"خطط ترامب ستزعزع استقرار الشرق الأوسط"

يقف طفل صغير يحمل علمين فلسطينيين على جانبيه، ويرفع إصبعين في إشارة السلام.
عودة النازحين الفلسطينيين إلى شمال غزة بعد وقف إطلاق النار، 27 يناير 2025. (Photo: picture alliance / Middle East Images | A. Abusalama)

يطالب أستاذ العلوم السياسية الفلسطيني خليل الشقاقي، في حواره مع قنطرة، بقيادة مؤقتة توحد الفلسطينيين لإعادة إعمار غزة وتمهد الطريق للانتخابات، محذرًا من أن خطط ترامب بشأن غزة ستدمر اتفاقات السلام بين إسرائيل ومصر والأردن.

الكاتب، الكاتبة : إنجي غونتر

قنطرة: عند مناقشة مستقبل فلسطين، يبدو أن كل شيء يعتمد على إسرائيل، ودونالد ترامب، والعالم العربي، وخاصة السعودية، بصفتك باحثًا في استطلاعات الرأي، ماذا عن أولويات الفلسطينيين؟

خليل الشقاقي: يريد الفلسطينيون نهاية دائمة للصراع مع إسرائيل. وقف إطلاق النار (في غزة) مجرد بداية؛ إنهم يريدون أن تكون جميع المفاوضات المتعلقة بغزة جزءًا من الجهد الأوسع لإنهاء الصراع وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي. يريدون رؤية ترتيبات انتقالية يجرى وضعها كجزء من رؤية أكبر لتحقيق السلام.

من وجهة نظري، يجب أن يستند هذا السلام إلى حل الدولتين. على الرغم من أنه لا يحظى حاليًا بدعم الأغلبية، إلا أنه إذا جرى تعريف حل الدولتين بطريقة تلبي الاحتياجات الأساسية للفلسطينيين، فسوف يدعمونه.

رجل يرفع يديه أثناء الحديث، وهو يرتدي سترة.
خليل الشقاقي، من مواليد رفح عام 1953، أستاذ العلوم السياسية ومدير المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية في رام الله. أجرى منذ عام 1993 أكثر من 200 استطلاع رأي بين الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة. (Photo courtesy of Khalil Shikaki)

لا يزال المسار إلى إدارة مؤقتة جديدة في غزة غير واضح، وتدّعي السلطة الفلسطينية أنها مستعدة لتولي المسؤولية الكاملة في غزة بعد الحرب، وهو أمر ترفضه الحكومة الإسرائيلية، ماذا يجب أن يحدث بعد ذلك؟

الائتلاف الإسرائيلي الحالي غير مستعد لقبول أيّ ترتيبات انتقالية في غزة يمكن للفلسطينيين الموافقة عليها، ومن الواضح أيضًا أن القيادة الفلسطينية الحالية تفتقر إلى ثقة الشعب الفلسطيني. لا تُعتبر السلطة الفلسطينية سلطة شرعية، إذ لم تجرَ انتخابات برلمانية منذ عام 2006، وكان من المفترض أن تنتهي ولاية محمود عباس الرئاسية قبل أكثر من خمسة عشر عامًا.

تواجه السلطة الفلسطينية تحديًا؛ إذا أرادت أن تحلّ محل حماس في غزة، يجب أن يكون ذلك كجزء من اتفاق مع حماس، وفي سياق مرحلة انتقالية واضحة. لا تملك السلطة الفلسطينية القوة لفرض نفسها على الأرض ضد رغبات حماس.

يريد معظم الفلسطينيين رؤية ترتيبات انتقالية يمكن أن تؤدي في النهاية إلى انتخابات، ولكن لن يكون هناك شيء مستدام ما لم تكن الترتيبات جزءًا من رؤية أكبر تنتهي بحل الدولتين وتحقيق السلام الإقليمي، بدون هذه الرؤية، أشك في أن أيّ وقف لإطلاق النار سيكون مستدامًا.

هل تعتقد أن حماس ستواصل لعب دور في غزة؟

في غياب اتفاق مع الفصائل الفلسطينية الأخرى حول إدارة غزة، ستواصل حماس فرض سيطرتها هناك، لا شك في ذلك.

