلى شخصية من المؤسسة الحاكمة، جو بايدن، مما أدى إلى طيّ صفحة ترامب في سجلات التاريخ. 

وقد يسجل التاريخ أسلوب ترامب "الماغية"، نسبة إلى شعاره: "لنجعل أمريكا عظيمة مجددًا"، كحدث غير مألوف نسبيًا في تاريخ السياسة الأمريكية، لكنه ليس انحرافًا مؤقتًا، إذ عاد ترامب من جديد وفاز بولاية ثانية، الذي يثير تساؤلات لا حصر لها حول مستقبل الشرق الأوسط بالنسبة للشعوب في جميع أنحاء العالم العربي، ولا سيما في الأراضي الفلسطينية المحتلة ولبنان وسوريا. 

وعلى مدى عقود، برزت نقطتان رئيسيتان تمثلان "إجماع واشنطن" الحقيقي حول الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. أولاً؛ مسألة السيادة الإسرائيلية على الأراضي العربية التي احتلتها في عام 1967، بما في ذلك مرتفعات الجولان والقدس الشرقية والضفة الغربية وغزة، التي كانت مرفوضة بشكل عام، حتى لو كلاميًا فقط.

وثانيًا؛ تبني مبدأ التسوية النهائية السلمية المعروف بحل الدولتين، حيث ستقام دولة فلسطينية إلى جانب دولة إسرائيل الآمنة. 

غير أن ترامب أوضح في ولايته الأولى أنه لن يتعامل مع هاتين النقطتين على أنهما غير قابلتين للنقاش، فقد نقلت إدارته السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، معترفًا ضمنيًا بمطالبة إسرائيل بعاصمة غير مقسمة في القدس. كما اعترف ترامب بالسيادة الإسرائيلية على مرتفعات الجولان، وهي أراضٍ سورية احتلتها إسرائيل في عام 1967.

أظهرت هاتان الخطوتان عدم التزام ترامب بالمبادئ الأساسية السابقة التي تمسكت بها معظم الإدارات الأمريكية في العقود القليلة الماضية. ومنذ انتخابه في نوفمبر/تشرين الثاني 2024، دأب وزراء في الحكومة الإسرائيلية على تسمية عام 2025 بـ"عام السيادة الإسرائيلية" على الضفة الغربية. وعندما يتعلق الأمر بحل الدولتين، الذي كان حجر الأساس في الخطاب الأمريكي لسنوات عديدة، حسمت إسرائيل موقفها بأنها لن تسمح بتحقيقه.

هذه ليست ببساطة سياسة نتنياهو، بل هي سياسة باتت الآن محل إجماع مطلق في الأوساط السياسية الإسرائيلية التي تميل أكثر فأكثر نحو اليمين واليمين المتطرف على مدى السنوات العشرين الماضية.

لقد ازداد وجود القوات العسكرية الإسرائيلية بشكل كبير في جميع أنحاء الأراضي المحتلة سواء بالضفة الغربية أو غزة. وفي الضفة، جرى بالفعل ضمّ أجزاء كبيرة من الأراضي المحتلة بحكم الأمر الواقع. 

وفي عهد بايدن، كان هناك بالفعل رفضًا لفكرة استخدام النفوذ الأمريكي لإجبار إسرائيل على تغيير سلوكها، ومع عودة ترامب، من المرجح أن تستمر السياسة نفسها تجاه تصرفات إسرائيل بل ستزداد حدة.

في الواقع، أصدر ترامب، بعد يوم واحد من تنصيبه، أمرًا تنفيذيًا برفع العقوبات الأمريكية التي فرضتها إدارة بايدن على مجموعات من المستوطنين الإسرائيليين في الضفة الغربية.

هل يدعم ترامب وقف إطلاق النار في غزة؟

يتضمن اتفاق وقف إطلاق النار بين الإسرائيليين وحماس الذي دخل حيز التنفيذ الأسبوع الماضي، عدة مراحل. وتنص المرحلة الأولى التي تستمر 42 يومًا على إطلاق سراح بعض الأسرى الإسرائيليين والفلسطينيين، لكن الانسحاب الكامل لقوات الجيش الإسرائيلي من غزة لن يتم حتى المرحلة الثانية على الأقل، في حين أن إعادة إعمار غزة لن يحدث حتى المرحلة الأخيرة.

وتوجد مخاوف جدية من أن إسرائيل لن تمضي إسرائيل في تنفيذ المرحلتين الثانية أو الثالثة على الإطلاق من دون ضغط أمريكي هائل؛ فقد أوضحت إسرائيل في مناسبات عديدة، أنها لا تنوي مغادرة القطاع سواء على المدى القصير أو المتوسط.

