"قضية اعتقال على الأراضي الألمانية بدوافع سياسية مصرية"
ليس من غير المألوف أن يتم في ألمانيا تنفيذ أمر اعتقال صادر عن سلطة أجنبية. ولكن عندما يكون هذا المعتقل صحفيًا معروفًا ويكون أمرُ اعتقاله صادرًا عن القضاء المصري المثير للشكّ والشبهات، فعندئذ تصبح قضية اعتقاله في ألمانيا قضية سياسية.
وهذا بالضبط ما حدث حين تم في يوم السبت 20 / 06 / 2015 اعتقال الصحفي أحمد منصور - مقدِّم برنامج قناة الجزيرة الحواري المعروف في العالم العربي "بلا حدود" - من قبل الشرطة الألمانية الاتِّحادية في مطار برلين تيغل. وتم يوم الإثنين 22 / 06 / 2015 إطلاق سراح هذا الصحفي البالغ من العمر اثنين وخمسين عامًا.
ولكن اختلفت الآراء ووجهات النظر حول ما إذا كان هناك في الحقيقة أمر اعتقال صادر من قبل الإنتربول. فبحسب قناة الجزيرة رفض الإنتربول أمر الاعتقال الذي تم تقديمه من قبل السلطات المصرية في شهر تشرين الأوَّل/أكتوبر 2014. كما أنَّ أحمد منصور قدَّم بحسب قوله الوثائق المناسبة إلى الشرطة الألمانية أثناء عملية اعتقاله. وكذلك صرَّح محاميه البرليني فضلي آلتين بأنَّ هناك مذكرة اعتقال وطلب تسليم لدى السلطات الألمانية.
حكم ملفَّق وغير معقول
في العام الماضي 2014 تم الحكم غيابيًا على هذا الصحفي من قبل محكمة جنائية مصرية بالسجن خمسة عشر عامًا، وذلك بتهمة مشاركته المزعومة في تعذيب محامٍ مصري في ميدان التحرير في عام 2011. لقد وصف أحمد منصور بنفسه هذا الحكم على أنَّه "حكم ملفَّق وغير معقول". وذكر أنَّه في هذه القضية لم يتم تقديم أي دليل يمكن اعتماده. وقال إنَّه لم يكن شخصيًا في ميدان التحرير أثناء وقوع هذه الجريمة، كما أنَّه لا يعرف الضحية. وكذلك أعرب أحمد منصور عن أسفه لأنَّ "دولة مثل ألمانيا تسمح لنفسها بأن تكون عصًا لنظام انقلابي وتوقف الصحفيين المهنيين الذين يخالفون هذا النظام".
كان الصحفي أحمد منصور في زيارة إلى برلين من أجل إجراء مقابلة مع الخبير الألماني في شؤون الجماعات الجهادية غيدو شتاينبرغ. وفي العادة تُصدر المحاكم المصرية أثناء غياب المتَّهم ومحاميه العقوبة القصوى في حال عدم إصدارها حكمًا يقضي ببراءة التَّهم.
لقد فَقَدَ القضاء المصري في الأشهر الأخيرة مصداقيَّته، وذلك من خلال العديد من المحاكمات السريعة وأحكام الإعدامات الجماعية، التي تم إصدارها بحسب رأي منظمات حقوق الإنسان على نحو بعيد كلَّ البعد عن أي شكل من أشكال سيادة القانون.
لا تواطؤ مع النظام المصري
ومن جانبها طالبت قناة الجزيرة يوم الأحد بالإفراج الفوري عن مذيعها البارز أحمد منصور. وكذلك رأى زعيم حزب الخضر الألماني جيم أوزدمير أنَّ في هذه القضية "الكثير من علامات الاستفهام"، وحذَّرت زميلته في حزب الخضر فرانتسيسكا برانتنر القضاء الألماني من أن يصبح "مساعدًا لتحقيق رغبة نظام تعسفي في القاهرة". وفي برلين تظاهر بعد فترة وجيزة من الإعلان عن اعتقال أحمد منصور نحو مائة شخص أمام المحكمة المسؤولة من أجل إطلاق سراحه.
ومنذ عزل جماعة الإخوان المسلمين عن السلطة في مصر، تخوض كلٌّ من مصر ودولة قطر - التي تُموِّل قناة الجزيرة - نزاعًا علنيًا، حيث تقوم قطر بدعم جماعة الإخوان المسلمين، كما أنَّ قناة الجزيرة تعتبر من أكبر منتقدي النظام في القاهرة.
لقد تم في شهر كانون الأوَّل/ديسمبر 2013 اعتقال ثلاثة صحفيين من قناة الجزيرة في القاهرة، وكان من بينهم مراسل قناة الجزيرة الأسترالي بيتر غرسته، ومن ثم تم ترحيله في شهر شباط/فبراير 2015 إلى أستراليا بعد قضائه أربعمائة يوم في السجن. وقد واجهت هذه القضية انتقادات شديدة من قبل منظمات حقوق الإنسان.
وهنا تجدر الإشارة إلى احتفال أنصار النظام المصري باعتقال الصحفي أحمد منصور في ألمانيا باعتباره دليلاً على نجاح الزيارة الرسمية التي قام بها في مطلع هذا الشهر الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى برلين.
كريم الجوهري
ترجمة: رائد الباش