ويبقى السؤال: كيف يتم نزع سلاح حماس؟ حتى لو وافقت على سيطرة حكومة تكنوقراط على غزة لفترة معينة، فمن غير المرجح أن توافق على نزع سلاحها دون رؤية واضحة لحل الدولتين يتفق عليه الفلسطينيون والإسرائيليون، ويضعنا على طريق إنشاء دولة فلسطينية.

هناك إجماع بين الفلسطينيين، بما في ذلك حماس، على ضرورة القيام بما يلي: ترتيبات انتقالية، ورئيس وزراء قوي، ومؤسسات غير سياسية تسيطر على غزة، وإجراء انتخابات خلال عامين أو ثلاثة؛ لبدء عملية إعادة الإعمار.

هل تتوقع انخفاض شعبية حماس الآن بعد سريان وقف إطلاق النار؟

لا تتراجع شعبية حماس في الوقت الحالي، بل ربما تزداد، لكن هذا كله مؤقت. إذ يدعم العديد من الناس في غزة والضفة الغربية حماس بغض النظر عن كيفية تفسيرهم لنتائج الحرب، لكنهم يمثلون أقلية بين الفلسطينيين، ربما من 35 إلى 40 بالمائة من سكان غزة. كما زاد دعم حماس في الضفة الغربية، لكن هذا الدعم عاطفي أكثر منه مستندًا إلى قيم مشتركة، ونتوقع أن تعود شعبية حماس في الضفة الغربية إلى مستواها قبل الحرب، الذي كان حوالي 20 بالمائة.

منذ عام 2006، عندما فازت حماس بنسبة 44 بالمائة من أصوات الناخبين في غزة، لم تصل إلى هذا المستوى مرة أخرى في أيّ من الاستطلاعات التي أجريناها. وقد ينخفض دعم حماس أكثر، إذا تحقق السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين.

برأيك، من بإمكانه أن يقود سلطة انتقالية في غزة؟

ليس لدي اسم معين. يجب أن يكون هذا شخصًا متفقًا عليه من فتح وحماس والفصائل الأخرى، ويحظى باحترام أغلبية الجمهور الفلسطيني، ويُنظر إليه على أنه غير فاسد، وليس شخصية سلطوية أو سياسية.

تواجه غزة تحديات تتطلب قادة شجعان، لكن مروان البرغوثي، القيادي الأكثر شعبية في فتح مسجون في إسرائيل، فيما جرى استبعاد محمد دحلان وناصر القدوة، اللذان لا يزال لديهما قاعدة سياسية في غزة، من دوائر حركة فتح في رام الله. هل تعاني فلسطين من أزمة قيادة؟

هؤلاء شخصيات سياسية، وليسوا الأشخاص المناسبين للترتيبات الانتقالية. يمكن للبرغوثي، على سبيل المثال، الترشح للرئاسة بعد المرحلة الانتقالية. بغض النظر عن الاسم، فإن الشخص الذي سيكون لديه السلطة لتشكيل حكومة انتقالية والتواصل مع المجتمع الدولي، والبدء في إعادة الإعمار، والتحضير للانتخابات، يجب أن يحظى بالقبول والشرعية كنتيجة للتوافق الوطني.

ليس لدينا برلمان في الوقت الحالي، ولكن يمكن أن يوفر مثل هذا التوافق بديلًا شرعيًا في نظر الجمهور، طالما أنه يؤدي في نهاية المطاف إلى انتخابات.

إذن، الانتخابات هي مفتاح الحل؟

بالتأكيد! إذا لم يُنتخب السياسيون الفلسطينيون، فلن يكون لديهم أيّ شرعية للتفاوض بشأن شيء دائم ومهم مثل اتفاقية سلام.

يزور نتنياهو حاليًا ترامب في واشنطن، وقد يجد الاثنان نفسيهما في مأزق، إذ يرى ترامب أن وقف إطلاق النار في غزة هو إنجازه ويريد الحفاظ عليه، بينما قد يدفع نتنياهو وحلفاؤه اليمينيون لاستئناف الحرب قبل المرحلة الثانية من الهدنة، هل يمكن أن يعطي ترامب الضوء الأخضر لخطط الضم في الضفة الغربية كتنازل لليمين الإسرائيلي؟

 سيكون ذلك تهديدًا لإنجازاته، وخاصة اتفاقيات أبراهام، وهي اتفاقيات التطبيع التي وُقعت عام 2020 بين إسرائيل وعدة دول عربية، بالإضافة إلى مسار التطبيع مع السعودية. إذ يُعتبر أحد أهداف ترامب البناء على ما أنجزه في ولايته الأولى، مما سيتطلب منه التركيز، ولو شفهيًا، على محاولة تلبية مطالب السعودية للتطبيع، التي قد تتضمن الالتزام بدعم قيام دولة فلسطينية في المستقبل.

