تونس تؤسس لديمقراطية عربية أصيلة...من رحم الربيع العربي
فالانتخابات الناجحة التي فاجأت الجميع بسلميتها، تضع حداً لمرحلة انتقال ديمقراطي صعبة في مهد الربيع العربي. وفي الوقت نفسه تؤكد الدور القيادي لتونس في منطقة تسودها فوضى ما بعد الثورات العربية، من انهيار الدولة إلى إعاقة الإصلاح من قبل نخب عاجزة واستبدادية تتحكم في مصير الشعوب العربية منذ عقود طويلة.
من كان يعتقد أن تونس ستلاقي هذه المصاعب؟
لم يكن متوقعا أن يكون الانتقال من ديكتاتورية بن علي الطويلة إلى الديمقراطية وبناء المستقبل صعباً هكذا. ففي الحقيقة تملك تونس أفضل الشروط من بين بلدان ما بعد الثورات العربية، للسير باتجاه التحول الديمقراطي وتكريس دولة القانون، حيث هناك مجتمع مدني قوي نسبياً وحركة نسائية متمكنة ووسطاء اجتماعيون جيدون مثل الاتحاد العام التونسي للشغل، ونظام تربية وتأهيل جيد نسبياً وإدارة فعالة جيدة. وإضافة إلى ذلك، قلّما ظهر الجيش كعامل سياسي له مطامع خاصة.
علاوةً على ذلك، بدأ التحول بعد رحيل بن علي واعداً وبخطة واضحة، فبعد أول انتخابات ديمقراطية للمجلس الوطني التأسيسي في أكتوبر/ تشرين الأول عام 2011، اتفق الفائزون في الانتخابات بسرعة وبشكل مفاجئ على تشكيل حكومة ائتلافية وتوزيع المناصب السياسية.
مصر.. المثال المرعب لإجهاض التحول الديمقراطي
ابتداء من أكتوبر/ تشرين الأول 2012 بدأت عملية التحول في الركود، ففي ذلك التاريح انتظر التونسيون الإعلان عن الدستور من دون جدوى. فالاستقطاب السياسي والاجتماعي بدأ بالتفاقم، وخاصة بعد الاغتيال بدم بارد للمعارض السياسي شكري بلعيد.
النهضة تعلمت من أخطاء الإخوان المسلمين
من البديهي أنه لم يكن متوقعاً تجاوز الإرث الثقيل للديكتاتورية من دون مواجهات اجتماعية داخلية شديدة. لكن الطريقة التي حل بها التونسيون خلافاتهم حول مفهوم جديد للدولة ونموذج المجتمع الحر، كانت حاسمة.
فحركة النهضة الإسلامية تعلمت من أخطاء جماعة الإخوان المسلمين في مصر -التي كانت غير واقعية- وقررت الحركة الدخول في حوار وطني حقيقي مع كل الشركاء والخصوم. وهكذا تصرفت بشكل براغماتي لدى صوغ الدستور وتخلت عن الإشارة إلى المرجعية الإسلامية في الدستور.
وبالتالي استطاعت كل القوى السياسية الاتفاق على دستور هو الأكثر تقدماً في الشرق الأوسط، يضمن التوازن بين المواطنين ذوي التوجه المتدين والعلماني.
بعد نجاح الانتخابات...تحديات كبيرة أمام السبسي
والآن ينتظر رئيس الحكومة الأسبق والرئيس الجديد الباجي قائد السبسي وتجمعه العلماني القومي "نداء تونس" مهام جسيمة، إذ ليس فقط تحقيق الاستقرار الأمني في البلاد وإصلاح الجهاز الأمني من الأمور الملحة، وإنما إنعاش الاقتصاد المنهار منذ الإطاحة بالديكتاتور بن علي أيضا.
ولتحقيق ذلك يجب على السبسي، الذي اعتمد في حملته الانتخابية على شبكات النظام القديم ودولته العميقة، أن يتصرف بشكل براغماتي وأن يتعاون بشكل فعال مع الإسلاميين، الذين يرغبون في حل الأزمات، وقبل كل شيء أزمة البطالة المرتفعة التي تعتبر بمثابة قنبلة موقوتة في تونس. وإلا، فإن الشباب التونسي الذي قاد الثورة سيفقد ثقته بأهدافها وإنجازاتها وسيعزف عن المشاركة الفاعلة في تكريس النظام الديمقراطي الجديد في مهد الربيع العربي.
لؤي المدهون
حقوق النشر: قنطرة 2014