وناقشت وسائل الإعلام الإسرائيلية هذا الأمر صراحةً، فقد عمل الجيش الإسرائيلي على توسيع الطرق وبناء بؤر استيطانية وإنشاء بنية تحتية طويلة الأمد في أجزاء من غزة، وهذه إجراءات لن تكون ضرورية حال مغادرة إسرائيل القطاع قريبًا

علاوة على ذلك، صرح نتنياهو بأن "السيطرة الأمنية" على "كامل الأراضي الواقعة غرب نهر الأردن" هي حق ثابت لإسرائيل، في الوقت نفسه، رفض فكرة عودة السلطة الفلسطينية إلى غزة. ومع غياب السلطة الفلسطينية، وبسبب الرفض الواضح لدور حركة حماس، لم يبقَ سوى قوات محلية فلسطينية والجيش الإسرائيلي لإدارة غزة، وهو ما يبدو أنه هو الحال في معظم أنحاء القطاع بالفعل. وحتى في حالة قوات محلية فلسطينية، التي تضم عصابات خارجة عن القانون، ستوجد سيطرة إسرائيلية عميقة على القطاع.

ولا تدع اختيارات ترامب لأعضاء إدارته الرئيسيين، الذين من المرجح أن يؤثروا في العلاقات الأمريكية الإسرائيلية، مجالاً للتخيل حول سياسته تجاه إسرائيل. فقد وعد ماركو روبيو الذي يتولى حقيبة الخارجية بـ"الدعم الثابت" لإسرائيل. أما مايك هاكابي، وهو اختيارٌ أيديولوجي للغاية لمنصب سفير الولايات المتحدة لدى إسرائيل، لا يؤمن حتى بالفلسطينيين كشعب، ولا بالضفة الغربية كأرض محتلة.

أما الاختيار المثير للاستغراب، هو إليز ستيفانيك سفيرة واشنطن لدى الأمم المتحدة، التي تنتقد الأمم المتحدة نفسها انتقادًا لا يُصدق، فضلاً عن مواقفها المؤيدة لإسرائيل. فقد قالت يوم الثلاثاء خلال جلسة استماع لتأكيد تعيينها أمام لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأمريكي، إن لإسرائيل "حقًا توراتيًا في الضفة الغربية بأكملها".

ومن غير المرجح أن يدفع ترامب نتنياهو إلى سحب قوات الجيش الإسرائيلي أو فرض نهاية حاسمة للحرب الإسرائيلية على غزة، والأرجح أن الصفقة الحالية ستنجح في تحقيق الكثير مما هو مقترح في المرحلة الأولى، ولكنها لن تؤدي إلى انسحاب القوات، ولا إلى وقف دائم للأعمال العدائية.

هل أنجزت المهمة؟

خلال حملته الانتخابية، أشار البعض إلى أن رغبة ترامب الجامحة في أن يُنظر إليه على أنه "صانع صفقات" و"صانع سلام" قد يكون لها تأثير جذري على علاقات الولايات المتحدة مع إسرائيل أكثر مما قد يبدو عليه الأمر. ووفقًا لهذا الطرح، فإن ترامب لن يرغب في التعامل مع حرب أثناء وجوده في منصبه، لا سيما بالنظر إلى خطابه على مدى السنوات الأربع الماضية تجاه الصراعات الأخرى التي تشارك فيها الولايات المتحدة. 

ومع ذلك، قد يقدم نتنياهو ببساطة لترامب حلاً يمنح كلا السياسيين ما يحتاجون إليه. 

في عام 2004 عقب الغزو الذي قادته الولايات المتحدة على العراق، وقف جورج بوش الابن على حاملة طائرات وأعلن أن "المهمة أُنجزت". وبالطبع، لم تنجز المهمة ولكن كما كان الحال في 2004، فإن الفوائد السياسية لإعلان "انتهاء الحرب" الآن، حتى مع الحفاظ على وجود الجيش الإسرائيلي في مختلف مناطق غزة، تستحق هذه الصورة الزائفة.

ومن شأن مثل هذا "الحل" أن يسمح لترامب بالاحتفاظ بصورته كـ"صانع صفقات"، بينما يُمكن لإسرائيل أن تمضي قدمًا في خططها بإبقاء السيطرة على غزة وكذلك الوضع كما هو في الضفة، وهو الأمر الذي بدوره يعطل بشكل دائم فكرة الدولة الفلسطينية، ويُنهي كل أمل في الانسحاب من الأراضي المحتلة.