في الوقت نفسه، لا أقول بالضرورة إن ترامب سيمارس أي نوع من الضغط على الإسرائيليين، سنعرف قريبًا إلى أيّ مدى سيكون ترامب مستعدًا للمضي قدمًا في تلك المسألة. لست متفائلًا جدًا بممارسة ضغط أمريكي على نتنياهو للموافقة على حل الدولتين الذي يلبي احتياجات الفلسطينيين.

اقترح ترامب الأسبوع الماضي نقل 1.5 مليون فلسطيني في غزة إلى مصر أو الأردن، إلى أي مدى يجب أن نأخذ هذا الاقتراح على محمل الجد؟

لا أعتقد أن ترامب يعرف عمّا يتحدث؛ لأن هذا الاقتراح سيدمر معاهدات السلام بين إسرائيل، وكل من الأردن ومصر، اللذين بدورهما سيقاومان بشدة فكرة توطين الفلسطينيين في بلديهما، وسيكون ذلك مزعزعًا للاستقرار للغاية.

 لقد لقي هذا الاقتراح ترحيبًا حماسيًا من اليمين الإسرائيلي، وشخصيات مثل بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير رحبت به باعتباره خطوة نحو إعادة التوطين في غزة.

بالطبع، لا يهتم هؤلاء المتطرفون بمستقبل الأردنيين، فهم يريدون أن تكون الأردن وطنًا للفلسطينيين. لن يمانعوا في انهيار الأردن إذا كان ذلك يعني التخلص من الفلسطينيين في الضفة الغربية، وإذا تمكنوا من دفع الغزيين إلى سيناء، فلن يكترثوا بمعاهدة السلام التي تربط إسرائيل بمصر.

متى ستُجري استطلاع الرأي القادم في غزة؟

نأمل في إجرائه قريبًا، ولكننا نحتاج إلى معرفة أماكن استقرار السكان كي نحصل على عينة تمثيلية. في الوقت الحالي، ينتقل الناس من مكان إلى آخر. أين سيستقرون؟ هل سيعودون إلى منازلهم، حتى لو كانت مدمرة؟ هل سيتم توجيههم إلى ملاجئ جديدة؟ في هذه الحالة، سنتمكن من معرفة عدد الأشخاص الذين يعيشون في هذه الملاجئ، وإنشاء عينة، والبدء في إجراء المقابلات.

ما زلت غير متفائل بأن وقف إطلاق النار سيصمد، ولكن إذا استمر في الأسابيع القليلة المقبلة، فسنكون قادرين على إجراء استطلاع جديد في كل من غزة والضفة الغربية.

أخيرًا، هل لا تزال تعتقد أن "فظائع السابع من أكتوبر والحرب ستتحول إلى مستقبل أفضل للفلسطينيين والإسرائيليين على حد سواء"؟ أنا أقتبس من تحليلك السابق الذي شاركته مع المحلل المصري عبد المنعم سعيد والإسرائيلي شاي فيلدمان.

هذا يعكس آمالنا، نحن لا نعتقد أن ذلك مستحيل. نحن نؤمن بأن السابع من أكتوبر والحرب في غزة تشكلان دافعًا كافيًا للفلسطينيين والإسرائيليين لوضع الصراع وراءهم والمضي قدمًا.

عندما يصل الناس إلى قناعة بأن هذا الصراع يجب أن ينتهي، فإنهم بحاجة إلى تقديم تضحيات. يحتاجون إلى تقديم تنازلات لبعضهم البعض.

لا نتوقع أن تقوم القيادة الإسرائيلية الحالية بذلك، ولا نرى أن القيادة الفلسطينية الحالية قادرة على قيادة هذا الاتجاه، لكننا نؤمن بأن الجمهور الفلسطيني مهتم ومستعد لذلك.

قنطرة ©