ومع ذلك، يتوقف تحقيق كل ما سبق مرهونًا بعامل رئيسي واحد، ألا وهو طبيعة ترامب المتقلبة. من الممكن تمامًا أن يتحدى ترامب نمطه الخاص، ولو فقط أظهر استعدادًا لإلقاء الحكمة التقليدية في مهب الريح في الماضي إذا كان يعتقد أنه من مصلحته القيام بذلك.

ومن الناحية النظرية، يمكن أن تؤدي عملية صنع القرار التي لا يمكن التنبؤ بها لترامب إلى اتباع نهج مختلف تمامًا في المستقبل، ربما يكون حتى أكثر استنادًا بالقانون الدولي. ولكن من المرجح بدرجة كبيرة أن تبقى غزة "مقبرة القانون الدولي" والنظام القائم على القواعد، بالإضافة إلى عشرات الآلاف من الفلسطينيين الأبرياء.

ماذا عن لبنان وسوريا؟

على النقيض من الوضع في غزة، توجد أسباب وجيهة لصمود اتفاق وقف إطلاق في لبنان. إذ أن المصالح العليا لإسرائيل والولايات المتحدة لا تتعارض في الحفاظ على الاتفاق.

إن إسرائيل ليست مهتمة باحتلال لبنان واستيطانه، بقدر ما هي مهتمة بإضعاف حزب الله بشدة، وضمان ديناميكية تحمي أراضيها الشمالية من هجمات حزب الله. ويبدو أن الأمر الأول قد تحقق خلال الأشهر القليلة الماضية؛ أما الأمر الثاني فمن المرجح أن يتحقق مع عملية سياسية في لبنان.

علاوة على ذلك، يمكن للبنان أن يبدأ مرحلة جديدة بدعم المجتمع الدولي، بما في ذلك واشنطن، مع تولي جوزيف عون الرئاسة ونواف سلام رئاسة الوزراء. ومع ذلك، في حال شعر الإسرائيليون أنهم بحاجة إلى العودة إلى قصف لبنان لإتمام عملية الإذلال، فإنهم سيفعلون ذلك دون عقاب أو احترام القانون الدولي قبل العودة إلى المفاوضات.

حينها، سيكون السؤال المطروح على اللبنانيين هو كيفية مقاومة المطالب الإسرائيلية التي تمس بسيادة الدولة اللبنانية. ومن المرجح أن تدفع إدارة ترامب باتجاه استمرار الديناميكية السياسية الحالية في لبنان، التي تشمل المزيد من تهميش حزب الله. وبما أنّ أجندة الإصلاح في البلاد، التي هي بأمسّ الحاجة إليها، تتزامن أيضًا مع إضعاف قوة حزب الله، فقد يكون هناك تقارب بين بيروت وواشنطن يمكن للبنان الاستفادة منه.

أخيرًا، هناك السؤال الملحّ الذي يطرحه الكثيرون منذ ديسمبر/كانون الأول؛ ماذا ستكون سياسة إدارة ترامب تجاه سوريا؟ كيف ستتعامل مع السلطات الجديدة في دمشق التي أطاحت ببشار الأسد؟ وكيف ستتعامل مع المسألة الكردية، بالنظر إلى أن "قوات سوريا الديمقراطية" التي يهيمن عليها الأكراد تتعرض لضغوط متجددة وهي التي حظيت بدعم أمريكي لفترة طويلة؟

لكن ببساطة، تبقى الإجابة الصريحة على كل هذه التساؤلات في سوريا غير معروفة. لقد أعرب ترامب في ولايته الأولى عن رغبته في خروج القوات الأمريكية من سوريا، لكن ذلك كان قبل إبعاد الأسد عن السلطة. ويتكهن البعض بأن علاقته الجيدة مع الرئيس التركي أردوغان قد تؤثر على موقفه من سوريا في المستقبل، ولكن هذه، على وجه التحديد، مجرد تكهنات. وبعبارة صريحة، لم تكن سوريا تهم ترامب كثيرًا من قبل، وبالتالي لا توجد مؤشرات كثيرة على الطريقة التي سيتصرف بها.

ومن المؤكد أن إسرائيل، الحليف الأقرب لأميركا، متشككة للغاية بشأن الحكام الجدد في دمشق، وتغتنم الفرصة لمزيد من الاجتياح ومضاعفة الجزء الذي تحتله من الأراضي السورية. لكن هذا لا يعني أن ترامب سيرى أن العلاقة العدائية مع دمشق تصب بالضرورة في مصلحته. في نهاية المطاف، الوقت وحده كفيل بإثبات ذلك.

قنطرة ©